الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أوفق بين عبادة الله تعالى مع الدراسة ومشاغل الدنيا؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا أريد أن ألتزم، ولكني أتجنب من حولي، وأصمت ولا أجد أنيساً، أحس أحياناً أن هذا تشدد، وبأني منافقة، وأفعل ذلك للهروب من الناس، ولكن لن أستطيع العيش وحيدةً، فأفكر أحياناً بالبقاء معهم.

المشكلة أني أجد وأسمع عن الدين شيئاً وعن الواقع شيئاً آخر، والمشكلة أني لا أقوم بصلة رحم، ولا بالتواصل مع الجيران، ولا مع الأصدقاء، وأتجنب الحديث عن أي شيء، والصمت لا يحل المشكلة، وإن تكلمت وقعت في الخطأ، ولا أدري ما يحدث حولي!

أحس أحياناً أنه بسبب الظروف الصعبة أتصرف هكذا، وأنا أتهرب من الدراسة وأقول إني لا أريدها، وأهلي تعبوا من نصحي، وكلامهم صحيح، وهم يضعون فيّ الأمل، وأنا متأخرة في الدراسة، كل أهل بيتي تعبوا بسبب ضيق المعيشة، وكل من حولنا هكذا.

جسمي يؤلمني، وليس باليد حيلة، وعندما أسمع عن حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم -والحياة الشرعية، والتربية الدينية، وتربيتنا نحن، أتمنى لو كنا كذلك، ولكن هل بالأماني! إن أردت أن تكون طبيعياً فعليك بالاندماج مع من حولك، وتسمع للذي يقولون.

أهلي أخذوا عني فكرة أني متشددة، وأنا أريد عوناً على الطاعة، ومن يذكر بها، ولكن عندما أنظر إلى أمي في البيت مع عملها المتواصل، وأبي يهم للقمة العيش والديون، أقول لنفسي: إذا كنت مكانهما ستفعلين مثل ما يفعلان، وستنشغلين بالدنيا، وأنت فعلاً كذلك، لكنك تظهرين خلاف ذلك عند الشدة، فكيف أتصرف؟

كيف أخلص لله وأوحده وأعبده، وأعيش مع من حولي؟ طبيعة الناس من حولي يقولون إني متعالية، ولا أتحدث مع أهلي وأقاربي من الرجال والنساء، وأكتفي بالصمت، ونتيجة لذلك أصبحت وحيدة، ودراستي تغيبت عنها لفترة، وعلي تراكمات، وعندما أذهب للجامعة أرجع للبيت وأنام، ولا أقرأ، وأقول لنفسي دراسة الطب صعبة لا تناسبك، وتشغلك عن ذكر الله، إلا إني لا أذكر الله كثيراً إذا فرغت، فماذا أفعل لأعيش حياة سوية من غير إفراط ولا تفريط؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إسراء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك –أختنا الفاضلة– عبر استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا بهذا السؤال، وبهذه التفاصيل.

أختي الفاضلة: فهمتُ من سؤالك أنك طالبة جامعية في كلية الطب، وربما في السنوات الأولى، وهو السن الذي يُدرك الشاب أو الشابة حقيقة تعارض الواقع مع المُثل الإسلامية العالية، ويقع في حيرة بين أي الطريقين يأخذ، هل يأخذ طريق الدراسة (دراسة الطب) أم يسلك طريق العودة إلى الله عز وجل والعيش في راحة ضمير؟

أختي الفاضلة: ليس هناك تعارض بين هذا وذاك، فأنت بذهابك إلى كلية الطب ودراستك لتكوني طبيبة ينتفع بك الناس؛ أنت بذلك تعبدين الله عز وجل، فمفهوم العبادة في الإسلام ليس مجرد الصلاة والصيام والحج والزكاة فقط، وإنما بالإضافة إليها العمل الذي يقوم به الإنسان، قال تعالى: (وما خلقتُ الجنّ والإنس إلَّا ليعبدونِ)، أن تكون نيتُنا خالصة لله عز وجل، بغض النظر عن مجال عملنا أو دراستنا.

أختي الفاضلة: نعم هناك فرقٌ كبيرٌ بين تعاليم الإسلام وبين واقع كثير من الناس، إلَّا إن هذا يجب ألَّا يصرفنا عن محاولة التسديد والتقريب، ليبذل الواحد مِنَّا جهده، ليُخلص النية إلى الله عز وجل، وبنفس الوقت يُتابع طريقه في دراسته أو عمله، متحرِّيًا الحلال في كل جوانب حياته، وأيضًا لا يسمح لحديث الناس أن يصرفه عن هذين الأمرين: أمر العبادة إلى الله عز وجل، وأمر العكوف على مهنةٍ أو دراسةٍ، نتقرَّبُ بها إلى الله عز وجل.

أختي الفاضلة: بعض ما تمرّين به ذكّرني بأيام دراستي في كلية الطب في جامعة دمشق، حيث تلوح في الذهن مثل هذه الأفكار، إلَّا إن الإنسان بإيمانه يصرف عنه هذه الأفكار التي قد تكون وسوسة للشيطان، بحيث إنه يُوهم الإنسان ما فائدة الدراسة، وما فائدة الطب، وما فائدة كذا وكذا، حتى يصرفه عن بابٍ واسعٍ من أبواب العبادة إلى الله عز وجل، وقد قال الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).

أختي الفاضلة: يمكنك أن تجمعي بين دراستك في أمور الطب، وهو من أنبل الدراسات، تجمعين بينها وبين أن تكوني عابدةً مخلصة لله عز وجل، ودراسة الطب هي محراب الإيمان كما في كتاب الطب (محراب الإيمان) وليست مشغلةً لك عن ذكر الله عز وجل.

التزمي بالصلوات المفروضة الخمس، وحافظي على النوافل، وحافظي على وردٍ من القرآن الكريم، واحرصي على الأذكار في اليوم والليلة، ثم اعكفي على دراستك، وادعي الله تعالى أن يشرح صدرك وييسّر أمرك ويجعلك من المخلصات المتفوقات في مجال دراستك، لتنفعي الناس والمجتمع من حولك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً