الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تنصحوني أن أتزوج بفتاة صالحة وأبوها ذو سمعة سيئة؟

السؤال

أنا شاب، على علاقة بفتاة منذ ٣شهور، وهدفنا الزواج، لم أتقدم لها بصفة رسمية، ولكن كان لي حديث مع أهلها، وكانوا ينتظرون مني التقدم بصفة رسمية، وأهلي كذلك كانوا على علم بعلاقتنا، كما أننا طول هذه الفترة كنا نتكلم في الواقع أثناء الدوام، لأننا نعمل في نفس العمل، ونتكلم أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء كانت رسائل أو مكالمة صوتية، أو مكالمة فيديو.

انتظرنا حتى تتحسن أموري المادية وتتضح، حتى أكون في حجم المسؤولية، -ولله الحمد- تيسرت أموري الآن، ولكن حينما كنت بصدد الاستعداد لطلب يدها بصفة رسمية، تفاجأت بحديث جيرانها الذين أخبروني بأن والدها ذو سمعة سيئة جداً.

علماً بأن الفتاة محترمة، متدينة ملتزمة بحجابها وصلاتها، وكنت أتابعها وأراقبها، ولم أرها يوماً كسرت كلامي، أو أزعجتني، ولم تكن ترتدي الملابس السيئة، وهذا الذي أعجبني فيها، ولم أسمع عنها إلا الخير.

المشكلة هي والد هذه الفتاة، وكما تعلمون بأن المجتمعات العربية لا تقبل أن يتزوج الشاب من فتاة لها أب سيئ السمعة، ولكن الذي يهمني هو نظرة شرع الرحمن.

أفيدني -بارك الله فيكم- فإني في حيرة من أمري، أصبحت مترددًا: هل أواصل المشوار، وأتوكل على الله، وأطلب يد الفتاة بصفة رسمية، أو أتركها؟

علماً أني أجهشت بالبكاء، وقد دخنت كثيراً وصدمت كثيراً، ونظرت للفتاة، وقلت لها: أنت امرأتي، ولن أتركك، ولن أخذلك، وسأتزوجك، وقد وعدتها، والفتاة تحبني، وتقول: إنها أول مرة تدخل في علاقة، وطلبت مني أن لا أخذلها، وأن أكون صادقاً، فأنا الحب الأول لها.

في الحقيقة احترت بين الأثر الذي يقول: (تخيروا لنطفكم، فإن العرق دساس)، وقوله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).

بارك الله فيكم وجعله في ميزان حسناتكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حيدر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الكريم- في استشارات إسلام ويب.

بدايةً -أخي الفاضل-: نسأل الله أن يوفقك ويُرشدك إلى الخير، ولا بد أن نُشير إلى أمر في غاية الأهمية عند بناء الأسرة، وهو ضرورة أن يكون أساس هذا البناء قائمًا على التقوى والالتزام بشرع الله، فهذا طريق الاستقرار وتحقيق السعادة الأسرية كما قال تعالى: (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين).

لذلك -أخي الفاضل- نلفت انتباهك إلى قضية قد يتهاون فيها الكثير، رغم خطورتها، وهي "العلاقات العاطفية قبل الزواج" فلقد حرّم الإسلام هذه العلاقات؛ لأنها تفتح أبواب الفتن، وتؤدي إلى تجاوزات قد تُفسد الأخلاق وتنتهك الأعراض، وبدلًا من ذلك، أباح الإسلام الخِطبة كوسيلة للتعارف الشرعي بين الطرفين عند الرغبة في الزواج، حيث تتم تحت إشراف العائلتين؛ مما يُحقق مقصود الشرع في التعارف والتفاهم بين المقبلين على الزواج.

لذلك: عليك -أخي- أولاً أنت وهذه الفتاة أن تتوبا توبة نصوحًا من هذه العلاقة العاطفية، واجتهدا في الإقلاع عنها، والندم على ما كان، والعزم على عدم العودة إلى أي علاقة غير شرعية.

لا بد أن تعلم أن الخِطبة مجرد وعد بالزواج غير مُلزم، فإذا تم التوافق بين الطرفين، انعقد الزواج، وإذا لم يحدث توافق، فللطرفين الحرية في إنهاء الخِطبة، دون أي التزامات تجاه الآخر.

خلال فترة الخطبة، يُمكنك التعرف على الفتاة وأخلاقها بطريقة مشروعة تُرضي الله، بعيدًا عن التأثيرات السلبية للثقافات الوافدة كالأفلام والمسلسلات، ومواقع التواصل التي تُزين العلاقات غير الشرعية.

أخي الفاضل: إذا كنت ترى أن هذه الفتاة ذات دين وخلق حسن، ومرضية في سمعتها وسلوكها، فهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم: حيث قال: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق عليه، لذلك لا ينبغي تحميلها مسؤولية ما يُقال عن أبيها، لأن الله تعالى يقول: (ولا تزر وازرة وزر أخرى) لذلك نوصيك بما يلي:

أولاً: التحقق من الادعاءات: تأكد من صحة ما يُقال عن والد الفتاة، فقد تكون هذه الاتهامات شائعات أو سوء ظن أو مبالغات. ومن يدري، ربما يكون قد تاب وحَسُنت سيرته.
ثانياً: دراسة التأثيرات المستقبلية: فكّر جيدًا في التأثيرات المحتملة لهذا الزواج على علاقاتك الاجتماعية، وعلاقتك بأسرتك وأرحامك، وتأكد أن هذا الزواج لن يسبب لك أضرارًا أو قطيعةً مع الآخرين؛ لأن الزواج يهدف أيضًا إلى بناء روابط اجتماعية قوية.
ثالثاً: السكن المستقل: إذا قررت المضي قدمًا، فإن السكن بعيدًا عن أسرة الفتاة قد يُساعدك في تحقيق الاستقرار، وتجنب أي تدخلات خارجية، قد تؤثر على حياتكما الزوجية.

أخي العزيز، تذكّر دائمًا أن اللجوء إلى الله بالدعاء والتضرع هو الحل الأمثل، عندما تصيبك الحيرة أو القلق، لا أن تلجأ إلى المحرمات كالتدخين أو غيره، لأنها لن تزيدك إلا همًا وضيقًا.

وعدك للفتاة بالزواج دون اتخاذ خطوات رسمية مثل الخِطبة أو العقد قد يضعك في موقف صعب لاحقًا، لأن الحياة مليئة بالمتغيرات.

أخي العزيز، اعلم أن مشروع الزواج مشروع طويل الأمد، يحمل مسؤوليات كبيرة؛ لذا عليك أن تجمع بين العاطفة والعقل عند اتخاذ قرارك، فالزواج ليس مجرد علاقة عاطفية، أو إعجاب بمظهر، بل هو شراكة تحتاج إلى تحمل أعباء ومسؤوليات تبدأ منذ اللحظة الأولى من الزواج.

بالنسبة للحديث (تخيروا لنطفكم، فإن العرق دساس)، فعلماء الحديث يضعفونه، لكن دلالة المعنى فيه لها وجه من الصحة، فالبيوت الصالحة المعروفة بالخير والتقوى والعلم ومحاسن الأخلاق غالبًا ما يخرج منها الأبناء الذين يحملون هذه الصفات. ورغم أن هذا الأمر ليس قاعدة مُضطردة في كل وقت، فقد كان ابن نبي الله نوح كافرًا، وزوجة نبي الله لوط على غير هدى، وقد يخرج الله الصالح التقي من صلب الفاسق الفاجر، فهذا الأمر يستأنس به ولا يجعل منه قاعدة لا يمكن الحياد عنها.

ننصحك بالدعاء والتضرع بين يدي الله، وكرر صلاة الاستخارة، واستشر من تثق بحكمتهم ومعرفتهم بهذه الأسرة، واطلب نصحهم وإرشادهم، ثم اتخذ قرارك بناءً على معطيات واضحة ومتزنة، فإذا شعرت بالطمأنينة تجاه هذا الزواج، بعد تحقيق الشروط التي ذكرناها، فتوكل على الله.

نسأل الله أن يُوفقك ويُسدد خُطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً