الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صديقة طفلتي تحدثت معها في العلاقة الزوجية، ماذا أفعل؟

السؤال

ابنتي طفلة في التاسعة من عمرها، وصديقتها تحدثت معها عن العلاقات الجنسية، وابنتي تشعر بالذنب لمشاركة صديقتها في هذا الموضوع، وصارحتني بما قالته لها صديقتها.

أريد أن أساعدها في الابتعاد عن هذه الأفكار، والتقرب لله تعالى، فماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أختي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.

نُثني بدايةً على حرصك، واهتمامك بتربية طفلتك، ورغبتك في توجيهها بشكل صحيح.

إن مصارحتها لك بهذا الأمر يُعبّر عن قوة العلاقة بينكما، وشعورها بالأمان والاطمئنان إليك، وهو ما يجب استثماره بشكل إيجابي، في التربية والتوجيه، هذه المواقف تُعد فرصة ذهبية لبناء الثقة وتعزيز القيم لدى طفلتك، فاستفيدي منها بحكمة.

أختي الفاضلة: لا شك أن حرص الوالدين لا يمكن أن يحمي الأبناء من كل المؤثرات الخارجية، لكن يمكن بناء وعي لديهم يمكّنهم من التعامل مع مختلف المواقف بإيجابية، فعندما يتعرف الأطفال على موضوعات مثل علاقة الرجل بالمرأة من أقرانهم، تكون غالبًا مطروحة بشكل سلبي، ومشوه، ومن زاوية الغريزة والشهوة؛ مما قد يؤدي إلى صدمة أو تأثيرات نفسية طويلة المدى؛ لأن الطفل ينظر للكبار عموماً ولوالديه خصوصاً بنوع من التقدير والاحترام، ومن هنا تأتي أهمية التعامل مع هذه الأمور بحكمة وتدرج؛ حتى لا تحدث صدمة نفسية.

حتى تصلي إلى هذا الهدف؛ نقدم لك بعض النصائح المهمة لتطبيقها على مرحلتين أساسيتين:

المرحلة الأولى: تأسيس الوعي بالذات وبناء جسور الثقة.
أولاً: الثناء على المصارحة وتشجيعها، ابدئي بمدحها على مصارحتها لك، وأكدي أهمية استمرارها في الحديث معك عن كل ما يشغلها، قولي لها مثلًا: أنا فخورة بك لأنك أخبرتني؛ وهذا يدل على ثقتك بي، وأنا دائمًا هنا لمساعدتك، هذا النهج يُعزز شعورها بالأمان، ويقلل من إحساسها بالذنب.

ثانياً: شرح دورة الحياة بأسلوب مبسط، اشرحي لها بأسلوب بسيط أن الإنسان ينمو ويتغير مع مرور الوقت، بدءًا من الطفولة ثم الشباب، وحتى الشيخوخة، استخدمي أمثلة من حياتكما: مثل "كنتِ رضيعة صغيرة، وأصبحتِ الآن فتاة جميلة، وكما أنني كنت فتاة صغيرة أصبحت أمًا، وغدًا ستكبرين وتصبحين شابة رائعة" وهكذا، هذا التوضيح يُهيئها لتقبل ذاتها، وتفهُّم التغيرات المستقبلية.

ثالثاً: التدرج في توضيح الفروق بين الجنسين، ابدئي بتوضيح الفروق بين الذكر والأنثى من الناحية "غير جسدية" ركزي على المهام الحياتية، مثل دور المرأة في الحياة، وأهميتها في المجتمع كأم، وأخت، وزوجة، وضحي لها أن الإسلام كرم المرأة وجعل لها مكانة عظيمة، وأن المرأة لها دور كبير في المجتمع، فهذه الفكرة تُعزز من الثقة بنفسها وبأنوثتها، وأن لها دوراً مهماً في الحياة.

المرحلة الثانية: التمهيد لمعرفة العلاقة بين الرجل والمرأة.
أولاً: ربط التغيرات بالنمو الطبيعي، استغلي التغيرات المرتبطة بمرحلة البلوغ، للحديث عن النمو الطبيعي للكائنات الحية عموماً. استخدمي أمثلة من الطبيعة، مثل تطور الزهرة من بذرة إلى نبتة، أو تحول اليرقة إلى فراشة؛ هذا يُساعد على تقبل التغيرات المتوقعة دون صدمة، وأنها ليست وحدها تمر بهذا الأمر.

ثانياً: التركيز على المقاصد الأخلاقية والتربوية للعلاقة، اشرحي لها أن العلاقة بين الرجل والمرأة جزء من سنة الحياة التي أوجدها الله للحفاظ على البشرية، من خلال الزواج، وتكوين الأسرة، وكل الكائنات الحية تمر بهذه العلاقة، أكدي أن الإسلام نظم هذه العلاقة، وجعلها في إطار الزواج، لتحقيق السعادة وبناء أجيال جديدة.

ثالثاً: تعزيز مفهوم الخصوصية والحياء، علميها بلطف أهمية الحفاظ على خصوصية هذه المواضيع، وعدم الحديث عنها مع الآخرين؛ لأنها أمور تحتاج إلى حياء ونضج وفهم أعمق، وقولي لها: "هناك أشياء نتعلمها في الوقت المناسب، وسأكون دائمًا هنا لأجيب عن أسئلتك" عززي جانب العيب والحياء الذاتي من هذه الأمور في مسارها الصحيح.

رابعاً: بعد كل هذا التأسيس وبناء الوعي -تأتي أهم خطوة- فعند بلوغ الطفل سنًا يشعر فيه الوالدان بأنه أصبح على درجة من النضج والوعي، وتجاوز مرحلة الطفولة، يمكن –عند الحاجة– شرح مهام ووظائف الأعضاء بشكل مبسط ومناسب.

يجب أن يرتبط هذا الشرح "دائمًا" بالجانب التربوي والأخلاقي، لضمان بقاء هذا الارتباط حاضرًا في وعي المراهق وفكره، بحيث يدرك أن العلاقة بين الذكر والأنثى تعني الزواج، وتعني بناء الأسرة، وإنجاب الأبناء، وبهذا يكون التأسيس لهذه العلاقة قائمًا على أسس صحية وإيجابية أخلاقية، بعيدًا عن اختزالها في الإثارة والشهوانية الحيوانية السلبية.

أختي الفاضلة، إن بناء الثقة والاحتواء العاطفي في المنزل ضروري لتجاوز هذه المرحلة بسلام، فكوني دائمًا متفهمة لاحتياجاتها النفسية والفكرية، ووفري لها بيئة مليئة بالحب والتفاهم، راقبي صداقات طفلتك عن بُعد، وأبعديها عن الصديقات اللواتي يتحدثن عن هذه الموضوعات، لأنها ستكون مفتاحاً للدخول في مواضيع أخرى أكثر عمقاً، وربما الدخول في علاقات لا تُحمد عقباها.

أختي الفاضلة، لتكون ابنتك قريبة من الله تعالى كوني قدوة لها في أخلاقك، وسلوكك وتدينك، فالأبناء يقتدون بآبائهم وأمهاتهم، وسلوكك اليومي يُعد أول درس لها في الحياة، وأكثري من الدعاء لها بالهداية والصلاح، فقد قال النبي ﷺ: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر) رواه أحمد وأبو داود.

نسأل الله أن يوفقك ويرزقك الحكمة في تربيتك لطفلتك، وأن ينبتها نباتًا حسنًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً