الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي أخذ قرضًا ربويًا ليجهز به زواجي، فما الموقف الصحيح لي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا فتاة عُقد قراني مؤخرًا، ولدي استفساران.

- أول استفسار بخصوص تجهيزات الزواج:

أخذ والدي قرضًا من بنك إسلامي، ولكن للأسف البنك زاد عليه ثلاثة أضعاف المبلغ، وأنا رفضت هذا القرض منذ البداية، واعترضت على أن أجهز نفسي من مال فيه شبهة ربا، وحين صارحته بذلك، عارضني وحزن بسبب قولي: إني لن أتزوج بمال حرام.

أختي نصحتني وقالت: حتى لا يُحبط عملكِ، ولا يغضب عليكِ والدكِ استرضيه، فالإثم ليس عليكِ، علمًا بأنني سعيت مع أختي للبحث عن أي جمعية، أو أي طريق آخر للحصول على المال بالحلال، لكن والدي ظل متمسكًا برأيه، وقال: ماذا نفعل، فليس لدينا مصدر آخر للمال؟ وتحدثت معه وقلت له: دعنا نبحث عن حل، ونؤخر القرض قليلًا، لكنه أصرّ وكان قد حصل على القرض.

منذ ذلك الحين تأخر كل شيء في زواجي، وشعرت أن الدنيا أُغلقت في وجهي، وبدأ يراودني شعور بأن سبب هذا التأخير هو أنني سكتُّ عن الحق منذ البداية، رغم أنني تحدثت، لكن والدي رجل شديد، ولا نعرف كيف نناقشه، فالأمر دائمًا ينتهي بالصراخ.

اعتمدت بعد ذلك على أن إخوتي سيساعدونني في إكمال تجهيزات زواجي، لكن أخويّ الاثنين الآن بلا عمل، لأسبابهما الخاصة، -أسأل الله أن يعينهما-.

تملكني اليأس، فهل أنا آثمة؟ وهل يجوز لي الانتفاع بما حصلت عليه من أشياء، وما سأشتريه من مال القرض، هل هو مال فيه شبهة ربا؟ أنا أعلم أن المال فيه ربا، لكن لا يوجد غيره حاليًا، ولا مصدر آخر يمكنني من خلاله تجهيز نفسي.

- استفساري الثاني بخصوص زوجي:

زوجي رجل فيه الكثير من الصفات الجيدة التي رأيتها، لكنه في لحظات الخلاف لا يعرف كيف يحتوي الموقف، وأحيانًا يقول كلمات تؤلمني، وأنا كذلك -لأكون صادقة-، أقول ما لا ينبغي قوله، ولا أعلم هل هذه طريقتي في التعبير عن الغضب، أم أنني أفرغ غضبي فيه؟

علمًا بأنه تحدث خلافات بيننا من وقت لآخر، فأقول لنفسي: إن الشيطان يتدخل، فأستعيذ بالله ونتصالح، ولكنني قلقة، ولا أعرف ما الذي ينبغي عليّ فعله؟ هل هذا الأمر طبيعي، أم أنني أفتعل المشاكل، أم أنه مجرد سوء تفاهم بسبب قلة خبرتنا؟

أرشدوني، جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أماني حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -اختنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب، نسألُ اللهَ تعالى أن يُقَدِّرَ لكِ الخيرَ حيثُ كان، وأن يُيَسِّرَ لكِ إتمامَ زواجك، ويديمَ الأُلْفَةَ والمحبّة بينكِ وبينَ زوجكِ.

نشكر لكِ حرصَكِ على الحلال، وحرصَكِ على الحذرِ من الوقوعِ فيما حرّمَ اللهُ تعالى من المكاسب، وهذا أمرٌ تُشكرين عليه، وهو سلوكٌ ينبغي أن يستمرّ معكِ في حياتكِ، فإنَّ مَن اتّقى اللهَ جَعَلَ له مخرجًا، ورَزَقَهُ مِن حيثُ لا يحتسِب.

وبخصوص هذا القرض: والذي سميتِه أنتِ "قرضًا من البنك الإسلامي"، فنقولُ: إنّ البنوكَ الإسلاميةَ لا تُقَدِّمُ قروضًا بفائدة، وإنّما تقومُ بعقودِ مبايعة، فإذا كان البنكُ الذي تتحدثينَ عنه من البنوك التي تُعلن التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية، ويملِكُ هيئةً شرعية، وقد سأل والدُك عن العقدِ الذي سيُجريه معهم، وكان من العقود الجائزة شرعًا، فإنّ ذلك جائزٌ وليس من الربا، هذا أولًا.

ثمّ إنّ المالَ الذي سيُؤخذ من البنك ليس هو الربا، الربا هو الزيادة على القرض، وعلى فرض أنَّ هذا البنك لا يلتزمُ بأحكام الشريعة، فإنّ المالَ الذي سيأخذُه والدُك ليس في ذاتِه مالَ رِبا، وإنّما الرِّبا هو ما يأخذُه البنكُ من زيادةٍ على أصلِ القرض، صحيحٌ أنَّ مَن يُشارِكُ في عقدٍ ربويٍّ يُعَدُّ مُعينًا عليه، وآثِمًا مثلَ المرابي، ولكنَّ المالَ نفسَه لا يكونُ حرامًا بذاتِه.

نقول لك هذا الكلام، حتى تتيقّني أنَّ المالَ الذي في يديكِ ليس حرامًا، وليس ربًا، بل هو مالٌ حلالٌ على كلّ تقدير، ولا ينبغي أن تُكثري من تأنيب نفسك، أو لومِ والدكِ على ما فعل، وإن كان اللهُ عزَّ وجلَّ قَدَّر تأخُّر زواجكِ، فربما قدّر الله تعالى ذلك لأمر يعلمه ولحِكمةٍ يعلمها سبحانه، فاللهُ تعالى يختارُ لنا ما هو خيرٌ ممَّا نرجو نحن ونأمل، وقد قال تعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

وصيتُنا لكِ: بأن تُحسني الظنَّ بالله، وأن تُكثري من دعاء الله تعالى أن يُيَسِّرَ لكِ أمرَكِ، ونحن نرى في سيرتِكِ حرصًا على الحلال، وطاعةً للهِ تعالى، ما يجعلنا نستبشرُ خيرًا لك، ونظنُّ أن اللهَ تعالى لن يُضيّعَ جُهدَكِ وتقواكِ، فنسأل اللهَ تعالى أن يُيَسِّرَ لكِ الخير ويُقَدِّرَهُ لكِ، ويجمعَ بينكِ وبين زوجِك قريبًا في عيشةٍ هنيّة، مع التزامٍ بأحكامِ دينِكما، نسأل الله تعالى أن ييسر لكما الخير.

أمّا عن سؤالكِ الثاني: فإنّ زوجَكِ ما دام متّصفًا بهذه الصفاتِ الطيبة التي ذكرتِها، فننصحُكِ بألّا تُكثري من الخلافِ معه، وألّا تُكثري من مخالفتِه، وأن تُحاولي التزوّدَ بالصبر، وتَعويدَ نفسكِ على طاعةِ زوجكِ، وعدمِ مخالفتِه، وقد أوصى النبيُّ: -صلى الله عليه وسلم- صاحبَيهِ وهما في سفرٍ، فقال: "تَطاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا" [رواه البخاري]، فكيف بما يكون بين الزوجِ والزوجة؟ الصحبةُ طويلة، والعِشرة، ستدومُ -بإذن الله- بدوامِ العُمر، ومن ثمّ لا بدّ أن تتعوّدي الصبرَ على زوجكِ، وتحمُّلَ ما قد يقع منه من أخطاء، وستجدين منه في المقابل -بإذن الله- سلوكًا يكافئ هذا السلوك، فإن حياءَهُ منكِ، وحبَّهُ لكِ سيزدادُ، فكلما ازددتِ له طاعةً ازداد لك حبًّا وتعلُّقًا بكِ.

استعيني باللهِ سبحانه وتعالى، وأكثري من دعاء الله تعالى أن يُعينَكِ ويُوفِّقَكِ، ونسأل اللهَ تعالى أن يُقَدِّرَ لكِ الخير حيث كان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً