الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرهقتني العادة السيئة والذنوب التابعة لها، فكيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم.

أكلمكم وأنا مدمر نفسيًا، وقد تعبت بسبب العادة والأفلام المحرمة، الموضوع بدأ عندما كنت في الثالثة عشرة من عمري، والآن أنا في التاسعة عشرة، ولا أعرف كيف أخرج من هذا الذنب العظيم، حياتي ودراستي دُمرت، ولا أستطيع التركيز في أي شيء أبداً، ولا أعرف حتى كيف أتحمل مسؤوليتي، ودائمًا متوتر ومتعب نفسيًا، مع العلم أنني سـألت الوعاظ الدينيين، وحتى الأطباء، لكني مقيد ولا أعرف كيف أتحرك.

أرجوكم ساعدوني وأرشدوني، لعله يكون بداية هدايتي.

شكرًا لكم، وفقكم الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نبدأ حديثنا معك بالدعاء بأن يُفرِّج الله همَّك، ويُبدِّل حُزنك طمأنينة وسعادة، وأن يرزقك الصبر والعزيمة على تجاوز هذه المحنة، فكلماتك تحمل وجعًا عميقًا، ونستشعر فيها معاناتك وصراعك الداخلي المستمر، وليس من السهل الاعتراف بالضعف أو الحديث عن الأخطاء، وهذا بحد ذاته خطوة شجاعة تستحق التقدير.

أخي الكريم: أبشر، فإن الله قريب من عباده، يرى ضعفهم، ويسمع دعواتهم، ويفتح لهم أبواب التوبة مهما بلغت ذنوبهم، كما قال سبحانه: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [الزمر: 53].

من الواضح أنك تعيش حالة من التوتر والإحباط، وتشعر بأن هذه العادة السيئة أصبحت قيدًا يقف في طريق حياتك وتطورك، سواء في الدراسة أو في تحمّل المسؤوليات، وقبل أن نقدم لك نصائح عملية، دعنا نفهم معًا بعض الجوانب النفسية لهذه المشكلة.

أولًا: فهم طبيعة المشكلة:

1. من الجانب النفسي: إدمان العادة السيئة ومشاهدة الأفلام المحرّمة ليس مجرد فعل خاطئ، بل هو عادة مترسّخة في العقل والجسد، كلما لجأت إليها، يفرز دماغك مواد كيميائية مثل "الدوبامين" التي تمنحك شعورًا مؤقتًا بالراحة أو السعادة، لكن المشكلة أن هذا الفعل لا يعالج الجذور الحقيقية للتوتر أو الحزن، بل يزيدها سوءًا على المدى الطويل، هذه الحلقة المفرغة قد تؤدي إلى الإحساس بالعجز أو فقدان السيطرة، وتُضعف من إرادتك تدريجيًا، لكن تذكّر أن هذه الحالة يمكن التغلب عليها، بإذن الله، من خلال الصبر، والتخطيط الجيد، والعمل الجاد.

2. من الجانب الإيماني: شعورك بالذنب هو علامة على أن قلبك حيّ، وأنك لا تزال قريبًا من الله تعالى، فكثير من الناس يقعون في هذا الخطأ، لكن البعض يغفل عن أهمية التوبة والعمل على الإصلاح، وقد قال النبي ﷺ: «كلُّ ابنِ آدمَ خطّاء، وخيرُ الخطّائين التّوّابون» [رواه الترمذي]، فليس المهم أنك وقعت في الخطأ، بل الأهم هو: ماذا ستفعل الآن لتُصلح حالك وتعيد بناء علاقتك مع الله؟

ثانيًا: خطوات عملية للخروج من هذه المشكلة:

1- اجلس مع نفسك جلسة صدق، واجعلها نقطة انطلاق جديدة في حياتك.
• قم بخطوات التوبة كما أمرنا الله، وهي:
• الندم على ما فات.
• الإقلاع عن المعصية فورًا.
• العزم الصادق على عدم العودة إليها.
• استبدال الذنب بالطاعات والعمل الصالح، وتذكّر حديث النبي ﷺ: «التائبُ من الذنبِ كمن لا ذنبَ له» [رواه ابن ماجه].

2- حاول أن تُحدّد ما الذي يدفعك لهذا الفعل، هل هو الفراغ؟ الشعور بالملل؟ الهروب من مشاكل أخرى؟ بمجرد أن تفهم الأسباب، يمكنك العمل على معالجتها، مثلًا:
• إذا كان الفراغ هو السبب، أشغل وقتك بأنشطة مفيدة كالتعلُّم، أو الرياضة، أو التطوّع.
• إذا كنت تلجأ لهذه العادة لتخفيف التوتر، فكّر في طرق أخرى أكثر صحة للاسترخاء، مثل: الذكر، والتفكر في ملكوت الله تعالى، أو التحدث مع أشخاص تثق بهم.

3- قم بترتيب حياتك اليومية كالتالي:
• ضع خطة يومية تشمل وقتًا محددًا للصلاة، وقراءة القرآن، والدراسة، والرياضة.
• حاول الابتعاد عن العزلة قدر الإمكان، فالانعزال قد يزيد من شعورك بالضعف.
• حدّد أوقاتًا للنوم والاستيقاظ؛ لأن النوم الجيد يؤثر إيجابيًا على قوة الإرادة.

4- ابتعد عن المحفزات التي تدفعك للمشاهدة:
• نظّف هاتفك وجهاز الحاسوب من أي محتوى قد يثير هذه الرغبات.
• ابتعد عن الأماكن أو الأوقات التي كنت تمارس فيها هذه العادة.
• لا تبقَ وحدك لفترات طويلة، خصوصًا في أوقات الضعف.

5- اطلب المساعدة إذا شعرت أنك تحتاج إلى دعم أكبر، ولا تتردد في التواصل مع شخص تثق به، سواء من العائلة أو صديق مقرّب، كما يمكنك أيضًا استشارة مختص نفسي لمساعدتك في التعامل مع الإدمان؛ فطلب المساعدة ليس ضعفًا، بل قوّة.

ثالثًا: احرص على تعزيز الجانب الروحي من خلال:
1. الورد القرآني، فاجعل للقرآن الكريم نصيبًا يوميًا في حياتك، اقرأه وتأمل معانيه، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: 9]، فالقرآن نور يبدّد الظلام الذي تشعر به، ويعيد لقلبك الطمأنينة.

2. ألزم نفسك بالأذكار اليومية، وخصوصًا أذكار الصباح والمساء، وادعُ الله بصدق أن يُعينك على ترك هذه العادة، ومن الأدعية الجميلة: «اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن سيئات عملي، وأعوذ بك أن أُغلب على أمري أو أُضل أو أُضل».

3. اجعل صلاتك وسيلة للتواصل مع الله، وحاول أن تصلي بخشوع، واطلب من الله العون في السجود، قال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ [البقرة: 45].

4. الصحبة لها تأثير كبير على سلوك الإنسان، ابحث عن أصدقاء صالحين يشجّعونك على الخير، ويبعدونك عن المعصية، وتذكّر قول الشاعر:

ختامًا -أخي الكريم-: تذكّر أن هذه الحياة دار ابتلاء، وكل إنسان يواجه شكلًا من أشكال الصراع، المهم هو أن تعمل بصدقٍ وإصرار على تجاوز هذه الأزمة، وأن تثق برحمة الله التي وسعت كل شيء.

نسأل الله أن يُثبّتك، ويهديك إلى صراطه المستقيم، ويُعينك على بناء حياة مليئة بالخير والطمأنينة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات