الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حاولت الإقلاع عن العادة السيئة ولم أفلح، فما الحل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ما هي أفضل الطرق والحلول الدائمة للابتعاد عن العادة السرية؟ حاولت كثيرًا الإقلاع عن تلك العادة عن طريق الوسائل الموجودة على الإنترنت، ولكنني فشلت أكثر من مرة.

أرجو منكم حلًا نهائيًا وقويًا في هذا الموضوع.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أسماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أفهم تمامًا مدى صعوبة الموقف الذي تمرين به، ورغبتك الصادقة في التخلص من هذه العادة، إنه صراع يخوضه الكثيرون، ورغبتك في إيجاد حل نهائي وقوي تدل على قوة إرادتك وعزيمتك، وهذا بحد ذاته خطوة أولى نحو التغيير.

العادة السرية، وإن لم تُذكر صراحة في النصوص الشرعية، فقد استنبط الفقهاء حكمها من عموم النصوص التي تحث على غض البصر وحفظ الفرج، ومن الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} (المؤمنون: 5-7).

لكن الأهم أن ننظر إلى الأمر من منظور أعمق؛ إنه صراع مع النفس، وكما قال النبي ﷺ: "المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله"، هذه المجاهدة باب عظيم للأجر والقرب من الله، واليأس ليس من شيم المسلم، فالله تعالى يقول: {وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف: 87)، فشعورك بالفشل المتكرر لا يعني نهاية المطاف، بل هو فرصة لتحديد الأسباب وتصحيح المسار.

للتخلص من هذه العادة نهائيًا، نحتاج إلى نهج شامل يجمع بين القوة الإيمانية والعزيمة النفسية والتغيير السلوكي، وإليكِ بعض الخطوات العملية:

• الدعاء الصادق والمستمر، لأنه السلاح الأقوى، فعليك أن تدعي الله بصدق وإلحاح أن يعينك على التخلص منها، وأن يقوي إيمانك، وأن يعفك، كما يُستحب أن تدعي في أوقات الإجابة كالثلث الأخير من الليل وبين الأذان والإقامة.

• كلما زلت قدمك، استغفري وتوبي توبة نصوحًا، ولا تفقدي الأمل في رحمة الله، فقد قال النبي ﷺ: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"، لذا عليك أن تستشعري بالندم الصادق، وعودي إلى الله.

• الصلاة نور وطمأنينة، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، حافظي عليها بخشوع وتركيز.

• اجعلي لكِ وردًا يوميًا من القرآن، ولو آيات قليلة، حتى تستشعري كلام الله وهو يدخل قلبك، وأكثري من الأذكار، خاصة أذكار الصباح والمساء، ولا تنسي قول "لا حول ولا قوة إلا بالله" فهي مفتاح لكل ضيق.

• حددي الأوقات والأماكن التي تشعرين فيها بالرغبة في ممارسة العادة، سواء كانت عند الوحدة، وقبل النوم، أو عند استخدام الإنترنت، وبمجرد تحديد هذه الأوقات والأماكن، يمكنك اتخاذ خطوات استباقية.

• إذا كنتِ تمارسينها في وقت معين، قومي بشغل هذا الوقت بنشاط آخر، مثل الخروج مع صديقاتك، ممارسة الرياضة، أو قراءة كتاب مفيد.

• تجنبي المثيرات البصرية والسمعية، لأن غض البصر عن المحرمات في الواقع والإنترنت أمر ضروري، فابتعدي عن أي محتوى يثير الشهوة، قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (النور: 30).

• عليكِ بالصيام، فقد قال النبي ﷺ: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"، وبالتالي الصيام يربي النفس ويهذب الشهوة.

• ممارسة الرياضة بانتظام تفرغ الطاقة الزائدة وتحسن المزاج وتقلل التوتر، مما يقلل الميل إلى هذه العادة.

• الفراغ مدخل كبير للشيطان، فانخرطي في أنشطة مفيدة وهادفة: تعلم مهارة جديدة، قراءة، حفظ القرآن، العمل التطوعي، وقضاء الوقت مع الأهل والصديقات الصالحات.

• اكتشفي هوايات جديدة تشغل تفكيرك وطاقتك، مثل الرسم، الكتابة، تعلم اللغات، الطبخ، أو أي شيء يثير شغفك.

• قد يساعدك التحدث مع أمك، أختك الكبرى، أو صديقة مقربة تثقين بها وتلتزم بالدين على تخفيف العبء والشعور بالدعم.

• إذا استمر الصراع وشعرتِ بعدم القدرة على التغلب عليه بمفردك، فلا تترددي في استشارة أخصائية نفسية مسلمة؛ فليس هذا ضعفًا، بل هو رغبة في الشفاء والاستعانة بالمتخصصين الذين يقدمون استراتيجيات سلوكية ونفسية عميقة للمساعدة.

• لن تنجحي من أول محاولة غالبًا، وقد تقعين مرة أخرى، لكن الأهم أن تنهضي وتستغفري وتواصلي المحاولة، قال الشاعر: "وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

• تذكري قصص العظماء من الصحابة والتابعين الذين انتصروا -بإذن الله- على صراعاتهم مع النفس والشياطين، وتذكري قصة يوسف عليه السلام وكيف تحصّن بالعفة رغم الإغراءات، وقال تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَاهُ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (يوسف: 23).

• ابحثي عن السكينة الحقيقية التي لا توجد إلا في طاعة الله والبعد عن معصيته.

أخيرًا -ابنتي- أنتِ في مقتبل العمر، ولديكِ فرصة عظيمة لبناء حياة مباركة نقية، تذكري أن الله يراكِ ويعلم نيتكِ الصادقة، اصبري واحتسبي، وثقي بأن الله لن يضيّع سعيكِ، اجعلي هدفكِ مرضاة الله، وسترين كيف سيفتح لكِ الأبواب ويسهل لكِ الأمور.

ابدئي من جديد الآن، بكل عزم وقوة، وتوكلي على الله، وتذكري أنك لست وحدك في هذا الصراع، وأن رحمة الله وسعت كل شيء.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يطهر قلبك، ويحفظ فرجك، ويجعلك من عباده الصالحين العفيفين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً