الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دخلت في دهاليز الديون والحاجة وزوجتي مقتدرة وغير معينة!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا متزوج منذ ست سنوات، وقد اشترطت زوجتي عند الزواج ألَّا أُجبرها على ترك العمل، فوافقتُ على ذلك بشرط ألَّا يؤثر عملها الخارجي على واجباتها المنزلية، من طبخ ونظافة وغير ذلك، أمَّا من ناحية الإنفاق، فهو مسؤولية الرجل من مسكن ومأكل وما إلى ذلك، ولا تنفق هي من مالها شيئًا إلَّا ما تشاء.

في البداية، كان دخلها بسيطًا، ومع ذلك كانت تساهم في بعض الكماليات، مثل الذهاب إلى المطاعم، وتزيين المنزل، والسفر.

وقد وقفتُ إلى جانبها في مسارها المهني، وساعدتها في اجتياز الامتحانات، ووافقت على تغيير السكن رغم أن ذلك أبعدني عن عملي لأكثر من ساعة، حتى تكون أقرب إلى مقر عملها، ثم فاجأتني لاحقًا برغبتها في تغيير عملها مرة أخرى، فصرنا نحن الاثنان بعيدين عن أماكن عملنا، ومع ذلك وافقت، دعمًا لها ومراعاةً لإصرارها.

لكن الأمور بدأت تسوء؛ فقد أصبحت تعود إلى المنزل متأخرة ومتعبة بسبب طول الطريق، وبدأ الإهمال يظهر على المنزل، وازدادت الأمور سوءًا في السنة الأخيرة، حين دخلتُ في أزمة مالية، واضطررت لبيع سيارتي، وأصبحت أُضيّع ساعتين في الذهاب إلى العمل والعودة منه، في المقابل، أصبح دخلها أعلى من دخلي، لكنها أصبحت تنفقه على نفسها فقط، في الملابس والمجوهرات، وحتى المساهمات البسيطة في الكماليات، كديكور المنزل أو الأثاث، أصبحت تطالبني بتحمّل تكاليفها.

علمًا بأنني أزداد فقرًا بسبب المنزل الذي اشتريته سابقًا ليكون قريبًا من عملها الأول، ولم يكتمل بعد، ولا أستطيع حتى شراء سيارة أخرى، في حين أن دخلها في ازدياد، وتقوم بتوفير المال وادّخاره لنفسها، بل وتفكر في استبدال سيارتها بأخرى فاخرة، دون مساعدتي.

كل ما أملكه أنفقه على العائلة، ولا أستطيع إجبارها على ترك العمل؛ لأنني وافقت على ذلك قبل الزواج، ومع أنها لم تعد تهتم بالأعمال المنزلية إلَّا في عطلة نهاية الأسبوع، فهي كذلك لا تساعد أهلها، ومالها كله ملك لها بسبب استقلال ذمتها المالية، وتستعمله فقط للتوفير وفي المجوهرات، فهل هذا عدل؟ وبماذا تنصحونني؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

أولًا: نشكر لك -أيها الحبيب- التزامك بالوفاء بالشرط لزوجتك، وهذا من حُسن خلقك وحُسن إسلامك، ونسأل الله تعالى أن يزيدك خيرًا وصلاحًا، وأن يُخلف عليك كل غائبةٍ بخير، وأن يُعوِّضك خيرًا مما تنفق.

والتزام الشرط -أيها الحبيب- أمر متعيِّن، لأن الرسول ﷺ يقول: «إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ»، ولكن هذا الشرط يُعطيها حق الخروج بمقتضى هذا الشرط للعمل، وإذا لم تفِ لها بهذا الشرط، فهذا الشرط يُثبت لها حقّ الطلاق دون مقابل. وأنت أعلم الناس بالواقع الذي تعيشه، وما هي المصالح والمفاسد التي ستترتَّب على عدم التزامك بهذا الشرط.

أمَّا ما ذكرته من شأن الإنفاق على البيت؛ فكما تفضلت أنت، وفهمك كان صائبًا، أن الإنفاق على البيت من واجبات الزوج، ولكن أيضًا له على زوجته حقوق، ومن هذه الحقوق حُسن العشرة في البيت، والقيام بخدمته في البيت بما جرى به العرف وجرت عليه العادة.

ونصيحتنا لك: أن تُحاول تناول الأمر بهدوء وبعيدًا عن التوتر، حاول أن تجلس مع زوجتك جلسة هادئة، وتحاول أن تبيِّن لها أن الحقوق والواجبات متبادلة بين الزوجين، وأن الله -سبحانه وتعالى- أمر بالعدل، ونهى عن الظلم والحيف، وذمَّ المطففين {ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُوا۟ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (المطففين: 2-3).

فحاول أن تضع نقاطًا تتفاهم فيها مع زوجتك، وأن الإعانة بين الزوجين مطلوبة على جهة الاستحباب، وحُسن العشرة، وأسباب الوُد، وإن لم تكن واجبة.

وما دامت هي متيسرة، وأحوالها المادية أحسن من أحوالك؛ فإعانتها لك في هذه الظروف لها فيها خير كثير وأجر عظيم، فحاول أن تتفاهم مع زوجتك في هذا المسار، وأن تستعين بمن يُؤثّر على زوجتك ممن له كلمة مقبولة عندها، ونرجو -إن شاء الله تعالى- أنك إذا سلكت هذا الطريق ستصل إلى مقصودك أو بعض مقصودك.

أمَّا إذا أردت إقامة الميزان بالعدل تمامًا، فكما قلت لك في بداية الأمر، فإنها تستحق أحد أمرين:

- إمَّا الإذن لها بالخروج للعمل ما دام هذا العمل لا ترتكب فيه محرمًا، وبحسب ما جرى الاتفاق عليه وقت اشتراط هذا الشرط في عقد الزواج، أي أن يكون على نفس الوتيرة وبنفس الدرجة، وألَّا يزيد على ذلك؛ لأن هذا لم تشترطه أنت على نفسك.

- أو إذا لم تُوافق أنت على الإذن لها بالخروج لهذا العمل، فتستحق هي بعد ذلك أن تختار أحد الأمرين: إما أن تبقى في البيت دون خروج، أو أن تختار الطلاق.

هذا هو الميزان الذي تترتَّب عليه ثمار هذه الشروط، فإذا زاد عملها عن القدر الذي كان متفقًا عليه؛ فمن حقك أن تمنعها من ذلك، ومن حقك أن تأذن لها في مقابل أن تُساعدك في النفقات المادية.

فهذا هو العدل، أما الإحسان فما سبق بيانه من قبل، فاستعن بالله -سبحانه وتعالى- وحاول بهدوء أن تتوصَّل مع زوجتك إلى اتفاق يرضي الطرفين، وتتعاونان فيه جميعًا على أعباء هذه الحياة بودٍ ورحمةٍ، كما أخبر الله تعالى في كتابه عن الزوجين، واستعن بمن يعينك على الوصول إلى هذه النتائج، ومن ذلك دعاء الله -سبحانه وتعالى- أن يديم الألفة والمودة والرحمة بينك وبين زوجتك.

نسأل الله تعالى أن يُقدّر لك الخير حيث كان ويرضِّيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً