الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المكان المناسب للنظرة الشرعية بين الخاطب والمخطوبة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نحن في مجتمع لا يفصل بين النساء والرجال في الجلسات عادةً، حيث يأتي الخطاب، وتكون الأسرة بأكملها مجتمعةً في غرفة الضيوف نفسها، وأنا أشعر بالحرج عند دخولي عليهم، ولا أتمكن من وضع القليل من المكياج ليراني الخاطب في النظرة الشرعية؛ وذلك لوجود أشخاص غير محارم، مثل: والد العريس، أو بعض أقاربنا.

وللأسف بعض الأهالي والخُطّاب لا يعودون، ويظنون أن عدم تزيّن الفتاة دليل على أنها لا تهتم بنفسها، مع أنني أكون بلباس ساتر وأنيق، لكنني لا أجد الفرصة لوضع شيء على وجهي؛ بسبب وجود رجال غرباء كما ذكرت.

فهل هذا مبرّر مقنع لرفض الخاطب، أم أنه ظلم للفتاة؟ وما التصرف الأمثل في مثل هذه الحالة؟

جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رندة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله أن يُقدّر لكِ الخير، وأن يهدينا جميعًا، وأن يردّنا إلى دينه وإلى هدي نبيه ردًّا جميلًا.

يؤسفنا أن تكون في مجتمعاتنا مثل هذه العادات التي تُصادِم شرع الله، والمعروف أن النظرة الشرعية بين الخاطب والمخطوبة ينبغي أن تُهيَّأ في ظرف مناسب، لا كما يحدث أحيانًا في وجود عدد من الناس؛ فإن هذا يحرِم كل طرف من أن ينظر أو يأخذ راحته في تقييم الشخص الذي سيكون شريكًا له في مستقبل حياته، وهو وضع فيه إجحاف بحق الخاطب والمخطوبة، إضافةً إلى كونه مخالفة شرعية كبرى؛ إذ لا يجوز اجتماع هذا العدد الكبير من غير المحارم، فإن كان يُسمَح للخاطب أن يرى الفتاة وترى هي الخاطب، فلا يجوز ذلك لغيرهم، ولا يصحّ وجودهم أصلًا، ولا مكان لهم في هذا الموقف، وأرجو أن يكون همُّنا، نحن معشر المتعلمين هو تصحيح مثل هذه المخالفات الشرعية الكبرى، التي تُلحق بنا الضرر، وهي مما يُغضِب الله.

أمَّا بالنسبة لنظرة الخاطب للمخطوبة: فبعض الفقهاء يرى أنه ينبغي أن يراها على طبيعتها، وترى هي كذلك الخاطب على طبيعته، حتى مسألة المبالغة في التزيُّن والتجمُّل من الطرفين ليست من الأمور المطلوبة، وإنما درج الناس عليها، وإلَّا فالأصل أن يراها كما خلقها الله، وأن تراه كما خلقه الله؛ لأن الزينة والمظاهر الحديثة قد تُخفي عيوبًا قد تُفاجِئ الطرف الآخر بعد الزواج.

ولذلك، ننصحكِ أن تكوني على الخير، اكتفي بالوضوء والطهارة، ونظافة الوجه، وطاعة الله تبارك وتعالى، وإذا وُجد غير الخاطب من الحاضرين، فلا تفعلي ما يُغضب الله عز وجل، واعلمي أنكِ في النتيجة ستربحين، فمَن الذي أراد ما عند الله ولم ينجح ولم يربح ولم يسعد في هذه الحياة؟

أما هذا الخاطب الذي ينفر بهذه الطريقة، ويتهم الفتاة بأنها لا تهتم بنفسها أو بزِينتها، فهذا أيضًا دليل على جهله بشرع الله، ودليل على عدم معرفته بالحدود في مثل هذه الأمور، وعليه يمكن أن يكون هذا الأمر ضمن التفاهم، ويُوضَّح للخاطب عند تواصله مع أهل المخطوبة، بأن يُبيِّنوا له أن الفتاة لا تستطيع التزيُّن لوجود مَن لا يجوز له النظر إليها، فحتى نظرة الخاطب للمخطوبة هي استثناء شرعي، إذ إن النبي -صلى الله عليه وسلم- وجَّه مَن أراد الزواج بقوله: "انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا" [رواه الترمذي]، وقال: "فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا" [رواه مسلم]، وفي هذا دليل على أن النظرة ينبغي أن تكون فاحصة؛ لأن مثل هذه العيوب الخفيَّة لا تظهر إلا بنظرة متأنّية.

وعليه، فأنتِ على خير، ولا تتحرّجي ممن يرفض لأجل هذا، فإن مَن يُقدّر المظاهر أكثر من المبادئ لا خير فيه، وثقي أن ما قدّره الله لكِ سيأتيكِ لا محالة، لكن أكرر: مثل هذا الأمر ينبغي أن يُتّفق عليه مُسبقًا، ويُوضَّح أن التزيُّن غير ممكن بسبب وجود عادات أو تقاليد أو محاذير شرعية، وهذا مما ينبغي التنبيه عليه.

وبُشرى لكِ، فإن من أرادت ما عند الله فهي رابحة، كما في قصة تلك الفتاة التي أراد أهلها أن يعبثوا بحاجبها لتزيينها لزوجها، فرفضت، وقالت لهم: لن أفعل هذا، حتى لو طلقني في هذه الليلة، فلما دخل عليها قال لها زوجها: أجمل ما فيكِ هو هذا الحاجب، فمن الذي جمّلَه في عينه؟ إنه الله تبارك وتعالى، فقلوب الرجال، وقلوب الأزواج، والخُطّاب، والناس، كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلّبها ويصرّفها.

فاثبتي على ما أنتِ عليه من الخير، وشكرًا لكِ على هذا الحرص، ودعونا جميعًا نسعى في تغيير هذه العادات المخالفة لشرع الله، ونسأل الله أن يردّنا جميعًا إلى كتابه وإلى هدي نبيه ردًّا جميلًا، هو وليُّ ذلك والقادر عليه.

نسأل الله أن يُعينكِ على الخير، ويُلهمكِ السداد والرشاد، ويُقدّر لكِ الخير ثم يُرضيكِ به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً