الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فقدت أسرتي ومالي بسبب دخولي عالم القمار، فكيف أستعيدهم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا عربي، وكانت حالتي المادية جيدة، لكنني تعرفت إلى صديق أدخلني في الرهانات الإلكترونية وألعاب الحظ -القمار-، وأصبحت الآن مشتتًا، ولا أملك من نفسي شيئًا، حتى أسرتي تخلت عني! لقد عملت جاهدًا لكي أستعيد توازني، لكنني فشلت، واسودت الدنيا أمامي، وأتمنى الموت حتى أرتاح.

أرجو المساعدة والنصيحة، وأعتذر عن الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ زاهر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الحبيب- في استشارات إسلام ويب.

أوّلًا: نسأل اللهَ تعالى بأسمائه وصفاته أن يُفَرِّج كربك، ويُزيل همومك، ويُلهمك رُشدك.

ثانيًا: نحن نحمد اللهَ تعالى كثيرًا أنه فسَّح عُمرك وأمهلك حتى هذه اللحظة، فهذه نعمةٌ جليلةٌ ينبغي أن تشكرَ اللهَ تعالى عليها، والمؤمن -وإن كان إنسانًا صالحًا- نهاه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تمنِّي الموت، فكيف إذا كان الإنسانُ المؤمن قد أساء في حياته، وقصَّر في حقوق ربِّه؛ فإنه أولى وأحرى بأن يكون حريصًا على البقاء ليُصلح ما أفسد، ويدّخر لنفسه ما ينفعه عند الله تعالى.

فالحياة الحقيقية تبدأ بالموت، والموت ليس نهاية، إنما هو بداية لحياةٍ دائمةٍ مستمرة، وهذه الحياة بعد الموت هي الحياةُ الحقيقية التي لا انقطاع لها، ولا موت فيها، وسعادتُها هي السعادةُ الأبدية، وشقاوتُها هي الشقاوةُ المستمرة. ونحن نُذكّرك بهذه الحياة، وأن ترفع بصرك قليلًا عن الأرض لتنظر إلى السماء، وأن تعلم أن هذه الحياة الدنيا التي نمرّ بها فترة قصيرةٌ جدًّا إذا ما قارنًّاها بتلك الحياة.

فاحمدِ اللهَ تعالى على نعمة التأخير والإمهال في عمرك، واشكره كثيرًا على هذه النعمة، فإن كثيرًا من الناس يتمنّون اللحظةَ الواحدة ليُصلحوا أعمالهم، ويستعدّوا للقاء ربهم، ومع هذا لا يُعطَون هذه الأمنية، والرسول -صلى الله عليه وسلم- لخّص لنا الخلاصة المفيدة من وراء النهي عن تمني الموت، حين قال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أحدُكم الموت، إمًّا مُحسنًا فلعلَّه أن يزدادَ خيرًا، وإمَّا مسيئًا فلعلَّه أن يَستعتب" [رواه البخاري]، ويستعتب يعني يتوب، ويطلب العتب من الله تعالى، وإزالة المساوئ التي فعلها؛ فاحمدِ اللهَ تعالى كثيرًا على هذه النعمة.

وأمَّا ما ينبغي أن تفعله الآن، فننصحك بالنصائح التالية:

أولًا: ينبغي أن تُدرك أن هذه الدنيا مليئة بالأكدار، والهموم والغموم، فهذه طبيعتُها، فكن حريصًا على أن تأخذ بالأسباب التي تُنجيك من هذه الهموم بقدر استطاعتك، وأول هذه الأسباب: أن تُحسن علاقتك بالله تعالى، فترجع إلى ربك تائبًا، ونادمًا، ومستغفرًا، واعلم أن السعادة الحقيقية تنبعث من قلب الإنسان من داخله، ولا تُستجلب بالأشياء الخارجية، فالسعادة الحقيقية ستجدها في قلبك، حين تعرف طريقك الذي يُوصلك إلى محبة الله ورضوانه، فهذه هي السعادة الحقيقية، وستشعر بها حين تسلك هذا الطريق.

وننصحك بأن تتعرف إلى الطيبين الصالحين، وأن تُكثِر من مجالستهم، وأن تُعوِّد نفسك على ارتياد المساجد -بيوت الله تعالى-، وأن تُكثِر من ذكر الله، فهذه أسبابٌ حقيقية لطرد الهموم وجلب السعادة.

النصيحة الثانية: حاول وخذ بالأسباب مرةً ثانيةً في طلب رزقك، فإنك لن تموت حتى تستوفي رزقك، وما عند الله تعالى خير، وربما أراد اللهُ تعالى بك خيرًا حين قَدَّر عليك هذه المصيبة، فلعلها تكونُ سببًا في تغيير نمط حياتك، وتغيير اهتماماتك، فالله تعالى لا يفعل بك إلَّا ما هو جميل، وقد قال الله في كتابه: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}.

النصيحة الثالثة: ينبغي أن تعلم أن المصائب التي نُصاب بها في هذه الدنيا كفّاراتٌ لذنوبنا، وما يُدريك لعل اللهَ أراد بك خيرًا حين قدّر لك هذا المكروه، وأنزل بك هذا الألم ليُكفِّر به خطاياك السابقة.

فإذًا ينبغي أن تُحسن ظنّك بالله تعالى، وأن تتفاءل، وتنتظر الخير منه سبحانه، وأن تعلم أن سعادتك بيده، فاسعَ إليها بسلوك هذا الطريق الصحيح الموصل إلى السعادة الحقيقية، ورزقُك المكتوب سيأتيك لا محالة، كما أخبر الله تعالى في كتابه، وأخبر الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة: أنه "لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَأَجَلَهَا"، وقال: "أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ ‌حَتَّى ‌تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ" [رواه ابن ماجه].

نسأل اللهَ سبحانه وتعالى أن يُيسِّر لك الخير، وأن يطرد عنك كلَّ همّ.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً