الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهل زوجتي يرفضون رجوعها إلا بشراء أثاث جديد!!

السؤال

السلام عليكم.

أنا رجل متزوج منذ 9 سنوات، وعندي 3 أبناء، حدث خلاف بيني وبين زوجتي منذ أكثر من سنة؛ بسبب طلبها شراء طلبات للمنزل، ولم يكن معي نقود تكفي، فقلت لها: ليس عندي نقود، فقامت بتحضير الطعام لها ولأبنائنا، ولم تحضر لي الطعام، فقمت بشراء طعام من أحد المطاعم في المساء، فاتهمتني بالأنانية، وهو عكس ما أنا عليه، فغضبت منها جدًا.

في اليوم التالي حاولت مصالحتها، فرفضت، وقالت: كلامك مع أهلي. علمًا بأنهم خارج البلاد، وحين حاولت التواصل معهم طالبوني بالانتظار لمدة ٣ أشهر لحين عودتهم، وظللت أحاول الصلح والاعتذار عن عصبيتي لمدة شهرين تقريبًا، إلى أن فاض بي في أحد الأيام، وقلت لها: يجب أن نحل الموضوع، فقامت بالاتصال بخالتها، فحضرت إلى منزلنا، وتكلمت معي بصوت مرتفع سمعه الجيران، وقالت لي: كن رجلاً وطلقها، واترك هذا البيت، أنا أعلم بمصائبك!

ثم أتت والدتي، وطلبوا منها أن أخرج من المنزل، فقالت: لن تتركا المنزل لا أنت ولا هي، وأنا يمكنني أن أجلس معكما يومين، كي أفصل بينكما، فرفضت الزوجة، وقامت بلم أغراضها هي والأطفال، وتركت المنزل، ولما عاد أهلها من الإجازة حاولت الصلح، وطالبت بحكم من أهلها، وقد اخترت خالها؛ لأنه رجل يعرف شرع الله، فرفضوا، وقاموا برفع قضايا خلع ونفقة، ثم تنازلوا عنها، ثم طالبوا بأثاث المنزل المثبت في المنقولات، فوافقت، حتى أني نقلت بعض الأشياء بنفسي إلى منزلهم، وتكرمًا منهم تركوا غرفة النوم لي.

في محاولة الصلح مرةً أخرى ذهبت إلى منزلهم، وكانت مقابلةً وديةً جميلةً، وعند الاتفاق على عودة الزوجة طالبني والدها بشراء أثاث جديد للمنزل، وعندما قلت إنه ليس باستطاعتي ذلك، ولو كان باستطاعتي لكانت هناك أمور أولى، فقام بطردي من منزلهم، وقال: اذهب فطلق، لكني لم أغضب، واعتبرت الجلسة في مجملها جيدةً.

الآن يطالبوني بشراء أثاث جديد، لأحافظ على أسرتي وأبنائي، وهو ما ليس في استطاعتي، علمًا بأن أثاثي القديم في حالة جيدة، وتبعد شقتهم ٥٠٠ متر عن منزلي، ولم يتم الطلاق أو الخلع حتى الآن، وهم يرفضون عودة الزوجة، أو حتى الذهاب للمأذون للطلاق، فما الحل؟

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -أخي الكريم- في إسلام ويب، وردًا على استشارتك أقول وبالله التوفيق:

• اعلم -أخي الكريم- أن المشاكل الأسرية تحصل في كل بيت، وكلما كان الزوجان حريصين على أسرتهما، كان الحل أسرع في ظل تقدير الظروف، والتنازل عن بعض الحقوق والطلبات غير الضرورية.

• تقوية الإيمان في القلوب من أسباب استقرار الحياة الزوجية؛ إذ إن كل طرف يكون مراقبًا لله مطبقًا لأحكامه، غاضًا للطرف عن بعض الزلات والهفوات والتقصير، والذي ينبغي أن يكون بين الزوجين لين في الجانب، وعدم إصرار على الرأي؛ فإن التصلب والحدية يتسببان في العناد، وتكون النتيجة عكسيةً، والضحية في النهاية هم الأبناء.

• أوصيك أن تبقى على تواصل مع زوجتك، مذكرًا لها بالله تعالى، مخوفًا لها من عقابه بطريقة هادئة برفق ولين؛ فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، ذاكرًا لها بعض محاسنها، شاكرًا لها ما تقدمه.

• المرأة عاطفية؛ فإشباع عاطفتها بالكلام الجميل يلين جانبها، ويجعلها تميل لزوجها.

• عدها بأنك ستلبي طلباتها، وتكرمها في حال تيسرت الأحوال.

• ذكرها ببعض ما حصل في الواقع للأسر من تشرد الأبناء، وضياعهم بسبب الطلاق؛ فذلك أدعى لأن تراجع حساباتها.

• ما قمتَ به من الصبر على تصرفات زوجتك، ومحاولة الصلح، والاعتذار، وتحمل الضغوط المالية، هو في ميزان حسناتك -إن شاء الله-، ودليل على حرصك على استقرار أسرتك.

• النفقة الشرعية الواجبة عليك هي للأمور الضرورية في الدرجة الأولى، وفي حدود استطاعتك، ثم تأتي الحاجيات، ثم التحسينيات، ولا يلزمك شرعًا شراء أثاث جديد إذا كان الأثاث الحالي صالحًا للمعيشة، ويحقق السكنى الشرعية؛ لأن الأثاث الجديد يعد من التحسينات.

• ما يطلبه والدها منك من شراء أثاث جديد شرط زائد غير ملزم، ولا يصح إلزامك به شرعًا.

• لا تتعجل بالطلاق؛ فالطلاق ليس حلًا أوليًا، بل هو آخر الحلول، ولا شك أنك ستهتدي لحل وسط يرضيك ويرضي زوجتك.

• لا بد أن تتفق مع زوجتك على أن مشاكلكما لا ينبغي أن تخرج خارج البيت، ولا أن تصل لأهلك ولا لأهلها، وأن الحل بأيديكما، وأنه لا بد أن يحصل نوع من التنازل منك أو منها في حال حدوث أي مشكلة؛ حتى لا تنهدم أسرتكما.

• اجتهد في حل المشكلة مع الزوجة مباشرةً، دون المرور عن طريق أهلها؛ لأنه يظهر أن أهلها متعنتون، ويريدون الضغط عليك كي ترضخ لطلباتهم، وهذه طريقة غير سوية، فلو حصلت مشكلة مرةً أخرى ستكون لهم طلبات، وهكذا.

• عليك بالتضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى، مع تحري أوقات الإجابة، وخاصةً أثناء السجود، وفي الثلث الأخير من الليل، وسل ربك أن يهدي زوجتك وأهلها، وأن يلين قلوبهم، وأن يصلح ما بينك وبين زوجتك.

• أصلح ما بينك وبين الله بالتوبة والاستغفار، والإكثار من العبادات المتنوعة؛ فمن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الخلق، وجعل حياته طيبةً، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

• إذا لم ينفع التواصل مع الزوجة مباشرةً، ولا مع أهلها، فينبغي الرجوع لما بينه الله تعالى في قوله: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما)، تضعون حكمين رجلين، واحداً من جهتك، والآخر من جهتها، وينبغي أن يكون الحكمان ممن يسعون في الإصلاح، ومن أهل الديانة والصلاح، لا ممن يزيد النار اشتعالًا، وعليكما قبول ما سيحكمان به.

• إذا استمرت الزوجة في الامتناع عن الرجوع بدون مسوّغ شرعي، بعد أن وفّرت لها حقّها في السكن والنفقة، فهي تكون في حكم «الناشز» شرعًا، وبالتالي يسقط عنها حقّ النفقة حتى تعود، ولكن يبقى حق الأبناء عليك واجبًا.

• في هذه الحال لا بد أن ترفع شكوى للمحكمة الشرعية، تطالب فيها عودة زوجتك إلى بيتك، كونك توفر لها مستلزمات الحياة بحسب حالك، وفي حال رفضها، تطلب إصدار حكم نشوز؛ حتى لا تتحمل نفقتها.

• لا تتعجل بالطلاق؛ فالطلاق ليس حلًا أوليًا، بل هو آخر الحلول، استمر في التواصل الهادئ مع أهلها، وأظهر استعدادك للإصلاح ضمن استطاعتك فقط، واطلب من وجهاء عائلتك، أو أحد العلماء المعروفين في بلدك التدخل كوسيط؛ فالطرف الثالث المحايد أحيانًا يكون سببًا للصلح.

• اجتهد ألا تصل الخلافات إلى أبنائك قدر المستطاع، ولا تترك الخلاف ينعكس عليهم، وابقَ هادئًا في تعاملك معهم ومع والدتهم؛ فهذا أقرب للصلح، ولا يهز ثقتهم بك، ويجعل صورتك أمامهم قويةً ومتّزنةً.

نسأل الله تعالى أن يصلح ما بينك وبين زوجتك، وأن يجعل حياة أسرتك مطمئنةً ومستقرةً، ونسعد بتواصلك في حال أن استجد أي جديد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً