الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أوازن بين حفظ القرآن وتعلم اللغة وإتقان المواد الدراسية؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أريد أن أعرف كيف يمكنني أن أتعلم اللغة الإنجليزية بطريقة حلال، أي بدون مشاهدة الأفلام لما فيها من المعاصي، وأرغب أن تكون طريقة فعّالة وغير مملة؟

كما أريد أن أوفّق بين تعلُّم تلك اللغة وحفظ القرآن الكريم، وإتقان المواد الدراسية الجامعية التي تتطلب وقتًا بطبيعتها، لارتباطها بمجال البرمجة، مع العلم أن هذا العام هو آخر عام لي في الجامعة.

كيف أوازن أيضًا بين ذلك وتعلُّم العلم الشرعي؟
مع العلم أنني تكاسلت عن الدراسة في البداية؛ لأنني لم أكن أشعر بقيمة هذا المجال، ولم يكن لي هدف محدد مرتبط به، والآن أعجبني المجال، بالرغم من أن بداياتي في البرمجة كانت خاطئة؛ لأنني لم أتأسس فيه بشكل صحيح، وكنت أعتمد على الذكاء الاصطناعي في حل الأكواد البرمجية، وفي الامتحان كنت أواجه صدمة عدم فهمي لما اعتمدت عليه سابقًا، ولا أحسن تنظيم أوقاتي.

ما الحل الآن؟

لغات البرمجة التي لم أتأسس فيها تلاحقني هذا العام في مواد أكثر تعمقًا وتطورًا، وأشعر بالإحباط، وبفقدان البركة في الوقت، ويضيق صدري يوميًا لعدم إنجازي شيئًا، وكلما أتيت للدراسة طرأ ظرف عائلي، وهذا ما يزعجني.

كيف لا أبالي بمستجدات الحياة العائلية التي تؤثر على دراستي؟

كما أريد أن أعلم كيف يمكن لمجال البرمجة أن ينفع الإسلام والمسلمين؟

أعتذر على طول السؤال وتشتّته، وجزاكم الله عني خيرًا، وبارك فيكم، ورزقتم الجنة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أسأل الله أن يبارك في وقتك وجهدك، وأن ييسر لك أمورك، ويجعلك من الناجحين في الدنيا والآخرة.

أختي الكريمة: سؤالك يعكس حرصك على طلب العلم النافع، سواء في مجال البرمجة أو العلوم الشرعية، ورغبتك في تحقيق التوازن بين هذه المجالات مع الالتزام بما يرضي الله، وسأحاول أن أقدم لك نصيحة شاملة تجمع بين التوجيه الإسلامي والنصائح العملية.

1. اجعلي نيتك في تعلم البرمجة أو اللغة الإنجليزية أو أي علم آخر خالصة لله تعالى، واحتسبي الأجر في كل جهد تبذلينه، قال النبي ﷺ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (رواه البخاري ومسلم)، اجعلي هدفك من تعلم البرمجة أن تسخريها لخدمة الإسلام والمسلمين، سواء بتطوير تطبيقات تخدم الدعوة، أو تسهيل حياة الناس، أو دعم المشاريع الخيرية.

2. أكثري من الدعاء بأن يوفقك الله ويبارك في وقتك، ومن الأدعية المأثورة: «‌اللَّهُمَّ ‌لَا ‌سَهْلَ ‌إِلا مَا جَعَلْتَ سَهْلًا، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ إِذَا شِئْتَ سَهْلًا» (إسناده صحيح أخرجه ابن حبان).

3. البركة في الوقت تأتي من طاعة الله، فاحرصي على أداء الصلوات في وقتها، وخصصي وقتًا يوميًا لقراءة القرآن، ولو بضع آيات، قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة:10].

ثانيًا: نصائح عملية لتعلم اللغة الإنجليزية بطريقة حلال وفعالة:
• استمعي إلى دروس تعليم اللغة الإنجليزية التي تعتمد على الحوار البسيط والمفيد، مثل القنوات التعليمية على اليوتيوب، التي تركز على تعليم اللغة بطريقة أكاديمية ومهنية.
• اقرئي مقالات أو كتبًا باللغة الإنجليزية في مجالات تهمك، مثل البرمجة أو العلوم الشرعية.
• اكتبي يومياتك أو ملخصات لما تتعلمينه باللغة الإنجليزية.
• انضمي إلى مجموعات تعليمية عبر الإنترنت مثل: (Zoom أو Google Meet)؛ حيث يمكنك التحدث مع أشخاص آخرين يتعلمون اللغة، مع الحرص على أن تكون مجموعات آمنة، وجهات معروفة حتى لا تنحرف عن مسارها.
• استخدمي تطبيقات تعليمية مثل: (Duolingo) أو (Memrise) التي تقدم محتوى تعليمي خالٍ من المحرمات.
• حاولي قراءة ترجمة معاني القرآن باللغة الإنجليزية؛ فهذا سيساعدك على تعلم المصطلحات الدينية وتقوية لغتك.

ثالثاً: تنظيم الوقت بين الدراسة الجامعية، وتعلُّم البرمجة، والعلوم الشرعية:
• قسمي يومك إلى فترات محددة لكل نشاط، مثلاً:
- ساعة صباحية لحفظ القرآن.
- (3 - 4) ساعات للدراسة الجامعية.
- ساعة لتعلم البرمجة.
- نصف ساعة لتعلُّم اللغة الإنجليزية.

• اجعلي وقتًا محددًا للراحة وللأسرة.
• ركزي على أساسيات البرمجة التي لم تتأسسي فيها، وابدئي بمراجعة المفاهيم الأساسية.
• استخدمي مصادر تعليمية موثوقة مثل: (freeCodeCamp) أو (Codecademy).
• خصصي وقتًا يوميًا ولو قصيرًا للاستماع إلى دروس شرعية أو قراءة كتاب مفيد.
• استمعي إلى محاضرات أثناء القيام بأعمال أخرى، مثل ترتيب الغرفة أو المشي.
• حاولي التحدث مع أسرتك لتوضيح أهمية وقتك الدراسي.
• إذا طرأت ظروف عائلية، قسمي وقتك؛ بحيث لا يتأثر كثيرًا.

أمَّا سؤالك: كيف يمكن للبرمجة أن تخدم الإسلام والمسلمين؟ فيمكن تصور هذا الأمر كما يلي:

• العمل على تطبيقات تخدم المسلمين، مثل تطبيقات الأذكار، القرآن الكريم، أو تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.
• تعلم البرمجة يمكن أن يساعدك في تصميم مواقع إلكترونية أو أنظمة لإدارة التبرعات أو المشاريع الخيرية.
• البرمجة تتيح لك تطوير منصات تعليمية لنشر العلم الشرعي، أو تعليم المهارات المختلفة.
• المساهمة في حماية المواقع الإسلامية من الهجمات الإلكترونية.

وإليك بعض النصائح للتغلُّب على الإحباط والشعور بعدم البركة:
• احرصي على التوكل على الله، قال الله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2].
• ثقي أن الله سييسر لك الأمور إذا أخلصت النية.

• تفاءلي دومًا، وتذكري قول الشاعر:
‌تَفَاءَلْ ‌بِمَا تَهْوى يَكُنْ، فَلَقَلَّ مَا *** تُجابُ الْمَنَايَا إِنْ تَفَاءَلَتْ بِالنَّجحِ

• لا تحاولي إنجاز كل شيء دفعة واحدة.
• ركزي على هدف واحد يوميًا.
• استغلي الأوقات القصيرة، مثل وقت الانتظار، في مراجعة دروسك أو قراءة القرآن.
• لا تيأسي من رحمة الله، وابدئي بخطوات صغيرة وثابتة.

ختامًا: أسأل الله أن يوفقك في دراستك، ويبارك في وقتك، ويجعلك من المبدعين الذين يخدمون الإسلام والمسلمين.

وفقك الله وسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً