الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ترددي تجاه خاطبي سببه الوساوس أم الضغوط التي مررت بها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة مخطوبة، وأشعر بتعب شديد، وحزن كبير، ولا أعلم كيف أتعامل مع ما أمرّ به.

تعرضت خلال الفترة الماضية لضغط نفسي كبير بسبب خلافات أسرية، ومحاولات من بعض الأقارب للتأثير على علاقتي بخاطبي؛ ممَّا أثَّر عليّ كثيرًا، وجعلني أشعر بالاكتئاب، وفقدان القدرة على الاستمتاع بالأشياء التي كنت أحبها سابقًا!

في بداية خطبتي، كنت أحب خاطبي حبًّا شديدًا، واستمر ذلك لمدة خمس أو ستة أشهر تقريبًا، ثم فجأة ومن غير سبب واضح؛ شعرت وكأن مشاعري اختفت.

أصبحتُ (أحيانًا) أفكر في فسخ الخطبة دون وجود سبب حقيقي، وفي الوقت نفسه أشعر أنني لا أريد أن أتركه؛ لأنه شخص محترم جدًّا، ومتدين وخلوق، ويحبني كثيرًا، كما أن والدي يحبه ويقدّره جدًّا.

كانت المشكلة الأساسية من جهة والدتي، فهي كانت ترفض ارتباطي به؛ فقط لأنه من جنسية مختلفة، وقد تسبَّب ذلك في مشاكل كثيرة بيننا، وأرهقني نفسيًا.

الآن أنا في حيرة كبيرة، لا أعلم هل ما أشعر به تجاه خاطبي سببه وساوس من الشيطان، أم نتيجة الضغط النفسي الذي مررت به بسبب والدتي، أم أن هذا الشعور علامة على أن هذا الخاطب لا يناسبني؟

ماذا أفعل؟ وكيف أفرّق بين ضعف المشاعر المؤقت وبين عدم القبول الحقيقي؟

أرجو منكم نصحي، والدعاء لي بالهداية والراحة النفسية، وأن يرزقني الله القرار الصائب الذي يرضيه عني.

جزاكم الله خيرًا، وبارك فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بكِ -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، ونشكر لكِ الاهتمام، وحسن عرض السؤال، كما نحيي هذه المتابعة للموقع، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يُقدّر لكِ الخير، ثم يُرضيكِ به.

من المهم جدًّا أن تُدركي -ابنتي الفاضلة- أن البناء الصحيح يكون على المشاعر الأولى، والانطباع الأول، وما حدث بعد النظرة الشرعية من ارتياح وانشراح وقبول وميل مشترك، هذا هو الذي نُؤسِّس عليه، واستمرار هذا التوافق لمدة ستة أشهر دليل على أن الاختيار صحيح، والتوفيق من الله -تبارك وتعالى-، وما حدث بعد ذلك من تغيّر، هذا هو الأمر الطارئ الذي لا ينبغي أن تقفي أمامه طويلًا؛ حتى لو كان كلامًا من بعض الأقارب؛ فإن الإنسان ينبغي أن يُحدّد اختياره، فأنتِ من ستتزوجين هذا الشاب، وما حصل بينكما من ارتياح وانشراح هو القاعدة الأساسية.

والأهم من ذلك أنكِ تشيرين إلى أنه صاحب خلق ودين، وأنه يحبكِ ويميل إلى إكمال المشوار معكِ، وأن والدكِ يُحبّه، وهذه مؤشرات في غاية الأهمية؛ لأن الفتاة ينبغي أن تهتم برأي والدها، فرأي النساء -مع احترامنا لأمهاتنا وخالاتنا وعمّاتنا- رأي متغيّر، رأي تسيطر عليه العاطفة؛ لذلك هذا ممَّا أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، أي أن رأي الرجل هو المرجع؛ لذلك جعلته الشريعة هو الولي، ومرجع الفتاة، وقيّمًا على أمر الفتاة؛ لأن الرجل ينظر للأمور نظرة بعيدة، وينظر لمآلاتها وعواقبها ونتائجها.

إذا كان الشاب صاحب مواصفات عالية، وقد ارتحتِ إليه، ووالدكِ رضيه، واختاره، بل يُحبّه، فهذه مؤشرات كبيرة تُشجّع على مسألة الاستمرار، وإكمال المشوار معه.

كما نحب أن نشير إلى أن هذه التغيرات جزء منها طبيعي؛ فالإنسان كلما اقتربت المناسبة تبدأ العواطف تقل، ويزيد العقل والهموم: كيف سيحصل؟ كيف سأفارق أهلي؟ يا ترى ما الذي يمكن أن يحدث؟ هذه الأشياء تصعد؛ ولذلك أرجو أن تُدركي أن جزءًا مما يحدث عبارة عن أمر طبيعي، فالفتاة تفكر في حياتها الجديدة، ويا ترى هل ستنجح فيها، وهذه أمور سابقة لأوانها.

ولذلك نحن نريد أن نقول: لا ينبغي أن تقفي طويلًا أمام أي مشاعر تؤثر على القرار الأول، تؤثر على الانطباع الأول، تؤثر على الحقائق الأساسية: (مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وُخُلُقَهُ)، وهذا متحقق في الشاب.

وكون الشاب من جنسية أخرى، فالناس لآدم وآدم خُلق من تراب، والمهم هو أن يحدث التوافق والتلاقي، والإنسان عندما يتأمل وينظر في هذه الحياة، سيجد كثيرًا من البنات وكثيرًا من الشباب تزوجوا من جنسيات مختلفة، ولكن حدث الوفاق، بل رزقهم الله بأبناء في قمة الذكاء، وقمة الإبداع؛ لأنهم يأخذوا الخير من هنا والخير من هناك.

فنسأل الله أن يُعينكِ على إكمال هذا المشوار، وأرجو أن تكوني مستمعة جيدة، فأنتِ صاحبة القرار، وأنتِ من ستعيشين مع الرجل، ووالدكِ أعقل الناس في معرفته بالرجال؛ لأن الرجال أعرف بالرجال، وأرجو ألَّا تأخذ الأمور أكبر من حجمها، وألا تركّزي على التدخلات، فإن كلام الناس لا ينتهي، ورضاهم غاية لا تُدرك.

والحياة التي تُؤسّس على تقوى من الله ورضوان، واختيار الدين وصاحب الأخلاق، وعلى مَن جاء البيوت من أبوابها، هي التي بحول الله وقوته تستمر وتستقر، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً