الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ترويض الشخصية وتطوير المهارات

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي التي أعاني منها في شخصيتي، والتي سببت لي عذاباً شديداً.

أنا شخصيتي إيحائية بدرجة شديدة، وأي مجتمع أكون فيه أتأقلم معه بدرجة مرضية، بمعنى أني أصبح طبق الأصل من أي شخص أجلس معه، وعادة ما تكون فيه الصفات مما أفتقدها في نفسي كالجمال وقوة الشخصية والثقة بالنفس والحضور الاجتماعي وهكذا.

وشخصيتي هذه سببت لي معاناة حقيقة في حياتي، فتركت القسم في الكلية رغم تفوقي فيه، ورغم ما له من مستقبل جيد، وذهبت إلى قسم آخر لأن صديقاتي موجودات فيه، وضاع مستقبلي هكذا.

وأكثر ما يعذبني في شخصيتي هو أنني أحب أن أكون مطلعة دائماً، ونحن في زمن كثرت فيه الشعارات والأفكار، والتي بعضها قد يعادي الدين ذاته، وأنا من النوع الذي يتأثر فمرة أكون ملتزمة، ومرة أخرى أكون متحررة وأتهرب من الدين وهكذا.

وكذلك أنا لا أتقبل ذاتي ولا شكلي، ولا أحترم نفسي أبداً، ولا أحس أني أستحق الحياة الكريمة، والدونية تلازمني، وفقدت فرصاً ذهبية كثيرة في حياتي؛ لأني لا أرى نفسي تستحق ذلك.

أتمنى أن أجد لديكم تحليلاً لشخصيتي وإرشادي إلى ما يمكن عمله حتى تقوى شخصيتي، فالحياة لا ترحم الضعفاء.

وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هند حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فحقيقة أنا حذر جدّاً في إطلاق المسميات - خاصة المتعلقة بالشخصية -، وإن كنت أعلم أن هذه الأمور وردت كثيراً في كتب علم النفس، وهنالك قياسات علمية للشخصية ربما تكون هي الأقرب للصواب، ولكن الوصف الذي قد يورده البعض ربما لا يكون دقيقاً.

عموماً مما ورد في رسالتكِ أنتِ – كما ذكرت – أن شخصيتك يمكن أن نسميها شخصية إيحائية سريعة التأثر مع تقلب في المزاج، وربما تكون هنالك أيضاً بعض السمات الهستيرية.

أرجو أن تعذريني في هذه المسميات، وكما ذكرت لك سابقاً أنا في الأصل لا أحبذها.

أنا أقتنع تماماً أن ترويض الشخصية ليس بالسهل، ولكنه في ذات الوقت ليس بالمستحيل، وللتغلب على هذه الحالات يجب اتباع ما يلي:-

أولاً: يجب أن تقولي مع نفسك وتسعي لذلك أن تقوي من صفاتك القيادية - بمعنى أن تعزمي وتحتمي على ذاتك أنك يجب أن تكوني قيادية وأن لا تنقادي دائماً -، وهذا أمر ضروريٌّ جدّاً.

ثانياً: عليك أن تقتنعي بذاتك، وعليك أن تقبلي ذاتك كما هي، ثم بعد ذلك تسعين لتطويرها، والتطوير يكون دائماً بتطوير المهارات الاجتماعية، أيّاً كانت هذه المهارات، في محيط الدراسة، في محيط التواصل الاجتماعية... كلها وسائل لتطوير هذه المهارات.

ومن الوسائل التي تساعد على تطوير المهارات هي اتخاذ القدوة الحسنة، ونحن لنا في تاريخنا الإسلامي الكثير من الأمثلة الرائعة، فالصحابيات يمكن أن يكنَّ لك قدوة، اقرئي عن التاريخ العظيم للصحابيات الجليلات، وسوف تجدين القدوة.

والإنسان إذا تمثل بهذه السير الحسنة، حتى لو أخذ منها القليل سوف يكون دافعاً إيجابياً لأن يبني شخصيته بصورة إيجابية، وأعرف تماماً أن البون شاسع جدّاً بالنسبة لنا جميعاً، فنحن لا نمثل أي شيء في حياة الصحابة والصحابيات، ولكنهم هم قدوتنا ويجب أن نمتثل بهم ونتخذهم قدوة حسنة لنا، وحتى في محيطك – أنا على قناعة تامة – هنالك من يتميزنَ بقوة الشخصية وقوة الإرادة فلماذا لا تتخذين منهنَّ قدوة، هذا مهم جدّاً.

الشيء الآخر هو من الضروري أن تضعي لنفسك جدولاً يوميّاً لنشاطاتك - هذه النشاطات إن كانت في محيط الدراسة أو في محيط التواصل الاجتماعي أو الترفيه عن الذات أو القراءة -، يجب أن تلتزمي بهذا الجدول.

ومن الواضح أنكِ لا تقيدي نفسك بشيء، وهذا التفريط هو الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار، إذن؛ قيدي نفسك بجداول زمنية معينة لفترة لا تقل عن شهر، ثم بعد ذلك سوف يحدث لك التطبع الذاتي، وسوف تجدين أن نمط حياتك قد تغير.

ويمكنك أيضاً أن تفجري طاقاتك في العمل الدعوي وفي العمل الخيري، وأعرف أن هذا الأمر متاح جدّاً في المملكة العربية السعودية، ولا تعتقدي أن هذا الأمر مستحيل أبداً، هذا الأمر ليس مستحيلاً.

ولا أعتقد أن حالتك تحتاج إلى علاجات دوائية في هذه المرحلة، ولكن إذا كان تقلب المزاج بالشدة التي لا يمكن السيطرة عليها فيمكن أن تتناولي جرعة بسيطة لأحد الأدوية التي تثبت المزاج، منها عقار يعرف باسم (داباكين)، يمكن أن تتناوليه بجرعة 500 مليجرام ليلاً لمدة شهرين أو ثلاثة.

وهنالك عقار يعرف باسم (تجراتول) من الأدوية الجيدة، وجرعة البداية هي 100 مليجرام - صباحاً ومساء -، ثم ترفع بعد ذلك إلى 100 مليجرام في الصباح و200 مليجرام ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم تخفض بمعدل 100 مليجرام كل أسبوع، ثم يتم التوقف عن تناوله.

وبالتأكيد لا تحتاجين لتناول الدوائين في ذات الوقت، وكما ذكرت لستُ ميَّالاً للأدوية في هذه المرحلة؛ لأني لا أرى أن حالتك بالشدة أو أنها مستعصية، كما أن بناء الشخصية يتطلب الوقت وهو يعتمد على المرحلة العمرية، وقد رأينا الكثير من الناس الذين كانت شخصيتهم اعتمادية وقصورية، ثم فجأة حدث لهم نوع من الانطلاقة الإيجابية وتحولت شخصياتهم إلى إيجابية.

أسأل الله لك التوفيق، وعليك بتطبيق الإرشادات السابقة، والثقة في نفسك.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً