الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سوء التعامل مع الآخرين من مظاهر الاكتئاب

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا -يا دكتور- أعاني من اكتئاب مزمن أثر على حياتي بشكل كبير وعلى علاقاتي بالناس، مع أني أستخدم دواء (الفافرين) أو (فلوفكسمين) الذي وصفه لي أحد المجيبين عليّ في هذا الموقع، وأنا أستخدمه بمقدار 50 ملجرام منذ 15 يوماً تقريباً.

وأريد منكم نصائح تتعلق بالتعامل مع الآخرين، حيث جميع من في بيتي يكرهني وحتى في الخارج تكاد علاقاتي شبه معدومة، وأمي تكرهني وتتذمر مني دائماً وتقارنني بالآخرين كثيراً.

ساعدوني فأنا في وضع لا يحسد عليه، كما أن دراستي صارت ضعيفة مع أني كنت الأول على فصلي في السنة السابقة للاكتئاب وهذه المشاكل كلها.

وفي الأخير لكم جزيل الشكر ووافر الدعاء.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وليد الحربي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فقد ذكرت أنك تعاني من اكتئاب نفسي مزمن، ونحن حريصون جدّاً أن يتم تشخيص الاكتئاب وغيرها من الحالات النفسية على أسس علمية صحيحة.

الاكتئاب لابد أنه يعني شيئاً من كدر المزاج وعسره، وفي بعض الأحيان تكون هنالك سوداوية ويرى الإنسان أنه افتقد طاقاته النفسية والجسدية، فما كان يحبه لا يبدي أي رغبة حياله، يرى أن الدنيا قد ضاقت وأظلمت كثيراً، وقد تكون له أعراض بيولوجية مثل اضطراب النوم والشهية للطعام، وبالنسبة للمتزوجين المعاشرة الزوجية قد يكون فيها شيء من القلق.

عموماً أنا بالطبع آخذ رأيك بمصداقية، والذي أحببت أن أقوله لك أن الاكتئاب يعالج عن طريق الأدوية...نعم، والأدوية فعالة وجيدة، ويجب أن تكون جرعتها صحيحة ويجب أن يتم تناولها للمدة الصحيحة.

أنت الآن بدأت تتناول (الفافرين)، وأنا أقول لك أنه دواء جيد لعلاج الاكتئاب، كما أنه يعالج علل أخرى قد تكون مرتبطة بالاكتئاب مثل القلق والمخاوف وكذلك الوساوس.

الجرعة التي بدأت استعمالها هي خمسون مليجراماً وهي جرعة جيدة كجرعة بداية وانطلاقة حقيقية للعلاج، ولكن لابد حقيقة أن ننتقل للجرعة العلاجية ثم بعد ذلك نرجع مرة أخرى إلى الجرعة الوقائية.

حين تصلك الإجابة على استشارتك هذه أرجو أن ترفع (الفافرين) إلى مائة مليجرام ليلاً، وهذه جرعة جيدة جدّاً.

الذي أنصحك به هو أن تتناول الدواء بعد تناول الطعام؛ لأن (الفافرين) والأدوية المشابهة قد تؤدي إلى نوع من التهيج البسيط في المعدة، وشيء من عسر الهضم، ولكن هذا لا يحدث إذا تم تناول الدواء بعد الأكل، وإن حدث فإنه يكون في الأيام الأولى ثم ينقطع تماماً.

استمر على (الفافرين) بجرعة مائة مليجرام لمدة شهرين، وبعد ذلك إذا شعرت بتحسن ملحوظ استمر على (الفافرين) لمدة سبعة أشهر أخرى، أي أن تكمل مدة العلاج على جرعة مائة مليجرام يومياً إلى تسعة أشهر.

بعد انتهاء التسعة أشهر خفض الجرعة إلى خمسين مليجراماً لمدة ثلاثة أشهر، ثم يمكن أن تتوقف عن الدواء.

أما إذا لم تتحسن على جرعة مائة مليجرام بعد أن تناولتها لمدة شهرين هنا أقول لك ارفع الجرعة إلى مائتين مليجرام في اليوم، يمكن أن تتناولها كجرعة مجزأة، تتناول مائة مليجرام ليلاً ومائة مليجرام ظهراً، أو يمكنك أن تتناولها كجرعة واحدة ليلاً، خاصة إذا كانت جرعة النهاية سوف تسبب لك استرخاء زائداً أو نعاساً.

في هذه الحالة تستمر على (الفافرين) بجرعة مائتين مليجرام يومياً كما ذكرنا لمدة ستة أشهر، بعد ذلك خفض الجرعة إلى مائة وخمسين مليجراماً يومياً لمدة ثلاثة أشهر، ثم إلى مائة مليجرام يومياً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم إلى خمسين مليجراماً يومياً لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم توقف عن تناول الدواء.

قد تلاحظ أن هنالك اختلافاً في المدة ما بين جرعة المائة والمائتين مليجرام، بالطبع وبالمنطقي إذا احتجت إلى جرعة مائتين مليجرام، هذا يعني أيضاً لابد أن تكون مدة العلاج نسبياً؛ لأن الحالة قد تكون أشد مما كنا نتوقع.

جرعة المائتي مليجرام من (الفافرين) هي جرعة وسيطة، حيث إن هذا الدواء يمكن أن يتم تناوله حتى ثلاثمائة مليجرام في اليوم، ولكن لا أعتقد أنك في حاجة لهذه الجرعة.

الأمر الآخر وهو مهم جدّاً وهو ما نسميه بتعزيز السلوك للدواء، فأنت ذكرت أنك تريد طريقة للتعامل مع الآخرين، وطريقة لتحسين الدراسة.

الإنسان لابد أن يسعى أن يغير ما به، ولا يستطيع أحد أن يغيره، هذه حقيقة، أنا بالطبع أجد لك العذر لأن الاكتئاب النفسي قد سيطر عليك وجعلك تكون سلبياً في تفكيرك وفي تعاملك مع الآخرين، فأنا لا أعتقد أن أمك تكرهك وتتذمر منك، هذا لا يمكن أن يكون؛ لأن حب الأبناء هو حب غريزي وجبلي وفطري لدى الوالدين خاصة الأم، ربما تظهر الأم شيئاً من عدم التوافق معك ولكنها حقّاً تحبك ولا يمكن أن تكرهك.

أرجو أن تغير هذه المفاهيم، أرجو أن تحقر هذه المفاهيم، وأن تُقدم أنت على التعامل بالتي هي أحسن مع الآخرين، والإحسان يجب أن يقابل بالإحسان من قبلك الآخرين.

هذه حقيقة أيها الفاضل الكريم، وأنا أقول لك أنه -بإذن الله تعالى- حين يتحسن مزاجك مع الدواء استغل هذه الفرصة لبناء علاقات جديدة، لتوسيع شبكتك الاجتماعية لتصحيح كل هذه المفاهيم الخاطئة حول نفسك وحول الآخرين.

الدراسة تتطلب الجدية وتتطلب أن يُؤمن الإنسان ويقتنع بأهمية العلم، ويجتهد، فالاجتهاد هو الوسيلة الوحيدة لتحقيق ما يصبو الإنسان إليه وذلك بمبدأ الأخذ بالأسباب وفي نهاية الأمر ((وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ))[هود:88].

فأنا أقول لك: كن جاداً في دراستك، حاول أن توزع وقتك، حاول أن تغير نمط حياتك بأن تمارس الرياضة، بأن تروح عن نفسك، بأن ترتاح لفترات معقولة في اليوم، وتخصص وقتاً للدراسة، وعليك أيضاً أن تتعاون مع أصدقائك في موضوع الدراسة، ففي كثير من المرات الدراسة الجماعية تكون ذات أثر ومفعول ونتائج إيجابية جدّاً.

كما أن الشبكة الاجتماعية حينما تكون فعّالة خاصة إذا كانت أخوتك وعلاقتك بالصالحين من الشباب من أهل الدين ومن أهل الخير ومن أهل الكلمة الطيبة، لا شك -أخي الكريم- هذا الصنف من البشر سوف يعينك على أمور الدين والدنيا والآخرة، فأسأل الله تعالى أن يقيض لك أخوة إسلامية حقة مع الشباب الصالح.

أشكرك كثيراً، وأرجو أن تكون أكثر تفاؤلاً، وأنت حقيقة في عمر يُحسد عليه، فأنت في عمر الطاقات وعمر الآمال وعمر التخطيط للمستقبل، فأرجو أن تستفيد من هذه المرحلة، واقض على هذا التفكير السلبي الذي تعاني منه.

ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً