الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكار سوداوية ورجفة مستمرة.. ما تشخيص معاناتي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فتاة تبلغ من العمر 26 عامًا، تعاني من ضيق في التنفس وأفكار سوداوية، نتيجة لتجارب حياتية مؤلمة مِن يُتْمٍ وإِحباط، وكلما شعرت بضيق أو تعب تذهب إلى الطبيبة لتخبرها بأن لديها انخفاضاً في ضغط الدم والسكر، وهذا سبب لزيادة وزنها، حيث صار وزنها 113 كغم، بينما طولها 153 سم.

بدأت تظهر عليها رجفة مستمرة في يديها، تزداد في المواقف المحرجة، إضافة إلى تنميل في كفيها، وتصلُّب في بعض أصابعها، خاصةً عند الاستيقاظ من النوم، ويستمر التصلُّب أحيانًا لأكثر من نصف اليوم.

تقول: أبكي كثيرًا، أحب الوحدة والظلام، منزعجة دائمًا، أسمعُ أصواتًا لا يسمعها غيري؛ أحيانًا أصوات سيارات أو طائرات، وأحيانًا حديثاً بين رجلين، لهذا لا أستطيع أن أضع رأسي على الوسادة وقتًا طويلًا، لا أنام بسهولة، قد أمضي من ساعة إلى ساعتين في الفراش قبل النوم، بين تفكير وبكاء.

كما أنها تشعر بالنفور من بعض الأشخاص، حتى لو كانوا يقدّمون لها الدعم والمساندة. تقول إنها لا تتحمل سماع صوتهم أو رؤية أسمائهم في الهاتف، رغم أنها كثيرًا ما تحاول أن تسامحهم، لكن أول ما تسمع صوت أحدهم، تنتابها غصة وضيق، وتذكر أنها تخلق خصامًا معهم بلا سبب واضح، ممَّا يُثير استغراب مَن حولها.

وتضيف: أحب الحزن، وقصص الحزن، وأحب أن أظهر بمظهر الحزين، لا أمانع المرض، ولا أهتم بعلاجه بقدر ما أهتم بمعرفة حالتي بالضبط، لا أريد الشفقة، وأكره من يُظهرها لي.

وقد أجرت تحاليل للغدة الدرقية، وكانت نتائجها طبيعية، وتشعر أن في حياتها شيئًا غامضًا يُنغّص عليها عيشها، خصوصًا بعد وفاة والدتها وهي في سن الحادية عشرة.

لم تبدأ آثار الحزن تظهر إلَّا في سن الخامسة عشرة، حيث شعرت بفقدان الأمان، رغم أن والدها –رحمه الله– لم يُقصِّر معها، إلَّا أن فقدان الحنان الأمومي كان له أثر كبير.

تعلّقت بمعلمتها في المدرسة، ووجدت فيها الأم الحنونة، لكن بعد تخرجها كرهتها وشعرت أنها استغلت حاجتها العاطفية، ما زاد من تدهور حالتها النفسية.

انخفض مستواها الدراسي، فحزنت لذلك، لكنها أصرت على الاستمرار، وأثبتت تفوقها رغم رغبة والدها في تركها الدراسة.

في عام التخرج من الثانوية، بدأت تفكِّر بأنه لا فائدة من السعي للدنيا، فضعف معدلها، لكنها كانت راضية بالنتيجة، وعند دخولها الجامعة لم تُقبل في القسم الذي رغبتْ فيه، ممَّا شكَّل صدمة كبيرة لها، لكنها تأقلمت مع القسم الآخر، وفي عام التخرج توفي والدها، فتلاشت آمالها تمامًا.

بعد وفاة والدها بأربعة أشهر، عادت رجفة اليدين بشكل واضح، فزارت طبيبة شخصتها بـ"التوتر"، ووصفت لها دواء (سيروكسات)، لكنها لاحظت ارتفاعًا في ضغط دمها خلال الاستخدام، حيث تراوح بين 160/80 إلى 170/90، فتم إيقاف الدواء، لكنها لم تستمر مع الطبيب الآخر.

بعد سنتين قررت مراجعة طبيب أعصاب بسبب رجفة اليدين، فوصف لها عدة أدوية، منها (سيبرالكس) و(أميتريبتيلين) قبل النوم، و(باكلوفين) و(اندرال)، واستمرت على العلاج لثمانية أشهر، وشعرت بتحسّن جزئي، حيث خفّ التنميل والتصلُّب، لكن الرجفة ما زالت موجودة.

أثناء المتابعة، اشتكت من جفاف الفم وكثرة التبول والعطش، وبعد إجراء تحاليل، تم تشخيصها بداء السكري، وبدأت باستخدام (جلوكوفاج)، ثم راجعت طبيبًا مختصًا فوصف لها (دياتامب) مع حمية غذائية، لكنها لم تتمكن من الموازنة، حيث عانت من هبوطات شديدة في السكر، تصل إلى رعشة قوية، وكانت قراءات السكر لديها تتراوح بين 95 و287 ملغ/ دسل.
________________________________________
الأسئلة التي تطرحها الآن:
1. ما الذي أعاني منه نفسيًا؟
2. هل أحتاج إلى جلسات نفسية؟
3. هل دواء سيبرالكس يسبب الإدمان؟ وهل له آثار مستقبلية؟ وهل يمكنني الاستمرار عليه لفترات طويلة؟
4. هل يمكنني ترك أدوية السكر إذا التزمت بالحمية؟
5. ما مخاطر تكرار هبوط السكر؟ وهل التشنجات التي أشعر بها في أصابع اليد نتيجة لذلك؟
6. أيهما أخطر: ارتفاع السكر أم انخفاضه؟

شكرًا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ .. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في استشارات إسلام ويب.

بالنسبة للسؤال الأول: ما الذي أعاني منه نفسيًا؟
هناك مكوّن نفسي لحالتك، إلى جانب محور عضوي طبي يجب أن نأخذه في الحسبان، ونحاول الربط بين الجانبين، كما أن الجانب الاجتماعي قد ساهم بدرجة ما في المعاناة التي تعانين منها.

خلصتُ إلى أنك تعانين من بعض الصعوبات المتعلقة بشخصيتك، ولديك ميول لتقلُّب المزاج وتغيير استنتاجاتك حول الآخرين، وهو ما يدل على أن أبعاد شخصيتك ليست مستقرة أو متوازية، ومن الواضح أيضًا أنك تعانين ممَّا يسمى بـ (قلق الاكتئاب)، حيث إن الأعراض مثل ضيق التنفس والرجفة هي من المكونات الأساسية للقلق النفسي، أمَّا الأسباب الأخرى للرجفة فهي زيادة إفراز هرمون الغدة الدرقية، لكن هذا ليس موجودًا لديك.

الجانب المعرفي أو المزاجي في حالتك النفسية يظهر بوضوح من خلال الأفكار السوداوية والشعور بالغصة والضيقة، وبصفة عامة أرى أنك تفتقدين الرضا عن ذاتك، وهو أيضًا مؤشر على القلق الاكتئابي.

أيضًا أنت تعانين من زيادة في الوزن، وفي إحدى المرات شعرتِ بالتعب وراجعتِ الطبيب، الذي أفادك بهبوط في الضغط والسكر، لكن بعد ذلك اتضح أن لديك ارتفاعًا في ضغط الدم، وأعتقد أن هذا قد يكون مرتبطًا بزيادة الوزن والحالة العصبية، ومع ذلك يجب عليكِ إجراء فحص شامل عند طبيب باطني.

أمَّا بالنسبة لارتفاع السكر، فهذا يحتاج إلى المزيد من الفحوصات، مثل معرفة ما إذا كان لديكِ تاريخ عائلي في مرض السكر، ومدى تأثير السمنة والقلق من ذلك، وتناولك (جلوكوفاج، Glucophage) يساعد في تنظيم السكر، ويُعرف عنه أنه يُساعد في تخفيف الوزن لبعض الأشخاص.

أنصحك بالتواصل مع طبيب الغدد، فهو الشخص الأنسب لوضع برنامج علاج السكر والسمنة، ومعظم أطباء الغدد هم أيضًا مختصون في الأمراض الباطنية، وبالتالي يمكنهم مساعدتك في علاج ضغط الدم المرتفع أيضًا.

هناك مكونات نفسية وجسدية عضوية تؤثر في بعضها البعض، والدراسات تشير إلى أن حوالي 40 إلى 50% من الأشخاص الذين يعانون من السمنة يعانون أيضًا من اضطرابات في المزاج، قد تصل إلى الاكتئاب؛ لذلك من الضروري أن تسعي لتخفيض وزنك، وهذا يتطلب جهدًا وممارسة الرياضة، كما أن هذا سيساعد في تحسين مستويات السكر وضغط الدم، ويمكنكِ الاستفادة من إرشادات أخصائية التغذية في تحديد نوعية الطعام، وحساب السعرات الحرارية اليومية.

بالنسبة للسؤال الثاني: هل أحتاج إلى جلسات نفسية؟
من المهم أن تعملي على بناء صورة إيجابية عن ذاتك، وأعتقد أنك بحاجة إلى جلسات نفسية؛ حيث إن شخصيتك بحاجة لاستكشاف أكثر، من خلال الجلسات النفسية يمكن للأخصائي أن يساعدك على التوازن النفسي وتحقيق التوافق الداخلي.

أمَّا بالنسبة للسؤال الثالث: هل دواء سيبرالكس يسبب الإدمان؟ وهل له آثار مستقبلية؟ وهل يمكنني الاستمرار عليه لفترات طويلة؟
أولًا: دواء الـ (سيبرالكس، Cipralex) دواء جيد لعلاج القلق والتوتر، كما أنه يحسِّن المزاج، ويعالج المخاوف، فيمكنك الاستمرار في تناوله، لكن يجب أن تعرفي أنه قد يؤدي إلى زيادة بسيطة في الوزن في الأشهر الثلاثة الأولى، ولكن مع التزامك بالبرامج الرياضية والتنظيم الغذائي، يمكن أن يقل الوزن.

هناك أيضًا دواء يُسمى (وليبيوترين، Wellbutrin) ويعرف علميًا باسم (ببربيون، Bupropion)، وهو مضاد للاكتئاب، ويتميز بأنه لا يُسبِّب زيادة في الوزن، بل قد يساعد في تخفيفه، ويمكنكِ استشارة طبيبك النفسي لمعرفة ما إذا كان من الأفضل التوقف عن السيبرالكس والانتقال إلى الـ (وليبيوترين).

ثانيًا: السيبرالكس ليس من الأدوية التعودية، ولا يُسبب الإدمان، كما أنه ليس له آثار سلبية مستقبلية سوى الزيادة الطفيفة في الوزن، فلا مانع من الاستمرار عليه مهما طال الوقت.

وبالنسبة للسؤال الرابع: هل يمكنني ترك أدوية السكر إذا التزمت بالحمية؟
طبيب الغدد هو من يجب أن يحدد لك متى تتوقفين عن تناول أدوية السكر، وهذا يعتمد على مستوى السكر في الدم، ومع انخفاض وزنك قد لا تحتاجين للأدوية، ولكن يجب مراقبة مستويات السكر بشكل مستمر.

وبالنسبة للسؤال الخامس: ما مخاطر تكرار هبوط السكر؟ وهل التشنجات التي أشعر بها في أصابع اليد نتيجة لذلك؟
أولًا: من المهم ألَّا تتعرضي لهبوط السكر؛ لأنه قد يؤدي إلى ضعف الإدراك أو الدخول في غيبوبة، معظم الأشخاص الذين يتعرضون لهبوط السكر يتخذون الإجراءات الوقائية لتجنب حدوثه مرة أخرى.

ثانيًا: التشنج في الأصابع قد يكون أحد الأعراض المصاحبة لانخفاض السكر.

أمَّا بالنسبة للسؤال عن أيهما أخطر: هبوط السكر أم ارتفاعه؟ فإن ارتفاع السكر أخطر، لكن يجب أخذ الحيطة من الهبوط أيضًا، لأن غيبوبة السكري قد تحدث، سواء بسبب الارتفاع أو الهبوط، وتتطلب تشخيصًا دقيقًا.

ختامًا، نشكرك على تواصلك مع إسلام ويب ونسأل الله تعالى أن يهب لك الصحة والعافية، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً