الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حب الخير للناس وكراهيته للنفس

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

مشكلتي أنني لا أحب الخير لنفسي وأرفضه رفضاً داخلياً قاطعاً، وأصده دون وعي مني بشتى أنواع الطرق، وحتى إن سعيت لخير فإن ذلك يكون بعد مجاهدة نفسية صعبة، ولكن مع يقين داخلي بأني سوف أفشل ولن أصل إلى ما أصبو إليه وأنني لا أستحق ذلك.

عندما أفشل وهذا ما يحصل دائماً فإنني أنهار وأبكي بحرقة لعدة أيام مع إحساس داخلي بالارتياح وكأني أشمت بنفسي وهذا الإحساس لازمني منذ صغري دائماً، لدي إحساس بأني سوف أفشل ولن أصل إلى مبتغاي لأني لا أستحقه.

إنني أهتم كثيراً بالناس وآرائهم، ونظراتهم، وأحكامهم، كما أن هذا الإحساس مرتبط بالناس لا ينبغي أن أتزوج أو أن أحصل على وظيفة أو أن أحظى بأي خير؛ لأني أحس وكأنني سأرتكب جريمة في حق الناس، صدقوني هذه هي حقيقة أحاسيسي وهذا يجعلني في أحيان كثيرة أحس بتنمل في رجلي ويدي، وإحساس غريب أسفل البطن.

علماً بأنني إنسانة طيبة جداً بشهادة الجميع، وأحب الخير لكل الناس وأفرح كثيراً لهم، ولكن لنفسي لا، لقد عشت طفولة معذبة وقاسية، لقد حرمت من اللعب وتعرضت للاظطهاد من طرف أبي مند كان عمري 3 سنوات وإهمال أمي لي حتى في مسألة النظافة.

كذلك القمع والسخرية وإهانات إخوتي لي، وتحرشات ومحاولة اعتداء من طرف خالي، وكانت أمي دائماً تردد بأني فتاة منحوسة، ولا حظ لي في الدنيا، وفترة مراهقتي لم تكن أفضل حالاً من طفولتي، فقد حصلت لنا مشاكل أسرية ومادية، وتعرضت لمس شيطاني بسبب كثرة البكاء وحيدة في مكان مظلم، وبسب الهرع والخوف.

كذلك تعرضت لسحر ولكن والحمد لله شفيت، وبقي لدي خوف من أن أصاب مرة أخرى بالسحر والعين، أعتقد أن كل الناس سوف تصيبني بعينها، وسوف تسحر لي إن حصل لي خير وخصوصاً في أمر الزواج وأن كل شيء سوف يتبدد بسبب العين، لم أعش لحظات السعادة في حياتي إلا في الوهم، حيث منذ صغري وأنا أهرب من الواقع إلى أحلام اليقظة، حيث عشت كل شيء لذيذ في الخيال، وكل السعادة التي حرمت منها، أما الواقع فآلام فقط.

- سادتي الكرام - أريد أن أشفى، أريد أن أخرج من هذا الجحيم، وأن أعيش السعادة في الواقع، وأن أنسى آلام الماضي الذي دائماً يلاحقني، إني أضيع فرصا كثيرة وأخاف أن أظل هكذا.

أريد أن أنسى الناس، وأن أحب الخير لنفسي، وأن أسعى لذلك، وأن أخرج من عالم الأوهام.

أرجوكم بالله عليكم أريد العلاج السلوكي لحالتي مفصلا، وانصحوني بما يفيد حالتي فأنا أتعذب، وأريد العلاج الدوائي.

أرجوكم عجلوا بالرد علي في أقرب فرصة، وأدعو الله لكم بأعلى درجات الجنة.

والسلام عليكم ورحمة الله.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ سهيلة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مما ورد في رسالتك، الذي أراه هو أنه لديك بعض الصعوبات في شخصيتك، وهنالك عدة أنماط من الشخصية، أنت حقيقةً لديك نوع من الشعور بالدونية، أو ما يمكن أن نسميه عدم تقدير الذات، أو تقدير الذات بصورة سلبية، وهذا أيضاً مرتبط بوجود وسواس.

كما أنه من الواضح أنك يسهل عليك التأثير بالإيحاء؛ فأنت تعيشين بين الأفكار الوسواسية والاعتقاد بأنك مصابة بالسحر والمس الشيطاني، وهذا يعقد الأمور بصورة كبيرة.

نحن نؤمن ونعترف بوجود المس الشيطاني، ونؤمن بوجود السحر والعين، ولكننا نؤمن أن الله سيبطله، وأن المؤمن في حفظ الله، وأن الإنسان قد كرّم، هذا كله نؤمن به، وعلى الإنسان أن يسعى للآليات التي تحفظه من هذه الأشياء، وعلى رأسها المحافظة على العبادات وتلاوة القرآن، والبعد عن المعاصي والشبهات، والمواصلة والتعامل الحسن مع الناس، والأذكار؛ كلها إن شاء الله هي طاردة لهذه الأشياء، وحامية جدّاً للإنسان بإذن الله تعالى.

أنتِ أردت أن تربطي ما بين الأعراض التي تعانين منها وبين التربية القاسية وصعوبات الطفولة، هذا بالتأكيد عامل لا نستطيع أن ننكره، ربما يؤثر في بعض الحالات على الصحة النفسية للإنسان في مقتبل عمره والسنوات التي تلي، ولكننا أيضاً نحن على وعي ودراية بأن الكثير من الناس قد عاشوا صعوبة في طفولتهم وشبابهم وأيام يفاعتهم، ولكن بالرغم من ذلك كانوا بفضل الله تعالى في قمة النجاح والاتزان النفسي والعاطفي.

الذي أراه وأشجع عليه دائماً، وهو يقوم على أسس علمية، هو أن تجارب الماضي يجب أن نتخذها كتجارب مفيدة من أجل تطوير الحاضر والمستقبل، وليست أكثر من ذلك.

أنت -الحمد لله- الآن تبلغين من العمر 28 عاماً، وهذا بفضل الله عمر فيه المسئولية والنضوج والإدراك المكتمل، والارتباط بواقع الحياة.

أرجو ألا تسترسلي في التفكير المتواصل بأن صعوباتك الحالية هي ناتجة من التنشئة وأيام الطفولة الأولى، أرجو بقدر المستطاع أن تقللي من هذا الربط.

ثانياً: أنت فيما تعتقدين أنه كراهية الذات ومحبة للآخرين، هو حقيقة الأمر – كما ذكرتُ لك – هو تقليل من شأن الذات، وعليه فخطوة العلاج السلوكي الأولى هي أن تنظري إلى نفسك بإيجابية أكثر، فأنت -من واقع رسالتك ومن أسلوبك في الكتابة- واضح أنك إنسانة مقتدرة، وهذه قيمة عظيمة، أرجو أن تركزي عليها.

ثالثاً: أنت الحمد لله بالتأكيد تتمتعين بصحة جسدية جيدة، وهذا شيء إيجابي أيضاً، أنت يمكنك التواصل مع الآخرين ومساعدتهم، خاصة أنك لديك الميول لحب الناس وحب الخير لهم؛ فهذا أمر عظيم.

أنت يمكنك أن تستفيدي من طاقاتك النفسية والجسدية للتواصل، للإنتاج، للإبداع، للفاعلية، هذه كلها أمور إيجابية.

من المفترض أن تكتبي كل أفكارك السلبية في ورقة، ثم بعد ذلك حددي الأفكار الإيجابية المضادة لها، وركزي على هذه الفكرة، ثم بعد ذلك ركزي على هذه الأفكار الإيجابية، وحاولي أن تقنعي نفسك أن هذه الأفكار هي الأنفع والأفضل وهي الأكثر واقعية، أما الأفكار الأخرى فهي لا تقوم على منطق، ولذا يجب ألا تعطيها أي اهتمام أو حيز في تفكيرك.

الشيء الآخر: أرجو أن تحاولي الاقتداء بالأخوات الفاضلات الصالحات، وهذا الاقتداء دائماً يعطي الإنسان القدوة الحسنة التي تشجعه داخلياً من أجل أن يشعر بقيمة ذاته الحقيقية، ومن نعم الله عليك أنك محبوبة من قبل الآخرين، وهذا القبول من الآخرين لابد أن تستغليه استغلالاً حسناً، وأول أبواب الاستفادة منه هو أن تحبي نفسك، ما دام الآخرين يحبونك، فمن الأجدى والأجدر أن تحبي نفسك أيضاً، بنفس القدر الذي يحبك به الآخرون، إن لم يكن أكثر، هذه مسألة سلوكية مهمة جدّاً.

شيء آخر: يمكنك أن تحبي نفسك من خلال التطبيق العملي والإنجاز، كوني فعّالة في أي شيء في الحياة، ضعي برامج للقراءة، للاطلاع، للحصول على عمل يناسبك، هذه الفعالية ترفع من قيمة الذات، وتقلل من الإحباط إن شاء الله تعالى.

نسبة للأفكار السلبية والوساوس البسيطة -التي لمستها في رسالتك- وكذلك الشعور بالإحباط، مما دفعك لهذا التفكير السلبي، أرى أن هنالك دواء يتميز بأنه يحسن الدافعية لدى الإنسان، ويزيل الاكتئاب والوساوس، وإن شاء الله يكون لك سبباً في التفكير الإيجابي.

هذا الدواء يعرف باسم بروزاك، أرجو أن تتناوليه بجرعة كبسولة واحدة 20 مليجراماً في اليوم، وذلك لمدة ثلاثة أشهر، ثم يمكنك التوقف عنه، وهذا الدواء يفضل أن يتناوله الإنسان بعد الأكل؛ علماً بأنه من الأدوية السليمة جدّاً ولا توجد آثار جانبية مزعجة أبداً.

إذا لم تجدي البروزاك؛ فالدواء البديل يعرف باسم زولفت، وجرعته هي حبة واحدة أيضاً في اليوم وقوتها 50 مليجراماً، تناوليها ليلاً بعد الطعام لمدة ثلاثة أشهر أيضاً، بعدها يمكنك التوقف عنها، ولكن لا تستعملي الدوائين مع بعضهما البعض.

أسأل الله لك بأن تحبي نفسك مثل محبتك للآخرين، وأن تكوني أكثر ثقة في مقدراتك، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً