الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف التعامل مع أم تمنع ابنتها من الخروج لتعليم القرآن؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا فتاة في 32 من عمري، أعيش وأمي بمفردنا ولي أربعة إخوة شباب متزوجون، أعمل في مجال تحليل النظم يومياً من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثانية والنصف بعد الظهر وقد منَّ الله علي منذ أربع سنوات فحفظت القرآن الكريم مجوداً وحصلت على إجازة في تعليمه.

والدتي سيدة فاضلة منَّ الله عليها هي أيضاً فحفظت القرآن، وهي مربية لعدة أجيال فهي كانت تعمل في حقل التدريس ولمدة ربع قرن أو ما يزيد، وهي تعاني الآن من ضعف في الرؤية ومن ملل شديد جعلها تمنعني في بعض الأحيان وتتأفف في أخرى من الخروج من المنزل.

منَّ الله علي بعد رمضان الماضي مباشرة بأن طلب مني تعليم تلاوة القرآن لمجموعة من النساء وأخر من الفتيات يسكنَّ جميعاً في الريف، وأحتاج للوصول إليهن حوالي النصف ساعة إذا أخذت المواصلات العامة وإذا ذهبت بسيارتي الخاصة فإنني أحتاج ربع ساعة، فكنت أذهب لكل مجموعة مرة واحدة في الأسبوع ويتطلب مني هذا المشوار حوالي الساعتين.

بعد شهرين من عملي هذا وبعد أن أنهيت نصف مادة التجويد تقريباً منعتني والدتي من الاستمرار في عملي هذا، وتشتكي للشيخة التي أتتلمذ على يدها علي بأني أتأخر مساء خارج المنزل وأنها تخاف علي من الطريق كوني أعمل في الريف، علماً أنني -والله على ما أقول شهيد- لم أتأخر خارج المنزل أكثر من الساعة الخامسة مساءً وهو وقت أذان المغرب في فصل الشتاء، كما أنها ومنذ أربع سنوات أذهب إلى بيتنا في المصيف والذي يبعد مسيرة الساعة بسيارتي الخاصة، وهي لا تخاف علي من هذا المشوار بما فيه من إضاعة للوقت في لهو مباح.

كما اشتكت أمي لشيختي من ارتداء الحجاب في المنزل (وهذا إنما أفعله في أثناء قراءتي للقرآن حفظاً أو تلاوةً ) وقد طلبت مني الآنسة أن أنفذ ما تريده أمي رغم أن ما أعمله صحيح بحجة أنها لا تريد من أمي أن تكره الآنسة فتمنعني أيضاً من حضوري درس الوعظ والعلم، وقد نفذت ما طلب مني وأنا غير مقتنعة.

أصبح وقتي الآن كله مصروفاً في الذهاب مع أمي مشاوير قد تطول لعدة ساعات بحجة أنها التزامات اجتماعية هامة وهذا يحدث بشكل يومي تقريباً، وفي حال رفضي الذهاب معها تنهال علي بالدعاء والغضب وتطلب من أخي الأكبر التدخل لإجباري على الذهاب، أشعر وكأنني لعبة في يدها.

المشكلة الآن أنني أشعر أن ارتباطي بالحجاب بدأ يضعف، فالبارحة كان لدي ضيوف بينهم رجال وقد ارتديت جلابيتي الطويلة وحجابي دون أن ألبس الجوارب السميكة التي قد تعودت منذ نعومة أظفاري على ارتدائها، كما أنه عندما أكون في المنزل بمفردي لم أعد أرتدي الملابس التي تعودت أن أرتديها منذ زمن بعيد والتي ترتديها كل فتاة ملتزمة بحجابها لكي تمنع ملابسها الخارجية من أن تشف.

لم يعد لدي الوقت الكافي لحفظ القرآن (كما أن ارتباطي بالقرآن بدأ يخف فلم أعد أشعر بحلاوة حفظه وتلاوته) أو المطالعة أو حتى القيام بالأعمال المنزلية بشكل جيد.

وقد منَّ الله علي للمرة الثانية أن طلب مني العمل في تحفيظ القرآن لمجموعة من الفتيات يسكن بالقرب من منزلي، وإنني أخرج من المنزل مرة واحدة فقط في الأسبوع لهذا الهدف، ولكنني أشعر بها أنها غير راضية فكثيراً ما تعبر عن انزعاجها من خروجي هذا.

إنها تعتبر أن بسماحها لي بالخروج الصباحي من المنزل للعمل قد أخذت أكثر من حقي وأن باقي الوقت من كل يوم هو ملك لها، لها أن تتصرف به كما تشاء.

أخوف ما أخاف عليه أن آخذ قراراً بأن أعمل ما أراه مناسباً سواءً وافقت عليه أمي أم لا وسواءً انهالت علي بالغضب أم لا، فأكون بذلك قد خسرت الدنيا والآخرة، وفي الوقت نفسه فأنا لا أستطيع أن أقتنع أنه من حقها أن تملك كامل وقتي بعد الظهر.

عذراً فقد كانت رسالتي طويلة ولكنني أريد النصح منكم بمشكلتي هذه، وفقني الله وإياكم وسائر المسلمين لما يحب ويرضى.

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سوسن حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد

يسرني بداية أن أحمد الله على أن وفقك لحفظ كتابه وإتقانه وتعليمه، وأبشرك بقول الحبيب عليه الصلاة والسلام: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه)، فهنيئاً لك تلك النعمة العظيمة التي لا يمن الله بها إلا على خاصة عباده الذين شاء سبحانه أن يجعل صدورهم أوعية لكلامه الكريم، فاحمدي الله على ذلك .

واعلمي أن للقرآن على أصحابه حقوقاً عظيمة من أهمها:
- العمل به، وإحلال حلاله، وتحريم حرامه، والتزام أحكامه، والتي من أهمها: بر الوالدين؛ حيث قال سبحانه: ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الإسراء:23]. فلا يخفى عليك أن الإحسان إلى الوالدين من أعظم القربات بعد التوحيد، وأنها من أسباب رضا الله ودخول الجنة.

ونظراً لتقدم سن والدتك، كما ذكرتِ، فيبدو أنها أصبحت تخشى الوحدة وتعاني من الوحشة، مما يضطرها إلى أن تُنكر عليك الخروج ولو لتعليم القرآن؛ لأنها لعلها في حاجة إليك خاصة، وأنك تقضين وقتاً طويلاً في العمل الصباحي اليومي، لذا أرى أن تتفاهمي معها قدر الاستطاعة وتبيني لها أجر وثواب تعليم القرآن، وإن كان لا يخفى عليها ذلك، ولكن الذكرى التي تنفع المؤمنين، وأرى أنه لا مانع من الاكتفاء بالدرس المجاور لمنزلكم وصرف النظر عن الدروس البعيدة إكراماً لها، ولا مانع من مصاحبتها في المشاوير التي تريدها ابتغاء مرضاة الله وإكراماً لها وتطيباً لخاطرها، ولا ترفضي الذهاب معها قدر استطاعتك، ولا تنسي (الزم قدميها فثم الجنة).

وأما موضوع الحجاب فليس لها الحق في إنكاره لأنه من شرع الله ولا يجوز لنا مخالفة شرع الله إرضاء للوالدين أو غيرهما، فاحرصي عليه واعتذري لها بأدب ولطف وتواضع، ولكن إياك أن تفرطي فيه؛ لأنه سيؤدي إلى مزيد من التهاون والضعف كما ذكرت، ولا تعتبري خروجك معها حجة لنسيان القرآن؛ لأنه وكما لا يخفى عليك أن نسيانه من فقد النعم العظيمة.

مع دعواتي لك بالتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً