الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توتر الحياة الزوجية بسبب أهل الزوج وعدم قدرته على الإنجاب

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله

سؤالي إليكم جزاكم الله خيراً يلخص حياتي المملوءة بالجراح والأسى، فهو يضم عدة جوانب وأسئلة، فأنا امرأة متزوجة منذ سنتين و 6 أشهر ولا أحس بأني عشت حياة سعيدة وخصوصاً في أيام زواجي الأولى، إذ أني صدمت بمعاملة سيئة من زوجي، إذ أن كل زوجين في حياتهما الأولى (على الأقل الشهر الأول من زواجهما) لا يقضيانه إلا في سعادة، والحب يغمرهما، الشيء الذي لم أجده أبداً إذ أني لم أتلقى من زوجي إلا كل انتقاد فكأنه كان يضعني تحت المجهر ولا يبحث إلا عن السلبيات لكي يرميها في وجهي ويصدمني فيه، ويقول كل شيء لأمه وهي امرأة لا تكتم السر وتنقل الأمور إلى كل أولادها وزوجاتهم إلى يومنا هذا، ومع ذلك صبرت مع العلم أني طلبت من أهلي أن أطلق وأن لا أبقى مع رجل مثله، إلا أنهم طلبوا مني الصبر ومحاولة تفهم الرجل وقالوا لي بأن بعض الرجال ذلك هو طبعهم.

واستمرت الحياة بيننا وعرفت زوجي جيداً وعرفت بأنه من الرجال الذين يحبون الكمال ووضع النقاط على الحروف من الأول، وذلك خطأ في نظري في الأيام الأولى من الزواج إذ أنها تعتبر مرحلة تعارف ومحاولة لجعل الألفة ولابد من الرفق والترفق حتى لا يكون هنالك شرود واستياء كما حدث معي، ولقد قلت لزوجي ذلك وواجهته بالمشاكل التي ترتبت عن تلك المعاملة.

والآن الأمور بيننا في مجملها مستقرة والحمد لله إلا أنني أجدني في كل مرة أتذكر تلك الفترة المؤلمة مع العلم أني أحاول جاهدة نسيانها إلا أني لا أقدر فأرجوكم أن تدلوني على الطريقة التي تمكنني من النسيان والعيش الهنيء.

أما الأمر الآخر الذي يؤرقني ويحزنني هو أنه لم نرزق إلى يومنا هذا بطفل يملأ علينا حياتنا حيث أننا عرضنا أنفسنا على عدة أطباء متخصصين في الميدان (السبب الذي قاله الأطباء هو نقص السائل المنوي لدى زوجي)، وتناولنا كل ما وصف لنا من أدوية إلا أنها لم تجد نفعاً، فأحياناً أقول بأن السبب هو السحر أو قد يكون السبب هو المشاكل الكبيرة التي يمر بها زوجي في عمله وحياته اليومية قبل الزواج بي وتفكيره اللامنقطع فيها، فهي تشغله عن كل شيء حتى مجامعتي فالرجاء أن تخبروني كيف أخفف عليه من المشاكل التي مر ويمر بها؟

مع العلم أني في أغلب الأحيان حزينة أنا أيضاً وأفكر في موضوع الإنجاب وخصوصاً إذا جاء إخوة زوجي وأولادهم إلينا.

أحيطكم علماً أننا نقيم مع والدي زوجي وأخيه الذي تزوج بعدنا بسنة و 3 أشهر وقد أنجب طفلة ودائماً تتعمد حماتي بأن تذكرني بأني لم أنجب كأن تحمل الطفلة وتقول: لو أني أحمل أبناء ولدي فلان لكان أفضل، وتقصد بفلان زوجي وما شابه ذلك من الكلام الجارح الذي أصبحت أتحسس منه، بالإضافة إلى زوجات إخوته كأن تقول إحداهن: فلانة لم تلد إلا بعد عامين من زواجها، أو تقول أن فلانة لم تلد حتى (عجزت) (وهي كلمة عامية تعني كبرت كثيراً)، ولا أجد بما أجيبهم به ولا أخبر حتى زوجي لأني أعرف بأنه سيؤنبهن على ذلك، وأنا بطبعي لا أحب أذية الآخرين حتى ولو كنت على حق؛ لأني أقول في نفسي: أتألم أنا على أن لا يتألم غيري مراعاة لربي عز وجل. ولا أدري إن كان ذلك خطأ أم صواب، قلت لا أرد عليهن مع يقيني بأنهن لا يقصدن إلا جرحي وأذيتي وذلك بسبب أني أنا الوحيدة من كنائن حماتي من تعمل خارج البيت فكلهن ماكثات بالبيت مما يجعلهن يغرن مني، بالإضافة إلى أني أنحدر من عائلة أعرق وأغنى منهن، ولقد أبدين غيرتهن في أكثر من مقام منذ أيام زواجي الأولى إذ أن زوجي في ليلة عرسنا لم يستطع أن يفض غشاء بكارتي إلا بعد ثلاثة أيام من عرسنا، ولم يكن ذلك إلا بعدما أحضروا لنا راقياً وأثبت تعرض زوجي للسحر (الربط)، ومن هنا أتى شكي في السحر وتعرضنا له ربما لكي لا ننجب -والله أعلم-.

وكما قلت لكم فأمر عدم الإنجاب يؤثر علي كثيراً ولا أنقطع عن البكاء لوحدي أو بحضرة زوجي (ويعلم الله أني أحاول جاهدة على أن لا يراني أبكي، وفي أغلب الأحيان لا أحكي له كل ما يلج في خاطري ونفسي)، أبكي على حالي ثم عندما تذكرني نفسي بأن الله عز وجل هو الذي قدر هذا علي أزداد بكاءاً وذلك خوفاً من ربي تعالى إذ أقول في نفسي بأني أكفر بالرزاق المانح، وإذا حاول زوجي التخفيف علي حينها أزداد بكاء لأني أقول في داخلي بأن واجبي هو التخفيف عليه من المشاكل لا أن أزيد في ألامه عندما يراني على تلك الحالة فأستاء من نفسي وأقول بأني لم أحصل لا طاعة ربي ولا إرضاء زوجي والتخفيف عنه وطاعته، وفي الوقت نفسه أرق لحالي وحال زوجي لعدم الإنجاب فأرجوكم أعينوني على نفسي والحالة المتناقضة التي أعيشها والتي قد توصلني إلى الجنون.

وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة / فائزة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسعدنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، ونبشرك بأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً.

الأخت الفاضلة فائزة: عندما قرأت رسالتك ولمست فيها بذرة الإيمان الزكية الذي أكرمك الله به، علمت أن حل المشكلة سيكون سهلاً -بإذن الله-، وأن مثلك بهذا الإيمان قادرٌ على أن يتحدى الصعاب مهماً كانت، ما دام مؤمناً بالله.

نأتي إلى الأيام الأولى والتي أصبحت جزءاً من الماضي، لماذا نشغل أنفسنا بها وقد مرت بحلوها ومرها؟ لماذا نظل نعيش في هذه المرحلة الصعبة رغم أن الله قد أعانك على اجتيازها، وأصبحت الآن زوجة ناجحة في معرفة طباع زوجها، واستقرت أموركم الزوجية؟ أليست هذه القفزة نعمة عظيمة أكرمك الله بها يستحق عليها منك شكراً، إذن : اشكري الله أولاً على تخطي هذه المرحلة القاسية، وقدرتك على فهم زوجك، وشيوع الاستقرار بينكما.

ثانياً: موضوع الذرية -كما ذكرت- منحة من الله، حيث قال سبحانه: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ)[الشورى:49] إلى أن قال سبحانه: (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا)، [الشورى:50]، وليس أمام الناس جميعاً في قضية الذرية والأولاد إلا الأخذ بالأسباب الممكنة، مع الدعاء والإلحاح على الله تعالى، كما فعل نبي الله زكريا وقبله إبراهيم -عليهما السلام-، -والحمد لله- لقد تقدم الطب الآن تقدماً هائلاً، وستجدون حلاً -إن شاء الله- ما دامت هناك حيوانات منوية، يمكن حقنها عن طريق الحقن المجهري وعمليات التلقيح الصناعي، وهي منتشرة، وتحقق نجاحاً هائلاً هذه الأيام، والمسألة مسألة وقت، فلا تجعليها هي الأخرى تلقي بظلالها على حياتكما؛ لأن كثرة التفكير فيها سيكون مدمراً حتى لهذا الجو من التفاهم الذي أكرمكم الله به، وأين الإيمان بالله وحسن الظن به . أختنا الكريمة فائزة: افرضي أن الله لم يقدر لكما ولد، فهل أنتم الذين حرمتم من الذرية فقط في هذا الوجود؟
أليس من الممكن أن يرزق الإنسان بولد معاق حتى يتمنى أنه لم يوجد؟

أليس من الممكن أن يرزق الإنسان بولد عاق قاسٍ مجرم يتمنى أبوه وأمه أن يخلصهم الله منه؟

اعلمي أختاه أن الله أرحم بالإنسان من الوالدة بولدها، واجتهدي في الانتصار على هذا الضعف الذي يؤثر في نفسك ومشاعرك، وسلمي الأمر لله وحدة؛ لأنه صاحب هذا الملك والمتصرف فيه، ما عليكم إلا الدعاء، وكما دعا أصحاب البلاء والحرمان وما زالوا يدعون، وأكثروا من الاستغفار والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بنية أن يرزقكم الله الذرية، وهذا علاجٌ مجرب ونافع ومفيد جداً إن شاء الله، اقرئي عن قصص الصالحين والصالحات، خاصةً أصحاب البلاء، وكيف أن هذه الابتلاءات كانت سبباً من أسباب سعادتهم والفوز بالنعيم المقيم، حتى كان بعضهم لا يتمنى العافية أبداً.

ثالثاً : موضوع حماتك وزوجات إخوة زوجك من الموضوعات الأزلية التي لا حل لها إلا بالصبر والاحتساب، والإهمال، وعدم شغل النفس بها؛ لأنها في كل زمان ومكان، فلا تلقي لها بالاً، وكونك لا تهتمين بها وهم يشعرون بذلك سيدفعهم إلى التوقف عنها؛ لعلمهم أنك لا تلقين بالاً لهذا الكلام الفارغ الجاهل، خاصةً وأنك كما ذكرت في نعم حرمهم الله منها، وأعطاك أنت إياها، فاحمدي الله على ذلك، فهم أيضاً محرومون من بعض النعم التي أنعم الله بها عليك، أليس كذلك؟

وأما موضوع السحر الذي ذكرته، فلا مانع من إعطائه بعض الاهتمام، وإن كنت أتمنى ألا نلقي عليه تبعة هذه الأمور كلها، ولذلك لا مانع من الاستعانة ببعض الصالحين الذين يعالجون بالرقية الشرعية، لمعالجتك أنت وزوجك بالطريقة الشرعية المعروفة؛ لاحتمال أن يكون ذلك من كيد الشيطان وأعمال السحرة والعرافين.

وختاماً أكرر: لا تشغلي بالك، وعليك بالدعاء واذكري دائماً أهل البلاء، وثواب الصابرين، وعالجوا أنفسكم، وستكونون من أسعد الناس بإذن الله.

والله ولي الهداية والتوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً