الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلاج السلوكي والدوائي للقلق الوسواسي

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي مشكلة أرجو منكم مساعدتي .. لدي صديقة تبلغ من العمر 19 عاماً تدرس في قسم الصيدلة، وهي الآن في السنة الأولى بعد السنة التحضيرية، طالبة متفوقة في دارستها الثانوية وخرجت من الثانوية بنسبه ممتازة..

هي الابنة الكبرى لعائلتها والوحيدة بوجود أخ لها، والدتها ووالدها معها دائماً في كل ما تريد، ويضيفون التشجيع على حياتها.

مشكلتها هي كثرة الوسوسة والتفكير المتعب، والذي يصل إلى التعذيب.

تفكر دائماً في المواضيع التي تدور حولها، فمثلاً: كأن تقول لها إحدى صديقاتها موضوعاً وتطلب منها أن يكون بينهما.

هي بعد سماع هذا الموضوع تبدأ بالتفكير خوفاً من أن تكون قد قالته عند أحد من أقاربها أو زميلاتها، وتبدأ بالبحث والتساؤل عن قولها له، أو حتى مواضيع قديمة منذ شهور حصلت، تفكر فيها وتخاف من أن تكون قد قالتها.

أكثر ما يقلقني عليها أنها تفكر في حبي لها، وأنني أحبها ليس لذاتها وإنما حبـا في إحدى صديقاتها والتي هي أيضاً صديقتي، ولكنها أقرب لها مني بحكم القرابة بينهما.

أقنعتها كثيراً بأن حبي لها لذاتها ولشخصيتها وأخلاقها، فتقتنع وتندم وتعتذر مني، ومن ثم بعد فترة تعود بنفس التفكير.

عندما أقول لها إنني أحبها تقول لي: لا تعذبيني .. بحكم تفكيرها، حتى جلستها العائلية تفكر في مواضيعها، في بداية المشكلة أخبرت والدتها بذلك، وكانت معها وتحاول التخفيف عنها ..

هدأت المشكلة فترة والآن عادت لها ..

أصبحت فتاة حزينة لم تكن مثل ما كانت عليك تلك الفتاة المليئة بالتفاؤل والحياة والطموح العالي ..

هذه المشكلة تأتيها من فترة إلى فترة، ولكنها تتعبها بمعنى الكلمة، وتتمنى الموت لترتاح من هذه المشكلة.

عندما عادت المشكلة مرة أخرى أخفتها عن والدتها خوفاً من أن تتعبها معها..

تتهرب دائماً من المشكلة بالنوم، وأصبحت تفضل الجلوس في غرفتها طوال الوقت، والآن تكتم في داخلها لتحاول أن تعالج نفسها بنفسها، حاولت أنا وصديقتي مساعدتها وإقناعها بالنسيان، ولكنها تقول بأنها لا تستطيع النسيان ..
أرجو منك مساعدتي .. وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكرك كثيراً على تواصلك مع إسلام ويب، ونشكرك على اهتمامك بأمر صديقتك هذه.

نحن لاشك أننا نحترم خصوصياتها، وكل ما نقوله هو بناء على ما ورد برسالتك، ولاشك أنك تنطلقي من المصلحة لصديقتك، ونحن أيضاً ننطلق من نفس هذا المبدأ، وكل ما يصلح الناس بإذن الله تعالى.

أيتها الفاضلة الكريمة: مما ذكر في رسالتك أستطيع أن أقول لك إن هذه الفتاة ـ حفظها الله ـ لديها بعد وسواسي في أفكارها، فالأمثلة التي وردت في الرسالة توضح بصورة جلية أن تحليلها للأمور يقوم على النمط الوسواسي المطلق، وحقيقة الوساوس تسبب الكثير من الإزعاج للناس والقلق الداخلي، خاصة حين تكون وسواس الفكرة مستحوذاً، يحلل الإنسان من خلالها المعلومة تحليلات دقيقة لا داعي لها، ويحب أن يشرح كل فكرة ويبحث عن الفكرة بل وما وراء الفكرة، وهذه تزيد من قلقه وتوتره وربما اكتئابه، وهذه الفتاة أرى أنها دخلت في حالة من الكدر الذي نصفه كصفة رئيسية من مسمات الاكتئاب النفسي.

أشكرك مرة أخرى على اهتمامك بأمرها، وحقيقة الذي أنصحك به هو أن تتناصحي معها، وأن تفهميها أن هذا الذي تعاني منه هو نوع من القلق الوسواسي، وهذا القلق الوسواسي يمكن علاجه، وعلاجه الآن يتم بسهولة شديدة، وتلعب الأدوية المضادة للوساوس دوراً رئيساً في علاج الوساوس، نحن لا نقلل من قيمة المساندة وكذلك العلاج السلوكي والذي يقوم على تفهم الوساوس وتجاهلها ومواجهتها، واستبدالها بأفكار وأفعال مضادة، وربطها مع منفرات مضادة حتى يتم تفكيكها، هذه كلها أساليب علاجية سلوكية نافعة جداً، لكن الدواء هو الذي يمهد الطريق لنجاح العلاج السلوكي، والحمد لله الآن توجد أدوية مضادة للوساوس ومحسنة للمزاج ومزيلة للقلق، وهي أدوية سليمة وفاعلة جداً.

عليك أن تجتهدي في هذا السياق بأن تقنعي صديقتك بضرورة العلاج؛ لأن تعالج نفسها بنفسها هو جهد مقدر، ولكن لا أعتقد أنها سوف تستطيع مساعدة نفسها بنفسها ولوحدها؛ لأن القلق الوسواس القهري له مكون بيولوجي فسيولوجي يتمركز حول كيمياء الدماغ، وكيمياء الدماغ لابد أن تصححه من خلال أدوية سليمة كما ذكرت.

والذي أنصح به هو إقناع هذه الفتاة لتلقي العلاج اللازم، وإن شاء الله تواصلين معها أنت المساندة، ومن خلال المساندة يمكن إقناعها لأن تتقبل العلاج، والعلاج لا يعني أنه سوف يسبب لها نقصاً أو وصمة اجتماعية، فهذه حالات كثيرة ومنتشرة، ولا تعتبر من الأمراض الذهانية والعقلية، وحتى الأمراض النفسية الشديدة، بل هي ظواهر عصابية ولكن لابد أن تعالج.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً