الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرغب في إكمال الدراسات العليا ولكن الكل يقول لي بأني لن أستطيع

السؤال

السلام عليكم.

أنا متخرجة من الكلية، وهذه تعتبر أول سنه لي، وأرغب في تكملة دراستي العليا ولكن أسمع نقد من الجميع: أنتي لا تستطعين، ومقولتهم لي: بأن الجامعة لا تقبل إلا من لديهم واسطة، وأنت معدلك منخفض، وليس لديك شخص معروف يساعدك، وليس لديك مال كافي يساعدك على الدخول، لدرجة أنني أنام وأرى رؤى تبشرني بأنني سوف أكمل دراستي، وأن الفرج من الله سبحانه وتعالى قريب، لدرجة أنني عندما أقول لأختي التي هي أكبر مني بأن الفرج قريب، ومن دعا الله فرج كربه، وأنا سوف يفرج الله عني ذلك حتى لو بعد سنوات، وحتى لو رزقني الله وتزوجت سوف أدفع تكلفة دراستي وأكملها. تقول لي أنتي تحلمين، ومن ثم أصبحت تتضايق من ذلك، وألاحظ تعابير وجهها تتغير، هل أنا على حق في ذلك؟ لدرجة أنني أصبح لدي شعار كن مع الله ولا تبالي

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقك لكل خير، وأن يشرح صدرك لكل خير، وأن يعينك على إكمال مشروعك الدراسي خدمة للإسلام والمسلمين، وأن يجعلك من المتميزات المتفوقات، وأن يمنّ عليك بزوج صالح طيب مبارك يكون عونًا لك على طاعة الله ورضاه، وعونًا لك على أمور الدنيا والآخرة.

وبخصوص ما ورد برسالتك أختي الكريمة الفاضلة من أنك تخرجت من الجامعة العام الماضي، ولديك رغبة شديدة في إكمال الدراسات العليا، ولكنك تسمعين نقدًا لاذعًا وقاسيًا من معظم المحيطين بك، حيث إن بعضهم يقولون إن الجامعة لن تقبلك، وأنه لا واسطة لديك، وأن معدلك منخفض، وأنه ليس لديك أحد يساعدك، وليس لديك المال الكافي، إلى غير ذلك من المحبطات التي تجعل الإنسان فعلاً يصرف النظر عن مشروعه الكبير العظيم.

وتفضلاً من الله وكرمًا يمنّ الله تبارك وتعالى عليك برؤىً تبشرك بأنك سوف تكملين دراستك، وأن الفرج من الله سبحانه وتعالى، ولكن عندما تُخبرين أختك بهذا فإنها تتغير ملامح وجهها، وكأنها تستنكر ما تفعلينه وما تقولينه، وكأنها أصبحت لا تصدق ما تقولينه ولا تريد أيضًا أن تصدقه، ولكنك على يقين من أن الله تبارك وتعالى سوف يكون معك ولم ولن يتخلى عنك، ولذلك لا تبالي بهذه الأشياء.

أقول لك: فعلاً إن هذا الذي أكرمك الله تعالى به من حسن الظن به سبحانه، هو المطلوب، وهو أمر عظيم، وهو مفتاح الفرج حقًّا؛ لأن هذه النظرات السلبية مع الأسف هي التي خلّفت الأمة الإسلامية وجعلتنا في ذيل دول العالم، بعد أن كنا خير أمة، وبعد أن قُدنا العالم إلى أكثر من سبعمائة عام، أصبحنا الآن في أواخر قطار العالم، وأصبحنا أمة متخلفة، أمة ذليلة، أمة فقيرة، أمة ضعيفة، لا يعبأ الناس بنا ولا يقيمون لنا وزنًا رغم أننا نشكل نسبة أعلى أو قريبًا من رُبع سكان العالم، إلا أننا مع الأسف يصدق فينا ما قاله الشاعر: (ويُقضى الأمر حين تغيب تَيْمُ، ولا يستأمرون وهم شهدوا).

لعل من أهم الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذا الخذلان والضعف إنما هو ضعف الهمة وقلة العزيمة والاستسلام للواقع، وعدم الرغبة في السمو أو تغيير الواقع، وعدم الرغبة في الإقدام أو دفع ثمن أو ضريبة العزة والحرية والكرامة، ولذلك أصبحنا تحت حافر الفرس، وقد يكون من المتعذر علينا أن نمتطي صهوته يومًا إذا كانت هذه نفسيتنا وإذا استمر الحال على ما هو عليه.

فأنا أقول أختي الكريمة (منى) استعيني بالله وتوكلي على الله ولا تلقي بالاً لهذه العبارات المخذلة المثبطة، ولكن اعلمي أن الله معك يقينًا، وتوكلي على الله، وقدمي أوراقك للجهات المعتمدة، واستعيني بالله تعالى. وأنصحك بالإكثار من الصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا من أعظم مفاتيح الرزق، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابي الذي يُكثر الصلاة عليه: (إذن تُكفى همّك ويُغفر لك ذنبك).

كما أنصحك بالإكثار من الاستغفار، وفوق ذلك كله الدعاء والإلحاح على الله تبارك وتعالى، لأن الله تبارك وتعالى أمرنا بالدعاء ووعدنا بالإجابة، وكان أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه يقول: (إني لا أحمل همّ الإجابة، ولكني أحمل همّ الدعاء) فالإجابة من الله وعد، وعد الله لا يُخلف الله وعده، وعد الله لا يخلف الله الميعاد.

فاجتهدي بارك الله فيك بالأخذ بالأسباب، وابدئي بالخطوات الأولى، ولا تنظري ورائك أبدًا، ولا تحدثي أحدًا بما تريدين أو بما عقدت عليه العزم، لأن الناس قد يحسدون، وفوق ذلك قد يحقدون، بل إنهم أحيانًا وغالبًا ما يثبطون ويُضعفون، فلا تلقي بالاً لأحد ما دمت تتعلمين العلم بابتغاء مرضاة الله تعالى لتنفعي به نفسك وتنفعي به أمتك والمسلمين جميعًا، وما دام التخصص الذي سوف تتخصصين فيه تخصص نافع ومفيد للأمة فاستعيني بالله تعالى.

ولكن أود أن تضيفي إلى ما سبق أن ذكرت قضية النية، أن تحتسبي أنك تتعلمي هذا العلم لخدمة الدين، ابتغاء مرضاة الله، وأن تتوجهي إلى الله بالدعاء بذلك، وأن تقولي: (اللهم إني أريد هذا العلم لأنفع به عبادك، ولأخدم به دينك) حتى يكون لك عبادة وأجر عند الله تعالى.

لا تلقي بالاً بارك الله فيك لأي تثبيط أبدًا، ولا تسمحي لأحد أن يتكلم كثيرًا في هذا الموضوع، إذا كان سيؤدي إلى إضعاف همتك أو إلى التقليل من شأنك، وإنما من أراد أن يتكلم فقولي له (أريد من يشجعني، أما خلاف ذلك فأنا لست في حاجة إلى رسائل سلبية).

توكلي على الله وخذي بالأسباب واجتهدي، واعلمي أن الله تبارك وتعالى أمرنا بالعمل وأمرنا بالحركة وأمرنا بالنشاط، وبين أن التغيير لا يأتي إلا مع الحركة والنشاط، حيث قال سبحانه وتعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، وقال أيضًا: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} فمعنى ذلك أن الإنسان إذا لم يمشي ولم يأخذ بالأسباب فلن يصل إلى الرزق الذي قدره الله رغم أنه موجود، إلا أنه لم يسلك السبيل والطريق إليه، فاستعيني بالله، وخذي بالأسباب، وأكثري من الدعاء والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام والاستغفار، وحافظي على زيك الشرعي، وحافظي على أخلاقك الإسلامية، وحافظي على الصلاة في أوقاتها، واطلبي من والديك الدعاء، وأبشري بفرج من الله قريب.
هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً