الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أريد أن أعمل عملاً إضافياً يدر عليّ بعض المال فهل ما أقوم به صحيح؟

السؤال

أريد استشارة مفيدة، هل ما أقوم به من خطوة قادمة تعتبر صحيحة أو أعتبر متهوراً ومتسرعاً؟
لم أنجح في حياتي العملية، مما جعلني أحتاج مادياً، المهم أنا الآن أقوم بإجراءات الحصول على سيارة ليموزين لزيادة الدخل، وعندي الوقت حيث بعد الدوام لا يوجد عندي التزامات سوى الأسرة، وأنا متردد هل سوف أحقق ما أصبو إليه، أتمنى أن أجد من يدلني أو يقنعني بهذه الخطوة، إما إيجاباً أو سلبا، وشكراً للجميع.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تعالى أن يوسع رزقك، وأن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يمنّ عليك بالأمن والأمان والاستقرار، إنه جواد كريم.

أخي الكريم الفاضل: إذا كان دخلك فعلاً الذي يأتيك من الوظيفة لا يكفي لحاجاتك اليومية من الضروريات والحاجيات، وأنك تشعر فعلاً أن أسرتك في حاجة إلى شيء أكثر من الدخل للوفاء بالالتزامات الطبيعية، فلا مانع فعلاً من أن تبحث عن عمل آخر بعد نهاية دوامك.

أما إذا كان راتبك يكفيك وأنت تعيش حياة طيبة مستقرة فأنصح - بارك الله فيك - أن تحتفظ بوقتك لزوجتك وأولادك، لأن المسألة ليست مسألة أموال فقط وليست طعاماً أو شراباً أو نفقات، وإنما هنالك جوانب مهمة جدًّا هي أهم من الطعام والشراب في كثير من الأحايين، وهي مسألة الأنس بالزوجة وأن تأنس بك امرأتك وأن تشعر أنت بجوارها، وأن تجدك دائمًا إلى جانبها، وأن يشعر بك أبناؤك أيضًا يلتفون حولك وتخرج معهم وتمازحهم وتناصحهم، وتواجههم أولاً بأول، ويأخذون عنك القيم والمبادئ والأخلاق المثلى.

هذه جوانب أخطر بكثير من مسألة الاهتمام بالجانب المادي، لأن معظم الناس - أخي الفاضل - أصبح همهم الأكبر إنما هو الجانب المادي، ولذلك يدفنون أعمارهم في البحث عن المزيد من الدخل لتوفير ما تحتاجه الأسرة من الجوانب المادية الغير ضرورية، ناسين أو متناسين الجانب الروحي والنفسي، وأن هناك جهة أخرى أيضًا أكثر أهمية من الجانب الجسدي المادي، وهي الجانب النفسي وغذاؤها والأمن والأمان والتربية والتوجيه الذي يوفره الآباء للأبناء.

ومن هنا فإني أقول لك: إذا كان دخلك يكفيك وتعيش مستورًا وليست عليك ديون مرهقة، والذي تحتاجه بفضل الله تعالى تجده وإن لم يتيسر مثلاً في الشهر الأول فمن الممكن أن يكون في الذي يليه، فأنصح - بارك الله فيك - أن لا تدفن وقتك في أي عمل آخر، وأن توفر وقتك لنفسك أولاً ولزوجتك وعيالك حتى تتمكن من تربيتهم تربية طيبة موفقة، وحتى توفر لهم جو الدفء العاطفي الذي يوفر لهم الأمن والأمان في المستقبل، والذي يجعلهم أيضًا قادرين على إدارة أنفسهم بطريقة صحيحة، وعلى إضفاء الحب والمشاعر الحانية على كل من يتعاملون معهم.

أما إذا كان دخلك فعلاً لا يكفيك وتشعر فعلاً بأنك بحاجة إلى شيء من الدخل لتوفير أشيائك الضرورية فإني أرى أنه لا مانع فعلاً من أن تفتح هذا المشروع، وخاصة أنه مشروع خاص، ومعنى خاص أنك أنت الذي تتحكم فيه، فمن الممكن أن تعمل لساعة أو لساعتين أو لثلاث ساعات، أو تعمل مثلاً إلى وقت صلاة العشاء ثم بعد ذلك تُوقف سيارتك وتعود إلى زوجتك وعيالك لتقضي معهم وقتا قبل النوم ساعة أو ساعتين، وأرى أن هذا يكون مناسبًا، أما أن تأخذ السيارة كل وقتك فتكون في الصباح في العمل الرسمي، ثم بعد ذلك تخرج مثلاً من العصر إلى منتصف الليل في عمل آخر، إذن أين وقت زوجتك؟ وأين وقت عيالك؟ وأين وقتك أنت أيضًا؟ ستتحول إلى صرّاف آلي تشعر بأن الحياة أصبحت جافة، وأن العواطف ماتت، وأن المشاعر ضمرت، وأن علاقتك مع أبناءك تصبح ضعيفة وهشة، وأن أبناءك ينظرون إليك على أنك مجرد صرّاف آلي توفر لهم ما يحتاجونه من طعام وشراب ولباس وعلاج وتعليم وألعاب وغير ذلك.

لابد أن يشعروا بك كأب حانٍ، تمسح بيدك على رأسهم وتخرج معهم مثلاً في بعض النزهات البرية أو زيارة بعض الأماكن الطيبة، أو على الأقل مصاحبتهم مثلاً في الذهاب إلى المساجد، أو مثلاً في حل واجباتهم، أو توجيهك المباشر لهم، لأنه هذه المسألة أخي الكريم في غاية الأهمية، وكثير من الآباء لا ينتبهون لها، ولذلك يحرصون على أن يعملوا عملاً إضافيًا بجوار العمل الصباحي، ويدفنون أوقاتهم ونسوا ولم ينتبهوا إلى خطورة ما يُقدمون عليه من جريمة عظيمة، ولذلك تجد الآن مظاهر جديدة بدأت تجد في العلاقة ما بين الآباء والأبناء، وما بين الزوج والزوجة، وهو ما يعرف بالجفاف العاطفي، فالابن لا يشعر بأبيه، والابن لا يحس به، وإنما يرى فقط أنه مجرد مصدر للأموال والأقوات ولقضاء الحوائج، ولكن لا يشعر بالعاطفة تجاهه، ولذلك نجد أن الآباء عندما يكبرون لا يجدون هذا الحنان وتلك العاطفة من أبنائهم، لماذا؟ لأن أبناءهم خرجوا محرومين منها.

فأنا أرى أن تعيد النظر في هذه المسألة وأن تدرسها بعناية ألف مرة ومرة، وأكرر كلامي الذي سبق أن بدأت به: إذا كان دخلك من العمل الصباحي يكفيك فلا تدفن عمرك في أي عمل آخر، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ووفر وقتك لزوجتك وعيالك، وثق وتأكد من أنك ستكون من أسعد الناس، وستكون زوجتك أيضًا سعيدة، وأبناؤك كذلك سعداء.

أما إذا كان الدخل لا يكفيك أخي الفاضل، فأقول لا مانع من هذا المشروع الذي ذكرته، شريطة أن لا يستغرق الوقت كله، وإنما تحدد لك موعدًا محددًا للعودة إلى المنزل مهما كانت النتائج حتى تجد لديك بعض الوقت الكافي لكي تتكلم مع زوجتك وتسمر معها ومع أبنائك، وتضفي عليهم الحب والحنان والعاطفة، أعتقد بذلك أن الأمور ستكون طيبة، أما أن تظل تعمل إلى منتصف الليل وأن تقول هناك زبون جاءني متأخرًا ثم تعود وأنت جثة هامة لتجد امرأتك قد نامت، وتجد أن أبناءك قد ناموا، فيُحرمون منك وتُحرم منهم.

أتمنى أن يشرح الله صدرك لهذا، وأن تأخذ كلامي بعين الاعتبار لأنه إن شاء الله تعالى يصب في صالحك، وهو خبرة مجربٍ، وأسأل الله أن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفقك إلى كل خير، وأن يوسع رزقك، وأن ييسر أمرك، وأن يبارك فيك وفي أهلك وفي رزقك ومالك وعيالك، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً