الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخاف من الأصوات ومن التجمعات وأشعر بأني سأجن..أرشدوني

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب فلسطيني، عمري 20 سنة، أعاني من خوف شديد بدون أي سبب، وإذا سمعت الأصوات أخاف، وكذلك أخاف من التجمعات، ومن كل شيء، حتى عند الوضوء أشعر بالخوف الشديد، ويصيب رجلي الألم الشديد، ولا أعرف الوضوء ولا الصلاة، وأشعر بضيق بالصدر واكتئاب ، وتأتأة وتلعثم في الكلام مع أناس لا أعرفهم.

أشعر بأني سأجن، وأحياناً أني سأموت، وتأتيني أفكار الانتحار، وأفكر في الانعزال.

أشعر بتأنيب الضمير على أشياء تافهة أو أشياء لم أفعلها، ويخيل إلي أني فعلت كذا وأنا لم أفعل.

وعندما أكون في مواقف مقيدة مثل الصلاة في جماعة، أحس أن أقدامي لا تقوى على حملي، وأصبحت أذهب إلى الصلاه جماعة لكن لما أرجع إلى البيت أعيد الصلاة!

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

كل عام وأنتم بخير، ونسأل الله تعالى أن يرحمنا وأن يغفر ذنوبنا، وأن يجعلنا جميعًا من عتقائه من النار في هذا الشهر الفضيل.

أيها الفاضل الكريم: شكواك بالرغم مما تسببه لك من ألم نفسي شديد إلا أنها في طيف الحالات النفسية المرضية المعروفة، وتعتبر من الحالات البسيطة، وحالتك نسميها بقلق المخاوف، فأنت لديك قلق واضح، لديك مخاوف متعددة، فيها الجانب البسيط وفيها الجانب الاجتماعي، وكثيرًا ما ينتج من قلق المخاوف بعض الشعور بالكدر وعسر المزاج، لكن قطعًا لا يصل التفكير بالإنسان إلى درجة الانتحار، هذا تفكير خاطئ، تفكير قبيح، لا يليق أبدًا بالمسلم، نحن نقدر درجة الألم النفسي التي قد يصاب بها الإنسان، لكن الإنسان يجب أن يعرف أن هذا نوع من الابتلاء البسيط، وعليه بالصبر ومخافة الله والدعاء، والاستعاذة بالله تعالى من مثل هذه الأفكار – أي الأفكار الانتحارية – وتحقيرها ورفضها تمامًا، فيجب أن تعلم أيها الفاضل الكريم أن الحياة جميلة والحياة طيبة، والله تعالى خلقنا لعمارة هذه الأرض، ومهما كانت هنالك صعوبات وسلبيات وتشوهات وعدم توافق اجتماعي قد يقابلنا في الحياة إلا أن ما هو طيب وما هو جميل وما هو إيجابي أكثر.

أيها الفاضل الكريم: أنت في بدايات عمر الشباب وأمامك الكثير الذي يمكن أن تقوم به في هذه الحياة.

ابحث عن عمل، عليك أن تجتهد في هذا السياق، لأن العمل فيه تأهيل للإنسان، وأنا أقدر ظروف الأهل في فلسطين المحتلة، نسأل الله تعالى أن يزيل عنهم وعنها العدوان.

أريدك أن تدير وقتك بصورة إيجابية، أن تكون نافعًا لنفسك ولغيرك، وهذا إن شاء الله يعطيك الشعور بالرضى، ومن خلال هذا ينتج ما نسميه الثقة بالنفس أو تأكيد الذات، واتجه بطاقاتك النفسية والجسدية توجهات إيجابية، ساعد الآخرين، مارس الرياضة، ساعد أهلك في البيت، أكثر من القراءة والاطلاع، وكما ذكرت لك ابحث عن عمل.

بالنسبة للمخاوف ذات الطابع الاجتماعي التي تمنعك من الصلاة في جماعة وخلافه، هذه المخاوف تعالج من خلال أن تحقرها وأن تعرض نفسك لمصدر خوفك، فالإنسان إذا تجنب مصدر الخوف هذا يقوي الخوف، أما إذا واجه وعرض نفسه وأصر على هذا التعريض فإن درجة القلق لديه سوف ترتفع في بداية الأمر، لكن بعد ذلك سوف ينخفض القلق والتوتر والخوف تمامًا.

الأعراض الجسدية التي تعاني منها هي جزء من حالة القلق التي تعاني منها، فالقلق لديه مكون نفسي ولديه كذلك مكون جسدي.

أنا أؤكد لك أن المخاوف هذه التي تمنعك من التفاعل مع الآخرين أو لا تصلي صلاة الجماعة بسهولة ناتجة أيضًا من بعض الأفكار الخاطئة، لأنه ربما يكون انتابك اعتقاد أنك سوف تفشل أمام الآخرين، أو أنك سوف تكون مصدراً الاستهزاء والسخرية، هذا الكلام ليس صحيحًا، لا أحد يلاحظ أنك تتلعثم، لا أحد يلاحظ أنك ترتجف، هذا الأمر قد أثبت تمامًا من خلال التجارب العلمية والملاحظات الطبية التي قام بها الأطباء النفسانيين.

أيها الفاضل الكريم: أقول لك: إنه توجد أدوية فعالة، وممتازة، وذات قيمة عالية جدًّا في علاج مثل هذه المخاوف والقلق والتوترات، وإن شاء الله الدواء يحسن المزاج. من أفضل الأدوية دواء يعرف تجاريًا باسم (زولفت) ، ويعرف تجاريًا أيضًا باسم (مودابكس) ويعرف أيضًا تجاريًا باسم (لسترال) ويعرف علميًا باسم (سيرترالين) وله مسميات تجارية كثيرة، وربما يكون تحت مسميات تجارية أخرى في فلسطين المحتلة.

اسأل عن الدواء تحت اسمه العلمي، وابدأ في تناوله بجرعة حبة واحدة، وقوة الحبة هي خمسون مليجرامًا، تناولها ليلاً بعد الأكل، استمر عليها لمدة شهر، بعد ذلك ارفع الجرعة إلى حبتين في اليوم – أي مائة مليجرام – يمكنك أن تتناولها كجرعة واحدة مساءً، أو بمعدل حبة في الصباح وحبة في المساء.

فترة العلاج على هذه الجرعة العلاجية هي أربعة أشهر، بعد ذلك خفض الجرعة إلى حبة واحدة يوميًا لمدة ستة أشهر، ثم خفضها حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

إضافة أخيرة، هي: أن تكثر من زيارة أرحامك في هذا الشهر الفضيل، وأن تتواصل اجتماعيًا، وأن تطور من مهاراتك، وأن تمارس الرياضة، وأن تطبق تمارين الاسترخاء، هي مفيدة جدًّا، ولتطبيقها هنالك عدة طرق، أبسطها أن تجلس في غرفة هادئة، وتأمل في حدث جميل وسعيد حدث لك في الحياة، أغمض عينيك، بعد ذلك خذ نفسًا عميقًا وبطيئًا عن طريق الأنف، املأ صدرك بالهواء، ثم بعد ذلك أخرج الهواء بكل قوة وبطء عن طريق الفم.

كرر هذا التمرين أربع إلى خمس مرات متتالية بمعدل مرة في الصباح ومرة في المساء، وإن شاء الله تعالى سوف تجد فيه فائدة كبيرة جدًّا.

لا بد يا أخي الكريم أن تأخذ كل هذه التطبيقات العلاجية كرزمة أو حزمة واحدة، الإرشاد الاجتماعي الذي ذكرناه لك، والإرشاد السلوكي، وتناول الدواء، وتطوير النهج الاجتماعي، وتغيير نمط الحياة، لا بد أن تأتي كلها مع بعضها البعض، وأهم من ذلك كله هو أن تغير من فكرك، أن تشعر بقيمة ذاتك، وأن تحقر هذه المخاوف وتحقر الفكر الانتحاري والوسواسي.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً