الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخي أصيب بحالة نفسية اكتئابية، فكيف نتصرف معه؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي عمره ثنتان وثلاثون سنة، توظف قبل تسع سنوات في منطقة بعيدة جدا عنا، في البداية كان يأتي في الإجازات ثم لم يعد يأتي منذ ثلاث سنوات، ثم أصبح لا يرد على جواله، لم يتزوج بعد، علمنا من اتصالات زملائه الطيبين أنه تغيب عن عمله.

ذهب أخي الأكبر إليه، سافر برا لمدة عشر ساعات، عندما وصل إليه لم يفتح له باب شقته، حتى قلق أخي عليه، فطلب مساعدة الاستقبال -المسؤول عن الشقق- ففتحوا الباب عن طريق المفتاح الإنجليزي، فوجده يغلق عليه باب غرفة النوم بالمفتاح، ورفض أن يفتح، وكان معه أحد زملاء العمل، فقام باقتحام الغرفة عن طريق المنور الخاص بالتهوية، فوجده بيده سكين خلف ظهره، وفتح لأخي الأكبر الباب، وخرج ليطرد أخي الأكبر ويقول: أتركوني في حالي، اخرجوا، حتى أخرجهم رغم محاولات منهم للتفاهم معه، ومدى القلق الذي سببه لأبي وأمي، خفنا أن يفصل من عمله، ولا فائدة، أخرجهم وأغلق الباب وعادوا أدراجهم في سفر مضني.

ثم سافر أخي الآخر قبل أسابيع، ولم يفتح لهم الباب، وأكد لهم الاستقبال أنه يخرج أحيانا في اليومين مرة، والمغسلة تحضر ملابسه والمطعم يوصل الطعام، وقال لا تقلقوا عليه سنتصل بكم لو شعرنا بأنه يحتاجكم.

أصدقاؤه أكدوا أنه فصل من عمله، وأنهم قدموا له التماسا لمديره فقال لا بد أن يكون هناك تقرير من طبيب نفسي، أو حضور والده لتقديم بلاغ إلى الشرطة لاقتحام شقته.

أبي قد علم بأمره، ولكنه مريض بالقلب، ونخاف عليه من أن ينفعل إذا لم يفتح أخي له، أو يتألم عند اقتحام الشرطة للشقة، لا ندري ماذا نفعل؟ زملاؤه أكدوا أنه من أفضل المعلمين، وقد يكون تعرض لسحر أو عين، وأنه يحب الأعمال الخيرية ويستخدم إتقانه للغة الإنجليزية في الدعوة، وما حدث له لا تفسير له.

أنا أتوقع أن تكون الوحدة أثرت عليه، فقد رفض أبي تزويحه، لأن أبي كان سيشتري منزلا فغضب أخي جدا، خاصة أن أبي زوج إخوتي بدفع المهور، فإذا تحسنت أحوالهم ردوا لأبي المال الذي ساعدهم به.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هدى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

لا شك أن التغير الذي حدث لهذا الأخ هو تطور كبير جدًّا، والتغير في حالته النفسية لا يمكن أبدًا تجاهلها.

الذي أنصح به في مثل هذه الحالات أن يتصرف الناس بحكمة وبسرعة، فهنالك بعض الخدمات في بعض البلدان تسمى بخدمات الطب النفسي المجتمعي، هذه الخدمات تقدم لمثل هذه الحالات، أي الأشخاص الذين يتصرفون تصرفات غير سوية وغير طبيعية، ويكون هنالك اعتقاد أن هذا الشخص ربما يعاني من مرض نفسي أو عقلي، هنا يذهب الفريق المجتمعي المعالج (الطبيب ومعه الممرض)، ويكونون دائمًا في صحبة الشرطة.

في مثل هذه الحالات يحاول إقناع الشخص بأن يذهب معهم، وإن لم يذهب معهم الشرطة تملك الصلاحيات بعد موافقة الأهل، وهذا الشخص يكون تحت مظلة أمنية، ويقدم له العلاج النفسي عن طريق الأطباء، في داخل المستشفى.

هذا هو الوضع المثالي، وهذا وضع متعارف عليه تمامًا، وأنا أؤكد لك أن الذين يعانون من اضطرابات عقلية شديدة بعد أن يتم شفاؤهم -إن شاء الله- لا يتذكرون أبدًا هذه الأحداث، لا يتذكرون أبدًا أن الشرطة قد أتت أو أن الأهل قد أحضروا الشرطة، وشيء من هذا القبيل.

أما بالنسبة لمرض القلب، فأعتقد أنه لن يحدث له أي شيء، فهذه الانفعالات حتى لو حدثت تكون انفعالات محدودة، وأعتقد الآن أن صحته النفسية والعقلية يجب أن تأخذ الأسبقية، فأرجو أن تنتهجوا هذا المنهج، وأن تتواصلوا مع جهة تقدم خدمات نفسية، وبمعاونة الشرطة يمكن أن يتم أخذه إلى المستشفى، ومعظم المرضى العقليين والنفسيين دائمًا تكون مقاومتهم في البداية، بعد ذلك تجده يستسلم تمامًا.

من تجاربنا مع هذه الحالات يكون الاستسلام تامًا بعد أن تحدث مرحلة التهيج الأولى، ومعظم الممرضين النفسيين لديهم المقدرة التامة في التفهم والتفاهم مع هؤلاء المرضى، ولديهم أيضًا الخبرة الكافية لمسك المريض في حضور الشرطة.

هذا هو الطريق الأفضل، وأرجو أن لا تتأخروا في مساعدة هذا الأخ، والآن -الحمد لله تعالى- توجد فرص كبيرة جدًّا لعلاج هذه الحالات، وبعكس ما يفهمه عامة الناس حين تكون الحالة النفسية شديدة، والتغير مفاجئاً، تكون الاستجابة للعلاج أكبر وأفضل وأجمل، وتكون النتائج رائعة جدًّا.

أنا على ثقة كاملة أن هذا الأخ -إن شاء الله تعالى- حين يُقدم له العلاج سوف يستجيب، وفي ظرف أسبوع إلى عشرة أيام سوف يرجع إلى وضعه الطبيعي، حين يعطى العلاج الدوائي المكثف.

يجب إذن أن تتخذوا الإجراء بنقله إلى المستشفى للعلاج، والشرطة سوف تتعاون معكم، ولا شك في ذلك، وإذا كان لا يوجد مستشفى نفسي أو لا يوجد فريق علاجي نفسي مجتمعي هنا أعتقد أن الشرطة يجب أن تتولى المسئولية التامة بعد التفويض من قبلكم كأسرة، لأن هذا الأخ يجب أن ينقل إلى مكان يتلقى فيه العلاج، وذلك بعد أن يتم التقييم النفسي لحالته، والأطباء -إن شاء الله تعالى- لديهم المقدرة أن يقنعوه ليظل معهم، ويتلقى العلاج.

هذه طريقة معروفة ومفيدة، ونتائجها معقولة جدًّا، أي الاستعانة بالشرطة، ويا حبذا لو كان مع الشرطة شخص لا أقول له هيبته أو كلمته، ولكن شخص يكون هنالك نوع من الود بينه وبين هذا الأخ، هذا بالطبع في حالة عدم وجود الفريق النفسي المجتمعي المعالج، أو حتى في حالة وجود الفريق النفسي إذا استصحبهم هذا الشخص الذي لديه مكانة خاصة أو تقدير من جانب هذا الأخ، دائمًا تجدهم يستجيبون استجابات إيجابية.

نحن ننصح دائمًا الإخوة في الشرطة، وكذلك الفريق الطبي النفسي المجتمعي المتحرك أن لا يكثروا من نقاش الشخص، فإذا حاولت أن تقنعه أو تدخل معه في حوار منطقي فلن تصل إلى نتيجة أبدًا، تطلب منه أن يذهب للمستشفى، ولأنه يحتاج لفحوصات وإذا رفض يتم حقيقة أخذه ومسكه، وهنالك طرق فنية معروفة لدى المعالجين.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله له العافية والشفاء.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً