الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مترددة بين العزلة لتطوير النفس والاحتكاك بالناس ..فما مشورتكم؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا ولله الحمد بدأت بتطوير نفسي للأفضل، وعرفت معنى الحياة الحقيقية التي يقودها الطموح والأهداف النافعة لي أولا ثم لغيري، وسؤالي هو:

هل أؤجل خروجي للناس حتى أنهي مشواري كاملا في تطوير الذات، وتقوية الثقة بالنفس، وتقوية نقاط الضعف عندي حيث أني انقطعت عن بعض من أعرفهم وصديقاتي لفترة، أم أني أختلط بالناس ببعض سلبياتي، وأنا هدفي من تطوير نفسي الأول هو تغيير النظرة السلبية عني، علما أني بدأت أحسن علاقتي مع أهلي وأستمتع بأوقاتي معهم أكثر من غيرهم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ متفائلة رغم المحن حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، وأن يشرح صدرك للذي هو خير، وأن يوفّقك لطاعته ورضاه، وأن يرزقك محبته، وأن يجعل لك القبول في الأرض، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك، أقول لك أختي الكريمة الفاضلة: هذا يتوقف على المدة المتبقية من مشوارك الذي قطعته في تطوير ذاتك وتقوية ثقتك بنفسك وتقوية نقاط الضعف عندك، فإذا كانت المسافة قصيرة والمدة الباقية محدودة فلا مانع حقيقة من العكوف على تطوير ذاتك، وعلى تقوية ثقتك بنفسك، حتى تخرجين إلى الناس بشخصية جادة وطموحة ومتفائلة ومؤمنة، وحسنة الظن بالله تعالى، وقادرة أيضًا على تغيير المجتمع من حولها، لأننا مع الأسف الشديد نعاني من ضعف الشخصية العام لدى السواد الأعظم من المسلمين والمسلمات، حتى الأسر أصبحت الآن عندما تُنجب تجنب لنا أطفالاً يحملون نفس الصفات الوراثية السلبية، ولذلك أصبح التميز لدى أبنائنا ولدى الأجيال القادمة للمسلمين متواضعًا، بل في غاية التواضع إن لم يكن متلاشيًا، لأننا بما أننا لا نملك مهارات التغيير فإننا بذلك لا نحرص أو لا نحاول تطوير ذواتنا، وبالتالي يخرج أبناؤنا بين والدين في غاية الضعف وفي غاية الخور وعدم وضوح الرؤيا وعدم وجود خارطة طريق للحياة، فيخرج الأبناء صورة مطابقة للآباء، أصبحنا الآن نزيد عن اثنين مليار إنسان ورغم ذلك ثقلنا في العالم يكاد يكون متواضعًا جدًّا إن لم يكن لا وجود لنا على خريطة العالم، والسبب في ذلك عدم وجود شخصيات مميزة ومتميزة في المجتمعات الإسلامية التي تأخذ بزمام مبادرة التغيير، وتحاول أن تُثبت للعالم أن هذه الأمة أمة ولاّدة وأمة معطاءة وأمة قادرة على ضخ دماء جديدة لتغيير منظومة العالم.

فنقول: إننا نعاني فعلاً من مسألة الصورة المطابقة والمشابهة، وأصبحت الأمة الإسلامية أشبه ما تكون بالديدان الأميبية التي تُشبه بعضها بعضًا ولا نستطيع أن نفرق ما بين ذكر أو أنثى أو قوي أو ضعيف.

نحن في حاجة يقينًا إلى ضخ دماء جديدة فعالة ومؤثرة، ولديها القدرة على تغيير ذاتها وتغيير المجتمع من حولها.

فأنا أقول: إذا كانت المسافة التي قد وضعتها لتطوير نفسك مسافة قصيرة وليست طويلة طولاً يجعلك تفقدين القدرة على التغيير في المستقبل، لأن التغيير يحتاج إلى همّة وعزيمة ويحتاج إلى حسن ظن بالله تعالى، وإلى ثقة بالنفس، وإلى دراسة الواقع أيضًا ومعرفة مدى حاجة المجتمع للتغيير، وما هي الجرعة المناسبة لتغيير المجتمع، وفي أي مجال يكون التغيير، وفي أي زمان يكون التغيير، وفي أي مكان يكون التغيير، هذا علم من العلوم يحتاج فعلاً إلى أيدولوجية خاصة نستطيع من خلالها أن نضع النقاط على الحروف.

فأقول: إذا كانت الفترة الزمنية التي منحتها لنفسك قريبة فلا مانع حقيقة من أن تظلي عاكفة على تطوير ذاتك وتقوية ثقتك بنفسك، وعلى القضاء على نقاط الضعف عندك، حتى تخرجي إلى المجتمع وأنت تتمتعين بنفسٍ أخرى، نفس وثّابة معطاءة قائدة قادرة على التغيير والأخذ بنواصي الأمور وتطوير أداء الآخرين للأفضل.

أما إذا كانت المسافة ستطول، فأقول: لا مانع من أن تحددي شريحة قريبة منك خاصة من صديقاتك المقربات، وأن تتعاملي معهنَّ، وأيضًا أن تجربي المهارات التي تعلمتها، وأن تنظري أيضًا في نتائجها من حيث التعامل مع هذه الشريحة المصطفاة المختارة بالنسبة لك من صديقاتك المقربات، وهل هؤلاء لاحظن عليك شيئًا من التغيير أم أن ما قمتِ به من تغيير لم يلفت الانتباه ولم يُثر التساؤل، لأنه من الممكن أن يكون الإنسان قد حاز كمًّا كبيرًا من العلوم والمعارف ويظن أنه بذلك حقق إنجازًا أو إعجازًا، في حين أن الآخرين لم يشعروا حقيقة بأي نوع من التغيير قد طرأ على سلوكه أو على تصرفاته أو على تعبيراته أو مشاعره.

فإذن أقول: إذا كانت المسافة قصيرة، فأرى أن تنقطعي عن الكل حتى تتمكني من تطوير ذاتك بالصورة التي قد وضعتها لنفسك كهدف استراتيجي، أما إذا كانت المسافة طويلة فأنا أرى أن تبدئي بالتواصل مع صديقاتك المقربات كما ذكرت، وأن تنظري كنوع من الاختبار في المهارات التي اكتسبتها، وهل فعلاً هي وفرت لك نوعاً من الحميمية ونوعاً من الانسجام مع الآخر، ونوعاً أيضًا من القيادة والإدارة الحسنة لنفسك وللآخرين أم لا؟

ولعل مما يُثبت لي أنك قد بدأت في النجاح فعلاً: تحسين علاقاتك مع أهلك والاستمتاع بالأوقات معهم أكثر من غيرهم، وهذه بادرة تدل على الخير.

إذن: انظري بارك الله فيك في الفترة الزمنية، إن كانت قصيرة فلا مانع من الاستمرار مع الانقطاع على الآخرين، وإن كانت طويلة فأرى أن تأخذي شريحة من صديقاتك تطبقي عليها المهارات، وأن تنظري في النتائج، ونسأل الله لك التوفيق والسداد والنجاح والتقدم.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً