الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أقوي عزيمتي وأبعد عني التفكير السلبي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أريد نصيحة لي:

أنا شاب يلازمني الحزن والهم، فأنا بين همين: هم الآخرة وهم الدنيا، فأما الآخرة: فإني دائم التفكير بها، وكيفية النجاة منها، حتى لم أعد أشعر بلذة الدنيا.

وأما أمور الدنيا فهي: تأخري في الجامعة، فأنا تجاوز عمري 25 سنة، وبقي لي للتخرج سنتان بسبب عدم التوفيق في بداية الدراسة، لكني الآن -بفضل الله- تسير دراستي بشكل جيد، وأشعر بمضايقات من كلام الناس بسبب تأخري، وكذلك أحمل هم والدي في دفع الأقساط الجامعية.

علما بأني -لا أزكي نفسي، أحاول إرضاء ربي باتباع أوامره واجتناب نواهيه، وأريد منكم وسائل كي تقوي من عزيمتي على كل ما فيه خير في أمور آخرتي ودنياي؟

وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته/ وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يجعلك من عباده الصالحين، ومن أوليائه المقربين، وأن يوفقك في حياتك الدنيوية حتى تكون خادمًا لدينك مُسعدًا لنفسك ولمن حولك.

وبخصوص ما ورد برسالتك من أنك شاب يلازمك الحزن والهم، إذ أنك بين همّين (هم الدنيا وهمُّ الآخرة) حيث إنك دائم التفكير في الآخرة، وكيفية النجاة منها، حتى فقدت الشعور بلذة الدنيا، وكذلك مسألة الدراسة الجامعية، حيث إنك قد تقدم بك السن، وحدث عندك بعض التعسّر في أول حياتك الدراسية، ولكنك الآن أصبحت تسير -بفضل الله تعالى- بشكل جيد، رغم معاناتك من بعض المضايقات من كلام الناس، وكذلك تحمل همّ والدك في دفع الأقساط الجامعية، وتجتهد قدر استطاعتك في إرضاء ربك، وتسأل عن وسائل تقوي عزيمتك على ما أنت فيه.

أقول لك - أخي الفاضل الكريم -:

أولاً: إن قضية الحزن والهم التي تلازمك -كما ذكرت في رسالتك- ليست إيجابية، والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم – كان يستعيذ بالله منها، فإن هذا الحزن والهم الذي يُفقد الإنسان اللذة بنعمة الله الكبرى، وهي الدنيا التي هي مزرعة الآخرة، وقد يؤدي به إلى التخاذل والتكاسل، وقد يؤدي به إلى التوقف عن الإنجازات التي تجعل حياته سعيدة، وقد يؤدي به ذلك أيضًا إلى النظر إلى الدنيا على أنها لا قيمة لها، ولو أن الحزن والهم يؤدي إلى ذلك كله فهو ضد الشرع يقينًا؛ لأن الله تبارك وتعالى أمرنا أولاً بالأخذ بالأسباب، حيث قال سبحانه وتعالى: {فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} وقال أيضًا: {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله}.

فإذن نحن مطالبون أن لا يؤدي همّ الآخرة إلى أننا نفقد دورنا في الحياة، لأنه لو أن الناس جميعًا أفكارهم كأفكارك فإننا يقينًا سنكون أكثر تخلفًا مما نحن عليه.

وكونك تحمل هم الآخرة ليس معنى ذلك أنك لا تجتهد في الدنيا حتى تكون فيها مبدعًا، وحتى تكون منجزًا, وحتى تكون فيها قويًّا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف)، وقد قال الله قبل ذلك: {ولا تنس نصيبك من الدنيا}، والنبي - صلى الله عليه وسلم – كان صاحب أكبر همٍّ للآخرة، وكذلك أصحابه - رضي الله عنهم – إلا أنهم أنجزوا إنجازات يشهد بها التاريخ، فهذه الملايين الآن بل المليارات التي منَّ الله عليها بالإسلام هي ثمرة من ثمار هذا الجهد الرائع الذي قام به الحبيب - صلى الله عليه وسلم – وأصحابه معه.

إذن هذا الهمّ – همّ الآخرة – ستتغلب عليه بهذه الوسيلة التي تفعلها وهي اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، هذا هو الذي يريده الله تبارك وتعالى منك؛، لأن الإسلام عبارة عن منظومات ثلاث كبيرة:
-المنظومة الأولى: أداء أوامر الله تعالى.
-المنظومة الثانية: اجتناب ما حرم الله.
-المنظومة الثالثة: الوقوف عند حدود الله {تلك حدود الله فلا تعتدوها}.

فما دام الله تبارك وتعالى قد منَّ عليك بالإعانة على هذه الأمور، فأنت على خير وإلى خير، أما أن يكون هذا الهم يؤدي بك كما ذكرت إلى فقدان الشعور بلذة الدنيا، فهذا سيؤدي إلى أن تُصبح إنسانًا عاطلاً عن أداء دورك الذي خلقك الله من أجله في عمارة الكون، كما قال: {هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها}.

ولذلك عليك أولاً: بالتوكل على الله تبارك وتعالى وحسن الظن به، وأن تجتهد في الأخذ بأسباب التميز العلمي والدراسي، وأن تضع لنفسك برنامجًا للتميز، فأنت الآن -كما تقول- بقي لك على التخرج قرابة السنتين، فينبغي عليك أن تضاعف وقت المذاكرة، وأن تضاعف وقت الحضور في الجامعة واستماع المدرسين أو الدكاترة وهم يشرحون، وأن تركز تركيزًا شديدًا على كلام هؤلاء، بأن تجتهد في ذلك.

ثم بعد ذلك ترجع لبيتك فتأخذ بالأسباب وتذاكر بجد وعزيمة، وتعلم أنك بذلك تنصر دين الله تعالى بتميزك العلمي، حاول أن تضع أمامك هدفًا كبيرًا في أن تكون أستاذًا في الجامعة، ولِمَ لا؟ حتى وإن كنت قد تعثرتَ في أول الأمر، إلا أن العبرة بالخواتيم والنهاية، وأنت تعلم أن في سباقات الجري وغيره العظة بالوصول إلى الخط أولاً قبل الآخر.

فإذن أنت الآن مازالت أمامك فرصة أن تكون هذا العام ممن يحصلون على امتياز، وفي العام القادم كذلك بإذن الله تعالى، ستُحدث تغييرًا نوعيًا في حياتك، إذ أنك ستكون قادرًا أولاً على إسعاد نفسك، وعلى رد الجميل لوالديك اللذان قاما على خدمتك، فهذا والدك يدفع الأقساط الجامعية، وهذه والدتك تهيئ لك الحياة الأسرية الرائعة، فإذن شكرًا لهما، واعترافًا لجميلهما، وتقديرًا لدورهما عليك أن تكون متميزًا، وأن تحصل على أعلى الدرجات، حتى تشعرهما بأن جهدهما لم ولن يكن هباءً منثورًا.

إذن ضع أمامك هدفًا أن تكون الأول على فرقتك أو مجموعتك، وثق وتأكد من أنك سوف تصل إلى ذلك -بإذن الله تعالى-.

كن متفائلاً - أخي الفاضل الكريم – واعلم أن التفاؤل من عوامل النجاح، واعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم – كان يحب الفأل الحسن، فقل إن شاء الله تعالى سوف أكون متميزًا، وسوف أكون من أهل الجنة، وسوف أكون عملاقًا في خدمة الإسلام في هذه الحياة.

عليك بالدعاء -بارك الله فيك- لنفسك, والاجتهاد في ذلك أن يجعلك الله موفقًا مسددًا؛ لأن الدعاء يرد القضاء كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم– أيضًا، واعمل للدنيا كأنك تعيش أبدًا، وانظر للحياة على أنها رحلة طويلة قد يستمر بك العمر إلى الستين أو السبعين أو التسعين أو المائة فماذا ستصنع في المستقبل؟ وأنت فتىً قوي الآن فشمر عن ساعد الجد، وانظر إلى الحياة بتفاؤل.

وفقك الله, وسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • المغرب Abdelali Eddakraoui

    جزاك الله كل الخير أخي الفاضل الكريم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً