الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعرفت على صديق أخي بقصد الزوج، فكيف أتقرب من أسرته؟

السؤال

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

سأطرح موضوعي وأتمنى أن يكون سهلاً وبسيطاً، لأنني في غالب الأحيان أفكر كثيراً، وأكبر الموضوع من لا شيء. موضوعي هو: أن هناك شاباً أحبه ويحبني، وهو صديق أخي المقرب لي.. لقد كبرت علاقتنا واحتفظنا بحبنا بصدق وإخلاص، فقررت أن أخبر أخي، وبعدما أخبرته (لم يمانع من علاقتنا)، ويعرف أخي أنني صريحة معه في كل شيء، ولا أخفي عنه شيئاً، فهو إنسان متفهم، والحمد لله الذي أعطاني أخاً كأخي.

بمرور الوقت، قرر الشاب بأن يعرفني على بنت خالته، وعمرها 29 سنة، حتى تتعرف علي، وتتعرف على شخصيتي وطبعي، ولما أخبرت أخي لم يمانع، وقال لي ( من حقه ومن حقها بأن تتعرف عليك)، وبعد مرور الوقت اندمجنا مع بعضنا أنا وبنت خالته، وارتاحت معي والحمد لله، بينما كنا نتحدث أنا وبنت خالته أخبرتني بشيء مهم وهو: (بأن أمه وأباه) كانوا يحبون بعضهم وتزوجوا عن حب، فأخبرتها بأنه أيضا ( أمي وأبي تزوجوا عن حب)، وبعد ذلك أخبرتني بأن ( أمه تريد أن تخطب له من العائلة، وأنها ترشح له من بنات العم والخال) رغم أنها لا تجبره بل ترشح له فقط.

بعد ذلك جلست أحادثه بشأن موضوع أمه، فقال لي ( هي دائماً ترشح لي بنات الأهل، ولكنني أخبرها وأقول: أنا الذي سأختار الفتاة التي ارتاح معها، ومن بعدها لا تقول لي شيئاً، فأمي تفهمني ولا تجبرني على شيء أنا لا أريده، إنما فقط ترشح لي، أنا وأمي نفهم بعضنا كثيراً).

وبعد شهر قابلت أمه في أحد المناسباب في منزل الجدة، وكانت إنسانة طيبة ذات أخلاق رفيعة في معاملة الضيوف، فقد كنت جالسة احتسي القهوة فأتت وجلست بجانبي وبدأت تسأل بنت خالته ( هذه صديقتك ما اسمها)، فعرفتها بنفسي وجلسنا نتكلم ونضحك بطريقة عادية، بعدما ذهبت إلى المنزل، وذهبت بنت خالته وسألت أمه ( ما رأيك في هده الفتاة كمرشحه لابنك؟ فقالت لها: إنها فتاة طيبة محترمة وخجولة.. على نياتها، ويبدو أنها من عائلة محترمة ما شاء الله)، ثم قالت لها بنت خالته: ( إذا ما رأيك بأن تخطبيها لابنك)، فقالت لها: البنت ما عليها كلام لكن أنا أفضله من الأهل، وكان ردها عادي ليس بعصبية ولا غضب).

ثم أخبرتني بنت خالته بجواب الأم، ومن ثم قالت لي:( إنها تعجبت من شخصيتك وتقبلتها ولكنها تتمنى من ابنها بأن يتزوج من الأهل)، ثم قالت لي: لا تخافوا ولا تيأسوا فسوف نحاول من جديد، فإن كل أم تتمنى الخير لابنها، وهذا طبيعي. أخبرتها بأن أمي أيضاً تفعل الشيء نفسه مع أخي الكبير ولكنها لا تجبره، إنما ترشح له فقط.. سؤالي هو: هل موضوعنا أنا والشاب صعب أو أنه يحتاج لوقت لنتخطاه فقط؟ ولكم جزيل الشكر والتقدير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ جليسة القمر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه.. وبعد:
فإننا نشكر ابنتنا الفاضلة تواصلها مع موقعها، ونسأل الله تعالى أن يقدر لها الخير ثم يرضيها به، وأن يلهمها السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

أما بالنسبة للقصة التي ذكرتها هذه الفتاة، طبعًا هذا الأمر من الطبيعي، وكم تمنينا أن لا تخبرك ابنة الخالة بمثل هذا الأمر حتى لا تربكك، لأن هذه أمور معروفة ولا تحتاج إلى كلام، لكنها قد تربك! أحسب أن الأمر أكثر من عادي، لكن ينبغي أن تكون الأمور واضحة، فنحن نريد لهذه العلاقة بينك وبين هذا الشاب أن تكون مضبوطة بضوابط الشرع الحنيف الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، لأن هذا الإسلام يريد لأي علاقة بين الشاب والفتاة أن تكون محكومة بالضوابط الشرعية، وأن تكون معلنة، وأن يكون هدفها الزواج، بل إن الإنسان إذا أُعجب بفتاة ومال إليها فإن أول الخطوات التي ينبغي أن يتخذها هو أن يأتي البيوت من أبوابها، وحبذا لو جاء بأهله وبمعارفه من أجل أن يتعرفوا على الفتاة وأسرتها، ويعمقوا المعرفة إن كانت المعرفة أصلاً موجودة.

إن الإسلام لا يرضى بعلاقة لم يكن لها هذا الغطاء الشرعي، ومع ذلك حتى لو افترضنا أنه حصلت الخطبة فإن الخطبة ما هي إلا وعد بالزواج لا تبيح للخاطب الخلوة بمخطوبته، ولا الخروج بها، لكنها وسيلة من أجل التفاهم في الأمور الأساسية، وأيضًا سبيل إلى أن يتعرف كل واحد على الثاني، ومن حق الرجل أن يتعرف على الفتاة التي يريد أن تكمل معه مشوار الحياة، ومن حق الفتاة كذلك أن تتعرف على الشاب الذي تريد أن ترتبط به على دينه وأخلاقه وثوابته، لا مانع حقيقة من أن تمتد هذه العلاقة بينك وبين بنت الخالة، وبين أخوات هذا الشاب، ومحارمه من النساء.

أما بالنسبة للعلاقة مع الشاب فنرجو أن لا تتمادي في هذه العلاقة، لأنه ليس لها غطاء شرعي، وليس في المصلحة التوسع في مثل هذه العلاقات العاطفية قبل الرباط الشرعي، لأن كثيراً من الشباب إذا وجد الفتاة التي تحادثه وتضاحكه فلماذا يتزوج، هذا من ناحية.

الناحية الثانية: أن الإنسان إذا توسع في الجرعات العاطفية قبل الزواج؛ فإن هذا خصم على سعادة الأزواج بعد ذلك.

أسعدني كذلك أن العلاقة تطورت مع هذه الفتاة (بنت الخالة) وأنك جلست مع أم هذا الشاب، وارتحت إليها وهي كذلك ارتاحت إليك، والأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، ثم بعد ذلك أخبرتك بنت الخالة أنها ترغب في أن يتزوج من بنات العائلة أو من بنات الأهل، وأنها تقول لا غبار عليك، بل أعجبت بشخصيتك؛ ونحسب أن هذا مفتاح من الخير، ندعوك إلى أن تتقربي إلى هذه الوالدة حتى تتعرف عليك أكثر وأكثر، حتى تأخذي مساحة في قلبها، وهذا هو الجانب المشروع للفتيات، تتقرب إلى أهل الخاطب، تتعرف على أخواته، تظهر مشاعرها النبيلة تجاه تلك الأسرة.

لا مانع من إظهار الإعجاب بدين الشاب إذا كان صاحب دين، كما قالت المرأة العاقلة { إن خير ما استأجرت القوي الأمين}، وهذا بالغ وغاية ما تستطيع أن تقوله الفتاة التي تربت على الحشمة، في الشاب أنها تُعجب بدينه وبأمانته وبأخلاقه.

إذاً نحن ندعوك إلى أن تتقربي من عائلة الشاب، وندعوك في الجانب الآخر إلى أن يتحرك شقيقك أيضًا من أجل أن يكلم هذا الشاب، فإما أن يتقدم أو يتأخر، لأن المسألة ليست في صالح أحد، إن كانت له رغبة فينبغي أن يُعلن رغبته، ويأتي بأهله حتى تكونوا على بينة من الأمر، إن كان عنده تردد فخير له ولك أن تكون الأمور واضحة، لأن الزمن يمضي والشباب يمضي وكذلك الفرص تضيع.

عمومًا ما نُقل عن كلام أن أم الخاطب أو ذلك الشاب وعن بنت خالته، فهي تعتبر مشاعر نبيلة، وهي في الحقيقة مكسب لك، وهي إيجابية بكل المقاييس بالنسبة لك، وأيضًا أنت أثبت أن الأمر عادي، والدليل على ذلك أن والدتك أيضًا تريد لأخيك أن لا يخرج من بنات العائلة، نحن طبعًا نقول إذا كان الإنسان وجد صاحب الدين، سواء كانت من العائلة أو غيرها فإن الإسلام لا يمنع الارتباط بها طالما كان الدين هو المعيار، فإذا كان الزواج من الأقارب له ميزات فإن الزواج من الأباعد أيضًا له ميزات أخرى، ولم يُر للمتحابين مثل النكاح، والإنسان لا يملك قلبه ولا مشاعره، لأن الأرواح جنود مجندة -كما مضى معنا- ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

أعتقد أن لأخيك دوراً كبيراً في مخاطبة ذلك الشاب، ولك دور كبير أيضًا في التقرب إلى عائلته والتعرف عليهم، وإظهار ما وهبك الله تعالى من محاسن في الجسد وفي الأخلاق، أيضًا إعلان المشاعر النبيلة تجاه تلك الأسرة، حتى يكون ذلك سبباً بحول الله وقوته بأن تغير أم الشاب من قناعاتها ورغبتها، وإن كان الأمر كما هو واضح أن هذه الأم لا تريد أن تجبر ولدها، وإنما هي مجرد أشواق أو تمنيات، وأحسب أن مثل هذه الأمهات تقف مع ولدها عندما يُعلن رغبته بوضوح، وتنحاز إليه انحيازًا تامًا.

هكذا ينبغي أن يفعل العقلاء والعاقلات، حتى لا نفقد أبناءنا والبنات، لا ينبغي أن نجبرهم لأن أمور الزواج ينبغي أن يُترك للفتى والفتاة، لا يجوز للإنسان أن يتدخل فيه، لأنهم أصحاب المصلحة، ولأن الأمر يعنيهم بالدرجة الأولى.. نسأل الله أن يقدر لك وله الخير، وأن يجمع بينكما في خير وعلى خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً