الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أنتظر من تعرفت عليه عبر النت حتى يأتي ليخطبني؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حياكم الله إخواني وأخواتي على اهتمامكم وجهودكم المتواصلة لنفع المسلمين، جعله الله في موازيين حسناتكم.

أنا فتاة عمري 29 سنة، منذ أن كنت صغيرة، كنت أعاني من مشكلات في حياتي كثيرة، وتعبت في حياتي كثيرا، فمثلا: كنت أعاني من مرض الوسواس القهري، وكنت أتعذب ليلا ونهارا، ولكن كنت دائما بفضل الله قوية،وأدعو الله دائما حتى بدأت أشفى من هذا المرض، ولقد حققت كثيرا من طموحاتي، ولكنني أشعر بأنني لست سعيدة، ولكن أكون سعيدة عندما أكون قريبة من الله - والحمد لله -، بفضل الله أصلي، وأصوم، وأحافظ على الدعاء، وأشعر أنني في عناية الله.

ولكن هناك مشكلة تؤرقني جدا، أنني قبل سنة ونصف كنت مخطوبة، ولكن خطيبي استشهد قبل الزواج، وعانيت كثيرا، ولكن كنت وما زلت أحمد الله، ولقد قلت دعاء المصيبة، ولكن دائما أشعر بالخوف من المستقبل، وبعد فقداني لزوجي، ومن قبله أبي، أصبحت أشعر بنقص كبير في حياتي، أشعر بكآبة وإحباط، فالمشاكل تحيط بي من أقرب الناس لي، لأنني أنا وأختي لم نتزوج حتى الآن، وهناك بنات إخواني الأكبر والأصغر تزوجن، وأصبحنا نشعر بنظرتهن، وكأنهن فرحين بنا، ومنهم من يشمت بنا.

وهناك من أخواتي من تريد منا أن نتزوج أي زواج، حتى لو كان الشاب ليس فيه ما نتمناه، والخطاب لا تأتي على بيوتنا، ولا نعلم هل هذا سحر أم ماذا؟ وإذا أتت خاطبة لا تعود، مع أننا جميلات، وعلى خلق - والحمد لله -، ومتعلمات.

وبعد هذه المشكلات، ونظرة زوجات إخواننا، فكرت بأن أسجل في موقع إسلامي للزواج، ومشروط للتسجيل فيه بشروط شرعية، ويتم الزواج بطريقة تقليدية، فسجلت به، وتعرفت على شخص من خارج بلادي، وشعرت معه بارتياح، وكنا نتحدث من خلال الموقع، وعندما شعرت بارتياح معه وهو كذلك، أصبح يلح على أن يراني عبر الكاميرا، ويسمع صوتي، لأنه يزعم أنه في بلد غربة، ويريد أن يتقدم لي، ولكن على أن أفعل شيئا ايجابيا كما يقول!

ولكني رفضت بشدة أن يراني عبر الكاميرا، ولكن كلمته عبر الهاتف، وشعرت أنه صادق، ولكنني خائفة، ولا أريد أن أفعل شيئا يغضب الله، وبعد تصميمي على عدم موافقتي، طلب مني أن يرى صورتي فقط، وأنا محجبة عبر الموقع، فكرت طويلا، كنت سأوافق، ولكني شعرت بضميري أن هذا شيء لا يرضي ربي، وخفت، فرفضت بعدها أن يرى صورتي، وقلت له لا أستطيع فعل ذلك، ولم يتركني، وصرح لي بحبه، ووعدني أنه عندما سيعود لبلده سوف يسافر لبلادي، ويأتي ليخطبني.

لا أعرف هل أصدقه وأنتظره أم لا؟ أنا في حيرة من أمري، حيث أنني أشعر براحة وحب له، ولكني لم أصارحه بحبي له.

دلوني جزاكم الله خيرا ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ الراجية رحمة ربها حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه .. بعد:

فإننا نهنئك ابنتنا الفاضلة على بلوغ العافية، وتخلصك من الوسواس القهري، ونهنئك ببلوغ مرادك في تهيئة نفسك للمستقبل، وكيف أن الله تبارك وتعالى حقق لك الكثير مما تريدين، ومما ترغبين فيه، وهنيئًا لك أيضًا بسعادتك لطاعتك لله تبارك وتعالى، وأنك تسعدين عندما تتقربين إلى الله تبارك وتعالى، ولن يضرك بعد ذلك عدم مجيء الخطاب، ومن وجد الله تعالى فماذا فقد، والرزق الحقيقي هو الطاعة الله تبارك وتعالى.

أما عدم مجيء الخطاب للبيت، فإن هذا قد يكون له أسباب مادية ظاهرة، وإن لم تكن أسبابا مادية ظاهرة معروفة، فعند ذلك لا مانع من أن تستخدمي الرقية الشرعية بالقراءة على نفسك، والتوجه إلى الله تبارك وتعالى.

أما بالنسبة لهذا الخاطب الذي تعرفت عليه عن طريق موقع الزواج المذكور، فإن نشكر لك هذا الحرص على عدم التنازل وعدم التهاون في مسألة إرسال الصورة، وأنت - ولله الحمد - ربحت لأنه حريص على أن يأتي البيوت من أبوابها، والصورة حقيقة لا تُعطي الوضع الصحيح وهي من الخطورة بمكان كذلك، ولا نريد لبناتنا أن يقدمن التنازلات، فإن الإسلام أكرم المرأة وأرادها عزيزة مطلوبة لا ذليلة طالبة، أرادها مطلوبة عزيزة لا يستطيع كرام الرجال أن يصلوا إليها إلا بعد المجيء للبيوت من أبوابها.

ونشكر لك هذه النفس اللوّامة، التي تلومك وتجعلك تتوقفي دائمًا وتخافي أن تقعي في أمر يُغضب الله تبارك وتعالى، وإذا كان هذا الشاب قد تواصل فإلى هنا نحن ندعوكم بالتوقف، وعليه أن يأتي البيوت من أبوابها، واعلمي أن هذا الرفض منك وهذا الإصرار على عدم إرسال الصورة هو الذي جعل هذا الشاب يتمسك بك، فمن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا، هو الذي جعل هذا الشاب يصر على أن يواصل معك ويستمر حتى يأتي للبيت من الباب.

فعليك أن لا تحتاري، فأنت - ولله الحمد - على الصواب وعلى الخير، وسيأتيك ما قدر الله تبارك وتعالى لك.

وأرجو بهذه المناسبة أن نوجه رسالة لمن تأخر عليهنَّ الزواج، ألا يقدمن التنازلات، وأن لا يقعن في معصية رب الأرض والسموات، فإن الزواج من تقدير الله ولكل أجل كتاب.

والسعادة ليست في الزواج، إذا كان هؤلاء يتكلمون بأنك لم تتزوجي، وينظرون إليك النظرات، فتعوذي بالله من الشيطان، فالسعادة ليست في الزواج، وليست في المال، وليست في العمارات، وليست في العقارات، ولكن السعادة في طاعة الله، فمن وجد بعد ذلك شيئًا فهذا خير إلى خير، لكن التقي هو السعيد.

فالتزمي طريق التقوى، واحشري نفسك في الصالحات، واعلمي أن لكل واحدة منهنَّ أخ أو ابن أو محرم يبحث عن الصالحات من أمثالك، فلا يحملك تأخر الزواج وعدم مجيء الخطاب على تقديم التنازلات، واشغلي نفسك بالمفيد، واعلمي أن نعم الله تبارك وتعالى مقسّمة، فهذه قد يعطيها زوج لكن يحرمها العافية، وهذه يعطيها زوج ومال لكن يحرمها الوظيفة، وهذه يعطيها زوج ومال ووظيفة لكن يحرمها التوفيق ويحرمها نجابة الولد، فنعم الله تبارك وتعالى مقسمة، والسعيد والسعيدة هي التي تعرف نعم الله عليها لتؤدي شكرها فتنال بشكرها المزيد، ولذلك أنت - ولله الحمد - على خير، نسأل الله تبارك وتعالى لك الثبات والسداد.

وأرجو أن لا تتوسعي حتى في الكلام مع هذا الرجل، فالمهم أنك تعرفت عليه، وعليه الآن أن يأتي ليطرق بابكم، أو يأتي داركم من الباب، وعندها ينبغي أن تطالبي بالرؤية الشرعية على الطبيعة، وتشاوري أهلك، وتستخيري الله تبارك وتعالى، فإن الاستخارة من الأمور المهمة جدًّا، كما قالت زينب بنت جحش: (حتى أؤمر ربي) مع أن الرسول - صلى الله عليه وسلم – هو خاطبها، فذهبت إلى محراب صلاتها، ثم نزل وحي الله تبارك وتعالى.

الاستخارة من الأمور المهمة، ولأهميتها كان النبي - صلى الله عليه وسلم – يعلمها للصحابة كما يعلمهم السورة من القرآن.

فنحن ندعوا أن لا تنتظري هذا الشاب، واعلمي أنك في حل، يعني إذا جاءك التقي النقي، ووجدت في نفسك ميل، فليس هناك ما يربطك به، وليس هناك ما يُجبرك على انتظار هذا الشاب، ولكن إذا جاء وكان هو أول طارقٍ للباب - ولله الحمد - وأنت تشعرين بميل تجاهه، فينبغي أن تتاح له هذه الفرصة ليقابل أهلك للتعرف عليه.

واعلمي أن الرجال أعرف بالرجال، فأشركي أهلك وأوليائك في مثل هذه الأمور، فإن الرجال أعرف بالرجال، وهذا أيضًا يزيد من ثقة الشاب في المرأة، فإن الشاب الذي يخطب الفتاة من أهلها يُكرمها غاية الإكرام، والتي يجدها بسهولة ويأخذها بسهولة قد لا تكون جديرة عنده بالاحترام، ومثلك يُحترم، ومثلك يُقدّر، لأنك - ولله الحمد - صاحبة دين، وأثبت من خلال هذه الاستشارة على أن لك عقلاً وأن فيك وعيًّا وأن عندك دين.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يديم عليك هذا الخير، وأن يديم عليك هذه النعمة الكبيرة من نعمه، فإنه سبحانه وتعالى الكريم الوهاب.

ونقول لك أيضًا أن ما تقومين به هو طاعة لله تبارك وتعالى، ففيها طاعة لله، وفيها رفعتك عند أهلك وعند هذا الرجل، فإن الفتاة التي تأبى على الرجل تزداد رفعة حتى عند هذا الرجل، لأنه عند ذلك يدرك أنها صيِّنة، وأنها ديِّنة، وأنها حريصة، وأنها لا تعقد أمرًا دون أهلها.

والمرأة لا تزوج نفسها، وإنما تنتظر الأولياء يزوِّجوها، لأن الولي هو مرجع الفتاة، وقد وجهتِ له هذه الرسالة بصدق.

ونسأل الله تبارك وتعالى أن يقدر لك الخير، وأن يوفقك لما فيه الخير، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً