الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبحث عن الصداقة ولا أحد يفهمني، فأين الخلل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا أعرف كيف أبدأ، أنا فتاة أبلغ من العمر 19 سنة، أدرس في الجامعة، مشكلتي في علاقتي مع الصداقات، وأنا في المدرسة كنت دائما وحيدة ولست اجتماعية أبدا ولا أتكلم كثيرا ولا أختلط مع الناس والجماعات وأعتزل عن الآخرين.

ومنذ دخلت الجامعة تعرفت على طالبة تدرس نفس تخصصي ومعي فطلبت منها أن تكون صديقتي, بعد مرور 3 أشهر اكتشفت أنها سيئة الأخلاق وكانت تعاملني بغرور وتكبر، وأحيانا تكون عصبية، مع العلم أني قلت لها ذات مرة أني أبكي عندما أحد يعاملني بعصبية وقسوة حتى لو كان أبي.

فتركت هذه الفتاة، وبدأ فصل دراسي جديد, قررت أن أرافق بنت بلدي، قلت أني أثق بها وأني كنت معها في المدرسة.

كنت دائما لطيفة معها وابتسم معها وطيبة في كل الأوقات، استغلت طيبتي هي ورفيقاتها، كنّ لا يحسبن لي أي حساب عندما أكون موجودة معهن ولا أي اعتبار ولا شيء مع العلم أني لم أرتاح لصديقاتها أبدا، فهن سيئات التصرف والأخلاق، فهؤلاء البنات صديقات بنت بلدي، جرفنها نحوهن وأصبحت مثلهن، استغلت طيبتي ورفضت مساعدتي عندما كنت بحاجه إليها، حتى أنها لم تكلف نفسها بالاعتذار لي، وبعثت مع رفيقتها أن تقول لي بأنها لن تترك صديقاتها، وقالت لي أيضا أنت طيبة هل تحسبين كل الناس مثلك؟

من بعد ذلك الاستغلال والاستهزاء والتجريح ومعاملتي لكل الناس بطيبة، صُدمت وصُعقت لم أقو على شيء سوى البكاء بمعزل عن الجميع، شكوت لأهلي، لكنهم قالوا لي أنت حساسة زيادة عن اللزوم، لم أعرف كيف أفهمهم أنهم كانوا قاسيين معي.

لا أستطيع الوثوق بأحد بعد الآن، وقررت أن أظل وحيدة، لكن لا أعرف هذا الشيء حسن لي أم لا؟ دائما أبكي لا أعرف كيف أتصرف لا أفهم نفسي أبدا، بدأت إلى مرحلة أني سأصل إلى حد الجنون لتفكيري بهذا الأمر، وهو أني وحيده ولا أستطيع أن أكون اجتماعية، احتاج إلى أحد يفهمني، لا أستطيع التعبير عما بداخلي.

لكن الكل يقول لي, إن الخلل في نفسك أنك طيبة وحساسة زيادة عن اللازم، وتعاملين الناس بشفافية وثقة، يقولون: أن هذا الشيء سيدمرك، حاولت أن أغير نفسي لكن لم أستطع، هذا قلبي وتلك أحاسيسي، أشعر بالضعف والمتاهة، واحتاج إلى صداقه صداقة مثل أفلام الكرتون ورسوم الأنمي.

أتمنى أن تساعدوني، أريد أن أعرف هل الخلل في نفسي أم الخلل في الناس وقسوتهم؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ لانا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يهديك صراطه المستقيم، كما نسأله جل وعلا أن يشرح صدرك، وأن يجعلك من المتميزات المتفوقات، وأن يمنّ عليك بصحبة صالحة تكون عونًا لك على طاعته ورضاه.

وبخصوص ما ورد برسالتك – ابنتي الكريمة الفاضلة – فإنه مما لا شك فيه أن الإنسان مدني بطبعه، وأنه يستحيل أن يعيش وحده، وأن الإنسان في حاجة إلى من يؤانسه ومن يجالسه ومن يُفضي إليه بمكنونات صدره، ويبث إليه همومه وآلامه وآماله، كلنا في حاجة إلى مثل هذه العلاقات، والعلاقات بعضها قد يكون أمرًا اضطراريًا وبعضها يكون اختياريًا، فالأمر الاضطراري كمسألة وجود الأب والأم والأخوة والأخوات، فنحن لسنا مختارين، أو ليست لدينا الخيرة في اختيار الآباء أو أمهات أو الأخوة والأخوات أو الأقارب، لأننا خرجنا كجزء من كل وفرع من شجرة، ولذلك نحن دائمًا ننتمي إلى هذه المنظومة وتلك الأسرة وعلينا أن نقبلها بالوضع التي هي عليه، وإذا ما وجدنا منها بعض الشحناء أو الخصومة أو الاعتداء، فإما أن نوجه اللوم والعتب بأسلوب لطيف هادئ، وإما أن نصبر الصبر الجميل.

أما العلاقات الاختيارية وهي موضوع الصداقات والأخوة، فهذه المسائل تخضع لرغبة الإنسان وإرادته، وما دامت تخضع لرغبة الإنسان وإرادته فيستحيل أن أقيم مع شخص لا يرغب هو في أن يقيم علاقة معي، لماذا؟ لأنه ليس مضطرًا لهذا، فهو ليس كأخيك من صلبك الذي هو ابن أمك وأبيك، وليس كوالديك أو والدتك، وإنما هذا إنسان حر مختار مثلك تمامًا، وقد تكون لديك صفات رائعة جدًّ ولكنها لا تُعجبه، قد تكون فيك صفات متميزة جدًّ ولكنها لا تروق له.

ومن هنا فإن العلاقات بين الأصدقاء عادة تخضع لمسألة الراحة ومسألة الرضى، ومن هنا فإني أعتبر أن عرضك على صديقتك الأولى أن تكون صديقة لك، أرى أن هذا كان عرضًا غير موفق، لماذا؟ لأنه لا ينبغي أن تفرضي نفسك على أحد، فأنت لك شخصيتك المستقلة، وهي لها شخصيتها المستقلة، وأنت عليك أن تمارسي حياتك بكل حرية وحرصٍ على مصلحتك ومراعاة مشاعر الآخرين في نفس الوقت، وأن تكوني طبيعية، وأن لا تشعري الناس بأنك في حاجة إليهم، وإنما اعتمدي على الله تبارك وتعالى وحده، ثم اعتمدي على نفسك، ولا تجعلي حياتك متعلقة برضى فلانة أو على صداقة فلانة، لأن هذا نوع من ضعف الشخصية، وإنما عليك أن تأقلمي نفسك، أن تكوني أمّة وحدك، وأن تكوني مستقلة عن الناس جميعًا ما عدا أرحامك وأقاربك الذين لا يمكن الاستغناء عنهم، ومن أراد أن يقيم معك علاقة سواء كانت علاقة أخوة أو صداقة أو زمالة فأهلاً وسهلاً ومرحبًا به.

فإذن أرى أن ما ذكرته في رسالتك من أنك حاولت مع الأولى والثانية، هذه كلها أتمنى أن لا تكون قد حدثت، ولكن أما وقد حدثت فقدر الله وما شاء فعل، وحاولي أن تركزي على الأشياء التي تعود عليك بالنفع والخير والسعادة في الدنيا والآخرة.

ركزي على مصلحة نفسك، اهتمي بدراستك اهتماما كبيرا، اهتمي بعبادتك وصلاتك واهتمي بملابسك وطعامك وشرابك وعلاقاتك مع أسرتك، ودعي هؤلاء الأصدقاء لظروفهم، من أراد أن يقيم معك علاقة فسوف يأتيك تلقائيًا ويتكلم معك.

إقامة علاقات الصداقة لا تحتاج إلى أن أطلب من إنسان أن يكون صديقي، هذا أمر غير مألوف، وإنما هي تأتي تلقائيًا ما دمت تتمتعين بأخلاق فاضلة، وما دمت تتمتعين بشكل مقبول، وما دمت إنسانة مؤدبة محافظة على مشاعر الآخرين، تحترمي زملائك وزميلاتك في الدراسة، أعتقد أنك ستكونين محبوبة من الجميع.

نحن نعامل الناس بما نحب أن يعاملونا به، ونحن نحترم الجميع لأن هؤلاء جميعًا خلق الله تعالى، المسلمون لهم حقوق أكثر من غيرهم، ولذلك أنا أعطي الناس حقوقهم بمعنى إفشاء السلام، إذا مررت بأي زميلة من زميلاتي سلّمت عليها، ويمكن أن تفقد أحوالها: كيف حالك؟ كيف أصبحت؟ أمورك طيبة؟ .. أتكلم معها كلاما حول هذا الموضوع، ما سوى ذلك أنا ليس لي بها علاقة وهي إن أحبت أن تبادلني نفس الشعور فبها ونعمت، وإن أحبت أن تكتفي بنفسها بمجرد السلام العادي فلا حرج في ذلك.

إذاً أقول: لا تشغلي بالك بإقامة علاقات مع الناس، وحاولي أن تعودي نفسك أن تعتمدي على نفسك فقط، اعتمدي على نفسك أنت وحدك، ولا تجعلي حياتك متوقفة على أحد.

ركزي على علاقتك مع الله سبحانه وتعالى، في أداء حقوق الله تعالى والالتزام بالشرع، كذلك ركزي على مذاكرتك وعلى دروسك العلمية، واجتهدي في أن تكوني متميزة متفوقة.

الناس عادة يحبون الكرام، فكوني كريمة، الناس عادة يحبون أصحاب الأخلاق العالية، فاحرصي على أن تكون أخلاقك في القمة، وأن تكوني متميزة بأخلاقك عن غيرك من الناس جميعًا.

أعتقد أنك بذلك ستكونين محبوبة، لأن الناس عادة يحبون المتميز علميًا، يحبون صاحب الشكل الجميل، يحبون الإنسان النظيف، يحبون الإنسان المرتب، يحبون الإنسان الذي يتميز بأخلاق عالية، يحبون الإنسان قوي الشخصية، وهذه كلها إن شاء الله تعالى من السهل أن تكون فيك.

لا ينبغي لك أبدًا أن تفكري في أحد وأن هؤلاء لا يقيمون علاقات أو يقيمون، هذه إنما هي كلها عوامل من عوامل ضعف الشخصية، وأنا لا أريد لك أن تكوني ضعيفة الشخصية، ركزي على علاقتك وفق الضوابط الشرعية مع الكل، واتركي الباقي، من أراد أن يمشي معك يمشي، ومن أراد أن لا يمشي فلا تشغلي بالك بأحد، اشغلي بالك بنفسك، وركزي على مستواك، وعلى أخلاقك، معاملتك للناس، وثقي وتأكدي أن الكل سوف يحبك ما دمت تحترمين الجميع وتراعين مشاعر الكل، فإن الناس يحبون هذا النوع من التصرف.

وفقك الله تعالى لكل خير ويسر لك أمرك وسدد خطاك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • مصر medhat

    في رأيي ان العيب ليس في تعاملك مع الاخرين ولكن في اختيارك لهم .
    كوني كما انتي على طبيعتك وتصرفي بحرية ومن تعجبة شخصيتك فمرحبا به ومن لم تعجبة .. فلست بحاجه اليه .
    كوني مع الصديق/ة المناسب/ة لكي وتذكري ان الصداقة لا تباع ولا تشترى
    انما هي ارقى من ذلك .
    medhat

  • الجزائر هشام

    انا اظن ان الحالة كالتالي: انت من الصنف الذي يتحلى باخلاق فاضلة تحاولين اقامة صداقات مع فتيات منحلات اخلاقيا , فهاذان الصنفان لا يمتزجان ومنه نستنتج ان الخلل ليس فيك, بل في في الفتيات المنحرفات, و بالتالي تستطيعين اقامة صداقات شرط ان تكون الصحبة صالحة (وهذا امر نادر الوجود في هذه الايام)

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً