الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قلق الوساوس وتأثيره في حالة الإنسان النفسية..وعلاجه

السؤال

الدكتور الفاضل محمد عبد العليم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كيف حالك دكتور محمد؟ أرجو أن تكون بألف خير، أنا صاحب الاستشارتين رقم2116568 و 2117070، والتي كان موضوعهما عن الوساوس والرهاب، وقد أرسلت لك هاتين الاستشارتين منذ حوالي 10 أشهر، وكنت مازلت وقتها في السعودية، وكنت لا أزال طالباً في السنة الرابعة الجامعية.

أنا الآن عدت إلى السعودية بعد أن تخرجت من الجامعة –والحمد لله- وتحسنت حالتي، لكن مازالت هناك آثار لحالتي، وما زالت تراودني الوساوس، حتى أن الوساوس تكون في صلب الدين أحياناً, فمثلا تأتيني أفكار بأن الله لن يغفر لي، وأنه سيعذبني لا قدر الله، ومع الاسترسال في هذه الأفكار أجد أن حالتي أسوأ فأحس بالإحباط، وقد أصل إلى نوبة الرهاب, وحتى أني الأن لم أعد أحس بأي متعة في عمل أي شيء، وأجد أن عقلي يخاطبني، ويقول لي: (أنت تأكل وتشرب وتنام وتشاهد التلفاز يومياً ثم ماذا بعد؟) وبسبب هذه الأفكار أصبحت لا أجد أي متعة في هذه الحياة, لا أعلم لماذا يحدث هذا؟ ربما لأنني شخص حساس وعاطفي.

أريد أن أنوه علي أن حالتي تزيد عندما أكون أعاني من وعكات، أو اضطرابات عضوية، وخصوصاً الإمساك بالمعدة, وحالات الخمول, والنوم في النهار, والحزن والعصيية، كل هذه تزيد من سوء حالتي.

أما بالنسبة للعلاج الدوائي، فقد راجعت طبيبي عندما عدت إلى سوريا، وقال لي أن أتناول دواء لوسترال الذي أنت نصحتني به، وبمقدار 25 ملغ باليوم، وتناولت الدواء لمدة 4 أشهر، وقطعته لمدة شهر تقريباً, ثم عندما قررت أن أعود من سوريا عاد إلي القلق والتوتر، فنصحني طبيب آخر أن أتناول الجرعة 12.5 يومياً لمدة أسبوعين، ثم نصف هذه الجرعة لمدة 3 أشهر، ثم نفس هذه الجرعة كل 3 أيام.

الآن وبعد أن عرضت عليك آخر مستجدات حالتي أود أن أسألك: هل أنا أعاني من الاكتئاب؟ وبشكل عام أريد منك حلاً سريعاً وفعالاً ونصائح قد أستفيد منها في حل مشكلتي والشفاء من هذه الحالة؛ لأنني وبصراحة قد مللت من هذه الحالة، وبسببها لم أعد أرى لذة أو استمتاعاً في هذه الحياة.

شكراً لك دكتور عبد العليم، وآسف على الإطالة، ولكن حالتي هي التي اضطرتني لذلك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نشكرك على كلماتك الطيبة وسؤالك عن أحوالنا، وأقول لك أننا الحمد لله تعالى وبفضل منه في نعمة وصحة وعافية، نسأله تعالى أن يديمها علينا جميعًا، وأنا سعيد جدًّا أن عرف عن إنجازاتك الأكاديمية، نسأل الله تعالى أن يزودك علمًا ونورًا ومعرفة، وأن يثبتك ويثبتنا جميعًا على المحجة البيضاء.

الإنسان ينزعج حين تظل هذه الحالات، حالات القلق والمخاوف والوساوس، لكن بشيء من الاستبصار ومراجعة الذات سوف تصل إلى نتيجة حتمية، وهي أن القلق الوسواسي الذي تعاني منه فيه إيجابيات كثيرة؛ لأن القلق في الأصل هو طاقة تحسن الدافعية ولا شك في ذلك، والوساوس إذا كانت بدرجة معقولة أيضًا تعلم الإنسان الانضباط والتدقق والتفكر والتأمل، لكن قطعًا إذا ازدادت معدلاتها تكون متعبة نسبيًا للإنسان.

ملاحظتك أن حالتك لا أقول تزداد سوءً لكن تظهر عليك الأعراض نتيجة لعوامل أو أسباب معينة كالوكعات، والاضطرابات الصحية، هذا معروف جدًّا، وهذ نعتبرها نوعًا من الروابط المثيرة للعلة النفسية، ولذا تجد الكثير من الناس يأخذون بالأسباب فعلاً ويحاولون تجنب هذه المثيرات بقدر المستطاع لكن جُلها ومعظمها ليست بيد الإنسان، ومن الضروري أيضًا ألا يتشاءم الإنسان حين تأتيه هذه العلل أو الوعكات، لأنه ليس من الضروري أن تكون مرتبطة دائمًا بحدوث نوبة وسواسية أو قلقية.

الفكر الوسواسي حول الدين وأن الله لن يغفر لك، لا شك أنها أفكار سخيفة، وأنت تعرف كيف تُحبطها، هذه لا تناقشها، أغلق عليها، والبديل الفكري موجود لديك، ولاشك في ذلك، وهو أن رحمة الله واسعة ولا حدود لها، ونحن حقيقة من رحمة الله العظيمة بنا أننا خُلقنا في هذه الأمة المحمدية العظيمة، ومثل الفكر الوسواسي الآخر هذا يمكن أن يرد عليه، مثلاً حين تأتيك الفكرة (أنت تأكل وتشرب وتنام وتشاهد التلفاز يوميًا فماذا بعد) الإجابة هنا منطقية، وهي أنني أتعلم وأدرس وأعمل أتزوج وأشارك في عمارة هذه الأرض، وأعيش في سعادة وهناء، فالفكر الوسواسي يحتاج لبعض الضوابط في مواجهته، مرة بالتجاهل، ومرة أخرى بالتحقير، الإغلاق عليه متى ما كان ذلك مناسبًا، ورده فكريًا متى ما كان ذلك مطلوبًا.

يعرف تمامًا أن الوساوس تضمحل بمرور السنين وهذه حقيقة علمية، وهي تكثر في سن اليفاعة والشباب، فهذه بشارة لك، والأمر الآخر: أنت حقيقة لديك الدوافع بل الدفاعات النفسية التي تجعلك تتواءم مع هذه النوبات البسيطة، وصرف الانتباه هو من الآليات الفاعلة والمعروفة جدًّا.

بالنسبة للعلاج الدوائي: أنا لديَّ وجهة نظر، وهي أنه ليس من الضرر أبدًا بل من المفيد جدًّا أن يتناول الإنسان جرعات وقائية ضد الوساوس والقلق حتى وإن كان من درجة بسيطة، وعقار (لسترال، زولفت) الذي يعرف علميًا باسم (سرترالين) والذي نصحك به الطبيب أعتقد أنه دواء جيد، لكن الجرعة المطلوبة كجرعة علاجية هي 50 مليجرامًا، وهذه أقل جرعة، و 200 مليجراما في اليوم هي الجرعة الكبرى.

فأنا أريدك أن تتناوله بجرعة خمسة وعشرين مليجرامًا ليلاً لمدة شهر كجرعة بداية، بعد ذلك اجعلها حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم اجعلها خمسة وعشرين مليجرامًا – أي نصف حبة – ليلاً لمدة ثلاثة أشهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهرين، ثم توقف عن تناوله، وهذا لا يعني أبدًا أنك قد تعرضت لانتكاسة مرضية حقيقية، لكننا نريدك أن تعيش في أحسن صحة وعافية.

أما بالنسبة لسؤالك حول: هل أنت تعاني من اكتئاب؟ الإجابة لا، أنت تعاني من قلق الوسواس، وهذا قد ينتج عنه اكتئاب ثانوي بسيط، وهذا ليس بالاكتئاب النفسي الحقيقي، إنما هو عسر مزاج عارض وبسيط، وسوف يزول إن شاء الله تعالى تمامًا بزوال السبب وهو التحكم في الوساوس واختفائها -بإذن الله تعالى-.

الحياة طيبة وجميلة، ويجب ألا تَمِلَّ ويجب ألا تَكِلَّ، المستقبل أمامك مُشرق، ومن خلال تقوى الله، والتقرب إليه، وحسن تحصيل المعرفة إن شاء الله تعالى تستمتع بالحياة.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، نشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً