الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حساس, وأضخم الأمور أكثر مما يجب, وعجول, فهل هذه صفات سلبية؟

السؤال

السلام عليكم دكتور محمد
كيف حالك؟ أرجو أن تكون على أتم حال من الصحة والعافية.

أنا صاحب الاستشارة (2138186), وقد أرسلتها منذ فترة, وقد رددت علي مشكورًا, وقد شخصت حالتي بأني أعاني من القلق الوسواسي, وهذا بصراحة أفضل وصف لحالتي,وفعلاً فإن ما أعاني منه هو الوساوس والقلق, واتصلت بطبيبي منذ فترة وأكد لي أنني وصلت إلى حالة الشفاء التام, وقد أكد كلامه حين رآني آخر مرة في العيادة, وسألته عن الإحساس المزعج والوساوس التي أشعر بها حاليًا, فقال لي: إن هذه الأحاسيس طبيعية؛ لأنني الآن في مرحلة ما بعد التخرج من الجامعة, وفي مرحلة البحث عن العمل, وقال: إن الشاب في هذه المرحلة يكون مهمومًا حوله كثير من الأمور, مثل البحث عن العمل, والتفكير في الزواج, وغير ذلك من الأمور.

لكن قد أزعجتني جدًّا هذه الأفكار؛ حيث تأتيني أفكار مثلاً بأن هذه الحياة ليست جميلة, وبأننا راحلون لا محالة, فلا أحس بأي لذة بفعل أي شي (فلا أحس بلذة في الطعام, ولا في مشاهدة التلفاز, ولا في أي شيء بسبب هذه الوساوس, وكأن شخصًا بداخلي يكلمني ويذكرني دائمًا بهذه الوسواس كلما نسيتها, وكأنه يقول لي: إننا راحلون من هذه الدنيا فلماذا نستمتع؟!), لذلك تجد أنها دائمًا موجودة في تفكيري, وهذا السبب يزعجني, وبالطبع هذه الأفكار تجعلني لا أشعر بالسعادة بأي شيء, وحتى التفكير بأي شيء مخيف -مجرد تفكير- يخيفني, وأشعر بأن الأمر قد حدث فعلاً.

وأعتقد أيضًا من أسباب هذه الوساوس الحالة التي مررت بها منذ 4 سنوات تقريبًا, وقد ذكرت لك ذلك في استشارتي الأولى (2116568) عندما توفي شخص مقرب, ومنذ تلك الحادثة صرت أخاف من الموت, ودائم التفكير فيه, وقد زادت الوساوس بسبب ذلك, وقد تطور ذلك إلى حالة رهاب, وكل ذلك قد ذكرته لك في استشارتي الأولى, وأنا حاليًا لا أطيق أن أفكر بالموت, وأصبح عقلي لا يتقبله أصلاً, حتى بالتفكير في الأمور الكونية التي تدل على قدرة الله, وعندما أرى مشاهد قوية وخطيرة تصيبني نوبة رهاب, لا ادري هل هذا جبن أم أن هذا بسبب القلق الوسواسي؟

أريد أن أذكر هنا أني سألت الطبيب عن حالتي فقال لي: إن هذه الوساوس تأتيني من اللاوعي, ونصحني أن أكتب ما يزعجني على ورقة حتى أخرج تلك الأفكار من عقلي الباطن إلى تلك الورقة.

وإن الوساوس تهاجمني فجأة وبدون سبب, وبأجزاء من الثانية أحس أني انزعجت, مع أني أحاول أن أتجاهلها وأحقرها, حتى إن الوساوس تصيبني عندما أسمع أن إنسانًا انتحر فأخاف على نفسي, وأخاف أن أؤذي نفسي, وكما قلت لك: إن الوساوس تجعلني أشعر بالأمر كما لو أنه حدث فعلاً, وأود أن أذكر نقطة مهمة, وهي أن الوساوس السلبية يتم مقاومتها بوساوس وأفكار إيجابية, وهذه عن تجربة, لكن -يا دكتور- لا أريد مجرد التفكير بالوساوس السلبية, ولا أريد شيئًا يردها؛ لأن السلبية عندي تغلب الإيجابية, وهذا ربما بسبب أنني أخاف على نفسي من أي شيء, وذو طبع تشاؤمي منذ الصغر.

وأخيرًا –دكتور- أود أن أقول لك: إني أتحسن شيئًا فشيئًا – والحمد لله - وإني أمارس الرياضة بانتظام, ولكن في هذه الفترة التي أبحث فيها عن عمل وجلوسي في البيت والملل ربما قد تكون زادت عندي هذه الحالة, وربما أن الأوضاع عندنا في سوريا قد أثرت علي, كما أثرت على معظم الناس, وأسأل الله العظيم أن يفرج عنا وعن بلدنا سوريا, وخصوصًا أنني إنسان حساس, وأضخم الأمور أكثر مما يجب, كما يقول لي البعض, وإني عجول, وأريد حاجتي فورًا, وعديم الصبر بمثل هذه الأمور, وهذه الأمور لدي منذ صغري, فما هي نصيحتك لي -يا دكتور-؟
وهل هذه الحالة عابرة -بإذن الله-وستزول؟
وهل يحتاج عقلي إلى تعديل مفاهيم حيث إن ما حدث لي جعلني لا أتقبل الموت في هذه الحياة, وجعلني أفكر بأشياء تافهة؟
وهل العادة السرية تؤثر على حالتي؟
وكيف أستطيع أن أعالجها سلوكيًا؛ حيث قال لي طبيبي إن علاجي سلوكي أكثر مما هو دوائي؟

وبالنسبة للعلاج الدوائي فأنا حاليًا أتناول سيرترالين 6.25 (أي ربع حبة 25)يوميًا, فهل أحتاج إلى تناول البروبرانولول حيث وصفه لي الطبيب مرة؟ وأنا أخاف أن أتناوله لما له آثار جانبية وتأثير على القلب.

وشكرًا لك دكتور محمد, وآسف للإطالة, لكن الوسواس جعلت حياتي جحيمًا, وأرجو أن أكون قد أوصلت الفكرة بالشكل المناسب, وأرجو أن أتلقى الرد المناسب.

وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته, وبعد:

فأتفق معك أن الوسواس مزعجة أيًّا كانت درجتها، لكن الإنسان الذي يصاب بالوساوس حين يشاهد بوادر التحسن يجب أن يقتنع من خلال هذا التحسن أن حالته ليست مطبقة, وليست مزمنة، وليست مستحيلة العلاج، ويمكن للإنسان أن يحول الوسواس القلقي إلى شيء إيجابي، وهو أن يتخذ هذا الوسواس وسيلة للمزيد من الانضباط, والمزيد من الدقة.

الوساوس التي يكون محتواها خارج منطق الفكر الإنساني يجب أن يُغلق عليها، مثلاً تخوفك من الموت، أو عدم قبولك لفكرة الموت. قل لنفسك (فعلاً هذه فكرة حقيرة، فالموت واقع, والموت آت، وكل نفس ذائقة الموت، وإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، ولا شك في ذلك، لماذا لا أكون منطقيًا لهذه الدرجة ولا أقبل الموت؟! هذا شيء غير طبيعي، يجب أن أقبله, ويجب أن أسأل الله تعالى أن يحسن خاتمتي) وهكذا, وفي ذات الوقت اربط الموت بالحياة، بمعنى أن أسعى سعيًا حثيثًا لأن يهبني الله تعالى العمر المديد، وأن يعمل الإنسان لآخرته، والسعادة تتأتى من هنا، من أني أعرف ما هي المرحلة القادمة في حياتي، الذي لا يعرف المرحلة الآتية أو القادمة لا شك أن حياته دون معنى، فالموت هو مرحلة من مراحل الحياة، الحياة الأخروية الدائمة.

هذا الفكر يجب أن يصد حقيقة عن طريق وضع الأمور في سياقها المنطقي، وديننا يدعوننا حقيقة لأن نجعل الحياة والموت متصلان – وهما كذلك – حتى فيما ورد في معنى الحديث: (إذا قامت الساعة وكان في يد أحدكم فسيلة فليغرسها) انظر للمعنى (فسيلة) شُجيرة صغيرة أو نبتة صغيرة، والفسيلة تأخذ أيامًا وشهورًا وسنوات لكي تصبح شجرة قوية متينة، معنى ذلك أن الإنسان يتفاءل لمستقبله, ويعمل لمن بعده، هذه الاستمرارية عظيمة جدًّا للحياة، وفي ذات الوقت تدبر لحقيقة الموت.

هذا فكر يجب أن يرفض, وهذا فكر يجب أن يغلق أمامه، وفي ذات الوقت تعيش حياتك بقوة، وأنت بالفعل تعيش حياتك بقوة الآن، كما ألاحظ: فرسالتك طيبة وجميلة, ولديك خطط مستقبلية، وتحس بالتحسن التدريجي، وهذه كلها أشياء جميلة جدًّا، يجب ألا ترفض كل لحظة قلق تأتي، فهذه طاقات إيجابية مطلوبة جدًّا، كما ذكر لك الطبيب أنت الآن في مرحلة البحث عن عمل، وهذه مرحلة تؤثر على معظم الشباب أو على جميعهم، مرحلة فيها شيء من عدم التأكد، مرحلة انتقادية، لها علاقة وثيقة بموضوع الهوية والاستقرار المستقبلي، أضف إلى ذلك مشاغلك حول ما يدور في سوريا – وكلنا مشغولون بذلك، ونسأل الله تعالى أن يحفظ دماء المسلمين – فأنت تتفاعل تفاعلات إيجابية مع أمور منطقية، لا أريدك أبدًا أن تغلق على نفسك مشاعرها إغلاقًا تامًا، لكن المشاعر يجب أن توجه التوجيه الصحيح لتصبح مشاعر إيجابية.

الحياة طيبة، الحياة ليست تافهة، الحياة فيها المشقة, وفيها ما هو جميل, وفيها ما هو قبيح، والمسلم له الوسائل التي يمكن أن توصله إلى مرحلة الطمأنينة، وذلك من خلال أن يعيش الحياة بقوة وبأمل وبرجاء، وأن يسعى ويعمل لما بعد الموت، وهنا الحياة تكون لها معنى حقيقي، وأنت في سن الشباب، لك طاقات عظيمة إيجابية يجب أن توجهها التوجيه الصحيح.

أغلق على الفكر الوسواسي السخيف، ولابد أن تقبل منه جزء؛ لأن الإنسان عاطفة وكيان وجداني في الأصل.

أنت ذكرت بعض الأشياء، قلت أنك حساس, وأنك تضخم الأمور، وأنك عديم الصبر, أنا لا أريدك أن تنعت نفسك هذه النعوت، لا، قد تكون هنالك شيء من الحساسية, لكنه واضح أنك إنسان مثابر، أنك إنسان تريد أن تنجز، فلا تضع في تفكيرك هذا الفكر السلبي؛ لأنك تريد أن تقضي حاجتك فورًا, وأنك عديم الصبر، لا، أنت جيد، أنت ممتاز، ولكنك تريد أن تُنجز، فقط قم بإدارة قلقك ووساوسك بصورة أكثر إيجابية.

العادة السرية هي عادة قبيحة، وحقيقة لها آثارها السلبية على حياة الناس، من الناحية النفسية, ومن الناحية الوجدانية، وهي تشعر الإنسان بالذنب، خاصة الشاب المسلم يقظ الضمير، ولا شك أن لها تبعات جنسية سلبية في المستقبل إذا داوم الإنسان عليها ولم يتوقف عنها.

أنا أرى أن ترفع جرعة السيرترالين، فلا مانع في ذلك أبدًا، اجعلها حبة كاملة مرة أخرى، استمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها نصف حبة يوميًا لمدة شهرين، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله, ولا داعي لربع الحبة، فهي ليست ذات تأثير.

الإندرال (بروبرانولول) دواء سليم، لكن لا داعي له.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية, والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً