الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سوء معاملة والدي جعلتني أتمنى الموت ليل نهار

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أريد استشارة الشيخ أحمد الفودعي.

بارك الله لكم يا أستاذي على هذا الموقع الذي جعلنا نعبر عن إحساسنا نحو أهلنا, أخذت استشارة منك، وما زلت أريد استشارة، فمشكلتي صعبة جدا، وأريد حـلا, أنا أحس بأنني أعاني من الاكتئاب الشديد، أعذرني على الإطالة، مشكلتي هي:

أنا شاب منذ صغري كان أبي يعذبني, ويضربني بدون استحقاق للعقوبة، أبي يريد مني أن أكون ضعيف الشخصية مع جميع الناس، وفعلا أصبحت ضعيف الشخصية، لدرجة أن ولدا عمره 6 سنين يضربني, فأرجو أن تساعدني بالله عليك, أنا أتدمر ولا أحد يحس فيّ، والله ما في أحد أشكو له همي سوى الله.

أحس بألم في داخلي، وتعب نفسي يجعلني أتمنى الموت، فما نصيحتكم؟ ماذا أفعل إذا كانت الحياة بالنسبة لي لا تعني شيئًا؟!

إني أود الموت لكني أستيقظ كل يوم من نومي وأنا لا زلت حيا أتنفس، لا أعلم كيف سأعيش لو مد الله سبحانه في عمري أكثر, بصدق سئمت الحياة بكل تفاصيلها, ليتني حجرًا, أو حتى شجرة لا عقاب لي ولا جزاء.

أدرك في داخلي بأن هذا الموت سيأتي لا محالة, لكني تعبت العيش, والتنفس, والسعي في هذه الأرض, تعبت من ذاتي, ومن تعاقب الليل والنهار.

أخاف الله سبحانه, وأقرأ القرآن, وأحرص على ذكره خلال يومي بالاستغفار والتسبيح, أحب الله سبحانه, وأشعر بأني لولاه لكنت أكثر سوء, وأعاني من تأنيب الضمير بشدة، ولا أريد أن أكلم أحدا, أو أجلس مع أحد، ولا أحس بأي شيء جميل في الحياة.

آسف على الإطالة, وأتمنى منكم مساعدتي, جزاكم الله خيرا, لأني فعلا تعبت, ولا مكان لي سوى القبر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ إسـلام مجـهول حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

مرحبا بك أيها الولد الحبيب في موقعك إسلام ويب، بين آبائك وإخوانك، فنحن نسعد بتواصلك معنا،

أولا: أنا لمست من خلال السطور التي كتبتها أنك تتمتع بشخصية متزنة عاقلة، فشخص يعرف الله تعالى هذه المعرفة, ويأنس بذكره وطاعته كيف يتصور أن يتسرب إليه الضعف والخور.

قد تكون مواقف والدك تجاهك -سامحه الله- أثرت في نفسك قليلا, وسيعنيك الأخ الدكتور محمد عبد العليم إن شاء الله بتوجيهاته القيمة؛ بما يساعدك لتجاوز هذه الأزمة، لقد اعجبني فيك اعتمادك على الله, وحسن رجوعك إليه عند الملمات, وهذا يدل على وفور في عقلك, وشخصيتك مدركة لكيفية تناول المشكلات وعلاجها، وهذا لا يحسنه كثيرون.

نصيحتنا لك أيها الحبيب أن تثبت على ما أنت عليه من الطاعات والأذكار، فإنها تكسبك القوة في بدنك وشخصيتك, وقد قال الله تعالى: { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم }
فالمؤمن قوي بما يحمله من عقائد صحيحة, وتصورات سلمية تفسر له الأحداث تفسيرا صحيحا.

هو يؤمن بأن الله تعالى أرحم به من نفسه, ومن ثم فإنه لن يقدر له إلا الخير، فيتعامل مع الحياة بإيجابية, موقنا أن هذا كله خير ورحمة في السراء والضراء.

من ذلك إدراكه لأهمية العمر, فإن الدنيا مزرعة الآخرة, وبقاؤك في الدنيا ساعة -أيها الحبيب- نعمة جليلة من الله تعالى عليك, فإنك قد تكسب بهذه الساعة سعادة الأبد في الأخرة, فتذكر هذا دوما, وسارع إلى ملء فراغك بالنافع من أمر دينك, أو دنياك, وسيزول عنك ما تجده من تمني الموت, وتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به) وقال (لن يزيد المؤمن عمره إلا خيرا).

والدك أيها الحبيب ينبغي أن يكون له حظ من عفوك, وصفحك, والتماسك العذر له, وهذا سيعود عليك بالهدوء والسكينة .

وفقك الله لكل خير.
++++++++++++
انتهت إجابة الشيخ أحمد الفودعي المستشار الشرعي.

وتليها إجابة الدكتور محمد عبدالعليم مستشار أول في الأمراض النفسية وطب الإدمان.
++++++++++++

إنك الآن تمر بمرحلة عمرية فيها الكثير من التغيرات والأفكار والهواجس، هذه التغيرات هي في الأصل هرمونية المنشأ, ونفسية ووجدانية، وحتى على المستوى المعرفي, الإنسان في هذه المرحلة قد تقع عليه بعض الأفكار السلبية التي تجعله لا يحس بقيمة ذاته، بل يُصبح الإنسان من كل فكرة موجه له يتخير ويلتقط ما هو سلبي، وينظر إلى الأمور بسوداوية وظلامية، وهذه تقود إلى الاكتئاب النفسي، بل ما تقوله هو تعبير عن وجود اكتئاب نفسي من الدرجة البسيطة إلى المتوسطة.

الذي أريد أن أنبهك إليه؛ ولا شك أن الكلام القيم الذي ذكره لك الشيخ أحمد الفودعي – جزاه الله خيرًا – يجب أن تأخذه بحذافيره، أريد أن أقول لك إن مرحلة التفكير هذه هي مرحلة عابرة أولا، وهي ليست دائمة.

ثانيًا: الإنسان قد يتساقط عليه فكر سلبي يسيطر عليه، أو قد يكون هنالك فكر إيجابي، وقد يكون هنالك تمازج واختلاط ما بين الفكرين، أي تتجاذبه الأفكار السلبية والإيجابية, الإنسان حين تتسلط عليه الأفكار السلبية دائمًا يحاول أن يجد لها تفسيرات ومبررات، وأنت هنا بالطبع تضع كل ما تعاني منه الآن للتربية الصعبة التي وجدتها من جانب والدك.

أنا أقول لك إن التوجه الصحيح -والذي سوف يفيدك تمامًا– هو أن تجلس مع نفسك جلسة نفسية صادقة في مكان هادئ, وتعيد تقييم نفسك، أنت الآن تقيم نفسك تقييمًا سلبيًا جدًّا, ولذا تحط من قدرها، وقمتَ بإغفال ما هو إيجابي في حياتك. إذن حتى تنتهي من هذا الفكر السلبي غيّر نفسك، كن منصفًا معها، لا تكن قاسيًا عليها.

أنا من جانبي أذكرك بخيوط إيجابية جدًّا في حياتك: أنت شاب، متدين، في هذا العمر النضر، أمامك مستقبل عظيم، إذا سلّحت نفسك بسلاح العلم والدين، أنت -الحمد لله تعالى- تتميز الآن بقوة البدن، وقوة النفس سوف تأتي، وقوة الفكر سوف تأتي؛ هذا يجب أن يكون تفكيرك، ويجب أن يكون شعارك.

نصيحتي الثانية لك هي: أن تحسن إدارة الوقت، الإنسان حين يحسن إدارة وقته ويكون لديه إنجازات يومية تتمثل في الدراسة، ممارسة الرياضة، بر الوالدين، الترفيه عن النفس بما هو مشروع، صلة الأرحام... هذه كلها أعمال وأفعال عظيمة وجميلة وجليلة، وتُشعرك بالفعل بقوة نفسك وذاتها، فكن حريصًا على أن تدير وقتك بصورة صحيحة، وهذا يعني أنك سوف تدير حياتك وسوف يتحول فكرك إلى فكر إيجابي.

ثالثًا: أريدك أن تبحث عن القدوة والزمالة الصالحة، لا بد أن تأخذ نماذج صالحة في حياتك، تمثل بشباب الإسلام الأوائل، تخير الآن ممن حولك الصالحين من الشباب، واجعلهم هم إخوتك وأصدقائك، ومن خلال هذا التمازج، من خلال هذا التطبع، من خلال هذا النموذج تسطيع -إن شاء الله تعالى– أن تبني فكرا إيجابيا ممتازا, وتحس بقيمة نفسك الحقيقية، ولن تحقرها بعد ذلك أبدًا.

رابعًا: ممارسة الرياضة تعتبر هي أحد المقويات النفسية القوية والمهمة جدًّا.

خامسًا: أنت في فلسطين المحتلة –وما أدراك ما فلسطين المحتلة– أنت صاحب قيمة وصاحب قضية، ويجب أن تكون صاحب همة وصاحب عزيمة، لا تقبل بالانهزام أبدًا، ذكّر نفسك دائمًا بهذا، وإن شاء الله هذا في حد ذاته يعتبر محفزًا لك جدًّا.

موضوع والدك: الآباء والأمهات يحبون أبنائهم، خلقهم الله تعالى على الغريزة والجبلة التي تحتم عليهم أن يُحبوا أبنائهم، لا يستطيعون أن يحيدون عن ذلك، لكن بكل أسف بعض الآباء يكون منهجهم التربوي فيه شيء من القسوة, ويعتقدون أن هذا هو المبدأ أو النموذج الأفضل في التربية، وهذا يؤدي إلى إشكالات مثل الذي حدث لك.

أنا أؤكد لك أن والدك لا يقصد الضرر بك، لكنّ منهجه كان خطأ نحن لا نقره، لكننا نعرف أن قلبك وعفوك سوف يكون كبيرًا، ويجب ألا تحمل أي ضغينة لوالدك، وفي نفس الوقت لا أريدك أبدًا أن تبرر مع نفسك أن معاملة والدك هي التي جعلتك الآن تكون منعزلاً, وغير فعال, ولا تثق في نفسك، لا، الماضي عبرة وعظة, وليس أكثر من ذلك، المهم هو الحاضر، أن تعيشه بقوة وصلابة وإيمان، وتنظر للمستقبل بتفاؤل, وإيجابية, وسعي حثيث, وتوكل، والتوكل هو عمل وأمل.

هذا هو الذي يجب أن يكون مبدؤك, وهو الذي أود أن أنصحك به، وإن شاء الله تعالى لو أخذت ما ذكره الشيخ أحمد الفودعي, وما أضفته لك -إن شاء الله تعالى– سوف تتبدل حياتك بالتدريج، سوف تضع نفسك على الخط الإيجابي السلوكي، وسوف تنطلق انطلاقات بديعة جدًّا، وهذا الذي يعكر صفوك الآن سوف يكون ذكرى وعبرة, وليس أكثر من ذلك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وكل عام وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً