الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الوساوس ونوبات الهلع والخوف من الموت والمرض، فما توجيهكم؟

السؤال

السلام عليكم.
أشكركم على الموقع الأكثر من رائع والذي أفادني كثيراً، وجعله الله من موازين حسناتكم.

أنا فتاة أبلغ من العمر 14 سنة، بدأت حالتي قبل سنة تقريباً حينما توفت جدتي - رحمها الله - بتليف الكبد، وبعدها بفترة قصيرة ظننت أني أعاني من هذا المرض وأحسست أني سأموت، وكنت وقتها خائفة كثيراً ولا أشعر بطعم الحياة إلى أن ذهبت للطبيبة وقالت بأن لدي تلبك بالمعدة وارتحت كثيراً وقتها، ولكن سرعان ما تلاشت تلك الراحة وأصبحت أوسوس من أمراض كثيرة، وكنت أستيقظ من النوم مفزوعة وخائفة من الأمراض والموت، وكنت أبكي بشدة، وبتلك الفترة شعرت أني لست حقيقية وأن الناس غير حقيقيين، ولكني الآن خفت كثيراً - والحمد لله - ولكن مازالت تعود لي الوسوسة أحياناً.

وأيضاً في هذه الفترة أصبحت أخاف من الجن من بعد ما سمعت بقصص مخيفة عنهم، وحلمت حلم واحد مخيف ولكنه ليس عن الجن وذلك بعدما نمت وأنا خائفة من الجن واستيقظت مفزوعة، ولكني ذكرت الله - والحمد لله - لم أحلم حلم مخيف من بعدها، ولكني أصبحت لا أحب النوم بالليل حتى وقت الفجر ولا أنام إلا بالنهار وأنا خائفة أن أحلم، حتى أنني أصبحت أخاف من أي حلم حتى لو لم يكن مخيف.

وأصبت أيضاً بنوبات الهلع مرتان مرة استمرت لدقائق وكنت حاضرة لحفلة زفاف، والمرة الأخرى كنت أريد النوم وتذكرت الموت والوساوس فخفت كثيراً وازدادت نبضات قلبي وتعرق جسمي وخرجت من الغرفة فزعة وأشعر بأني سأموت، ولكن بعد دقائق خفيت تدريجياً، ولكني حزنت وخفت من عودتها.

ولكني الآن خفيت كثيراً من تلك الوساوس - والحمد لله - ولكني متضايقة وأخاف من عودتها، علماً بأن لا أحد يعلم مما أشكو منه وحتى أختي المقربة لي، وذلك بسبب أن أختي الأخرى أصيبت باكتئاب وذهبت للطبيب وهي الآن - والحمد لله – بخير، ولكن أبي ما زال يقول لها أنت مريضة وإذا حزنتي أو تضايقتي لأي سبب يقول: لا تزعجينا واجلسي بالمشفى إذا كنت مريضة، وأخوتي الصغار يعايرونها بالمريضة النفسية، وأمي تمن عليها بأنها ساعدتها بمرضها، وأختي المقربة تقول بأنها لا تحب أن تخبرها بشيء لأنها تخاف أن تبوح بأسرارها إذا رجعت ولا تخبرها بشيء، مع أنها شفيت - والحمد لله -.

ولكن بأفعال عائلتي لها أوصلوها لهذه الحالة - هداهم الله - لا أستطيع البوح بشيء، أفضل الكتمان على ذلك، ولكني مخنوقة جداً وأشعر بأني سأنفجر أود أن أقول ما بداخلي، ولكن لا أستطيع وأنا راضية بقضاء الله - والحمد لله – وما زال لدي الأمل أني سأشفى، وأحاول الحفاظ على الصلاة والأذكار لأني وللأسف لم أكن محافظة عليها، وأيضاً لم يلاحظ أحد مرضي، حتى إني لم أبكي أبداً أمام أحد أهلي وأصدقائي، والمهم أني أتحسن بفضل الله ثم بفضل مشورتكم لي.

عذراً على الإطالة، وأتمنى أن تساعدوني، وشكراً لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ رهف حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الحالة التي وصفتها – وحقيقة أعجبني وصفك جدًّا لأنه جيد ومتوازن جدًّا ومفصل – هي في الحقيقة نوع من التغير النفسي الوجداني النفسي البسيط، الذي قد يكون مرتبطًاً بمرحلتك العمرية، وحدث وفاة جدتك لا شك أنه من الأحداث الحياتية الكبيرة، لذا كان له تأثير مباشر على ظهور أعراض القلق والمخاوف وكذلك الوساوس التي تعانين منها.

إذن حالتك هي حالة قلق المخاوف الوسواسية، هذا من ناحية التشخيص. ونحن لا نعتبر هذه الحالات خطيرة أو صعبة، نعم قد تكون مزعجة في بعض الأحيان، لكن في أحيانٍ كثيرة تتلاشى هذه الأعراض تلقائيًا، وهذا هو الذي أود أن أؤكد عليه، أن مثل هذه الأعراض ربما تكون عابرة، وهذا هو الذي نشاهده في كثير من الناس، وبعد أن تنتهي - إن شاء الله تعالى – ويتم الشفاء، ربما تأتي الحالة في شكل بسيط جدًّا مرة أخرى، لكن لا ينبغي أنها سوف تكون مطبقة أو مزمنة، هذا لن يحدث أبدًا - إن شاء الله تعالى -.

في هذه المرحلة أنا أريدك أن تتبعي الآتي:

أولاً: يجب أن تصلي إلى قناعة كاملة أنك لست مريضة، هذا مهم وهذا أؤكده لك أنا كطبيب مسؤول، أقول لك – يا ابنتي – وبكل تواضع أن الإنسان إذا حسن لديه إرادة التحسن وكانت لديه القناعة الكاملة أنه ليس مريضًا وليس معلولاً وليس معاقًاً، هذا شرط علاجي مهم جدًّا في حالات قلق المخاوف.

ثانيًا: القلق والخوف والوساوس هي طاقات نفسية، الطاقة أيًّا كانت يمكن أن نستفيد منها إيجابيًا أو نتركها لتكون عاملاً سلبيًا يَضر بنا، والدليل على أن الوسواس والخوف والقلق طاقات هو أن الذي لا يقلق لا ينتج، والذي لا يخاف لا يحمي نفسه، والذي لا يوسوس لا يكون متدققًاً أو منضبطًا – وهكذا – لكن حين تزيد هذه الأعراض عن المعدل الصحي المطلوب تتحول إلى ضدها، أي أنها قد تضر بصحة الإنسان النفسية.

لذا هنالك ما نسميه بصرف الانتباه، هو نوع من العلاج الجيد جدًّا، وصرف الانتباه يعني أن أصرف انتباهي من هذه الأعراض، وذلك من خلال استغلال الوقت والزمن في أنشطة مختلفة وأن يلزم الإنسان نفسه إلزامًا كاملاً، يجب أن تضعي خارطة ذهنية أو تكتبي في ورقة ما هي الأشياء التي يجب أن تقومي بها في أثناء اليوم، طبعًا البداية لا بد أن تكون بصلاة الفجر، وبعد ذلك تأتي الأنشطة التي تقسم إلى النشاط الدراسي، والترفيه عن النفس، وممارسة الرياضة المناسبة للفتاة المسلمة، القراءة، الصلوات في وقتها، الجلوس مع أفراد الأسرة ... وهكذا.

إذن هنالك أشياء ممتازة وجيدة جدًّا يمكن أن يستغل بها الإنسان وقته، وهذا نعتبره نوعًا من صرف الانتباه الممتاز جدًّا لعلاج حالتك.

ثالثًا: لدينا في إسلام ويب استشارة طبية نفسية بسيطة جدًّا تشرح كيفية تطبيق تمارين الاسترخاء، والعلاقة بين تمارين الاسترخاء والخوف والوسواس والقلق هي علاقة ثابتة جدًّا، وهو أن الاسترخاء ضد القلق وضد الخوف، لذا يعتبر وسيلة علاجية، هذه الاستشارة موجودة تحت رقم (2136015)، أرجو أن تتصفحيها وتحاولي أن تطبقيها بدقة، وهذا فيه - إن شاء الله تعالى – خير كثير لك جدًّا.

رابعًا: أرجو أن تكون لك نوع من الأنشطة على نطاق المدرسة – هذا مهم جدًّا – أنشطة غير أكاديمية، إذا كان هناك جمعية ثقافية أو نوع من العمل الخيري المجتمعي، هذا أرجو أن تنخرطي فيه، وأنا أعرف أيضًا أن بالمملكة العربية السعودية – جزاهم الله خيرًا – يشجعون جدًّا تدارس القرآن وحفظه، فالتحاقك بأحد مراكز تحفيظ القرآن أعتقد أن ذلك أيضًا سوف يُشعرك بالطمأنينة وبالاسترخاء وراحة البال والضمير، فهذا يجب أن تنتهجيه كمنهج علاجي مهم بالنسبة لك.

خامسًا: لا بد أن تتجاهلي الخوف، وتتجاهلي الوسواس، لأن الوسواس إذا لم نحقره – وكذلك الخوف إذا لم نتجاهله – سوف يطبق علينا. التجاهل والمقاومة في بداية الأمر تؤدي إلى الشعور بالقلق، بعد ذلك هذا الشعور يختفي تمامًا.

نصيحة أخيرة وهي: هنالك مؤشرات أن بر الوالدين له فوائد عظيمة جدًّا على صحة الإنسان النفسية والسلوكية والجسدية، وأنا أعرف أنك تعرفين أهمية هذا الأمر، لكن فقط وددت أن أذكره لك، وأبين لك قيمته العلاجية في مثل حالتك، فأرجو أن تستفيدي من ذلك.

أما فيما يخص الصلاة فإنه غني عن الكلام أن نذكرك بأهميتها وأهميتها المطلقة، فهي عماد الدين، وهي أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، وفوق ذلك من الناحية النفسية: الصلاة هي وسيلة للراحة والطمأنينة النفسية الحقيقية، فاحرصي على ذلك، وأنا متأكد أن انضمامك لأحد مراكز تحفيظ القرآن - كما ذكرت لك - مع وجود الرفقة والصحبة الطيبة سوف تجدي - إن شاء الله تعالى - المؤازرة التي تساعدك في الالتزام بصلاتك.

وللفائدة راجعي علاج الخوف من الأمراض سلوكياً: 263760 - 265121 - 263420 - 268738، وعلاج الخوف من الموت سلوكياً: 259342 - 265858 - 230225.

ختامًا: أنت لست بحاجة لعلاج دوائي، أرجو أن تطبقي ما ذكرته لك، وأسأل الله تعالى أن ينفعك به، وكل عام وأنتم بخير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية الهلاليه

    الله يشفيتس من الحاله هاذي وانا بعد تصيري معي والحمدلله تخلصت منها

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً