الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تربطني علاقة بشاب خلوق يريد إتمامها بعد 4 سنوات.. فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم

أحب أن أشكرك أنت وكل من يبذل جهدا ليوصل لنا معنى الإيمان، ويحببنا في ديننا, وسأكون في قمة امتناني لك إذا استقطعت من وقتك الكريم للرد على مشكلتي.

أنا بنت في الـ 18 من عمري, طموحة جدا ومجتهدة, تربطني منذ 3 سنين علاقة بشاب محترم جدا من أسرة عريقة, تخرج من الجامعة منذ سنتين.

الحمد لله علاقتي بربي لم تكن في يوم ضعيفة، وفي الفترة الأخيرة بدأت أتقرب من ربي أكثر، وبدأت أشعر بعدم الراحة في طبيعة العلاقة بيني، وبين هذا الشاب, وهذا الشعور بدأ في الازدياد مع مرور الزمن, ولم أكن أعرف من أستشير أو أسأل عما إذا ما كان بيننا حرام أو حلال، مع العلم أن علاقتنا بريئة جدا وأغلبها مكالمات وفضفضة تقريبا.

أصبحت خائفة جدا من أن يكون ربي غير راض عني، وبدأت أحس بنوع من الخيانة لأهلي، وهذا ما جعلني غير قادرة على التعامل معه كما في السابق, وبدأ هو في الضغط علي لمعرفة ما بي, وأنا خائفة ومترددة أن أقول له الحقيقة فيتركني.

استمر هذا الحال لمدة طويلة، وكان يظهر علي الهم، وكثر غيابي في الجامعة إلى أن نصحتني صديقة لي أن أذهب، وأصارحه لأنه هو أيضا متأثر جدا، ولا يفهم ماذا فعل.

فذهبت فعلا وأخبرته والمفاجأة أنه شجعني جدا على الفكرة، وقال: إن حبه وتمسكه بي زاد، وقال إن الأعمال بالنيات، فطالما أن الله يعلم ما في قلوبنا ونيتنا صافية، فليس هنالك خطأ في ما بيننا, وأنه يريد أن يخبر أمه بي، ثم يريد مقابلة أختي, وبعد تثبيته في عمل معين يمكنني أنا أن أخبر أمي، وهكذا إلى أن يصبح ما بيننا رسميا وفي الحلال إن شاء لله، وبالفعل ذهب وأخبر أمه, وهذا أثبت لي شدة تمسكه بي وصلاحه.

المشكلة الآن أن الفترة لحين استعدادنا للزواج هي ما بين 4 -5 سنوات.

فكيف ستكون طبيعة علاقتنا كل هذه الفترة؟
مع العلم أنه الآن يريد أن ترجع علاقتنا كما سبق؛ لأنه أخبر والدته، وأن نتعاون ونتقرب إلى الله معا، ويصلح أحدنا الآخر, وأنا بصراحة غير مستعدة, وقلبي وعقلي متعلق بأهداف أخرى، وأشعر بأني لم أجد نفسي إلى الآن وأحس بتقصير إلى الآن من جهة ربي, وأشعر أنه لم يفهم معنى التقرب إلى الله، ولم يستشعره مثلي, ولا أحس بتغيير من جهتي فأهلي إلى الآن لم يعرفوا، ولن يعرفوا إلى أن يتم توظيفه, وفي نفس الوقت متأثرة جدا بما فعله من أجلي، وكيف تمسك بي فلا أريد جرحه، أنا والله أحبه، لكن لا أستطيع أن أتعامل مع شيء أحس أنه خطأ!

لقد أجهدني هذا الموضوع نفسيا وفكريا، وأخذ الكثير من وقتي, وكلما يزيد تقربي من الله كلما أبتعد عنه, المجتمع حولي يراني كغريبة، ومعقدة للتفكير بهذه الطريقة, ولا أجد أي دعم فما الحل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ آية حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يزيدك رجاحة عقل، وأن يزيدك إيمانًا وصلاحًا وتُقىً واستقامة، وأن يقدُر لك الخير حيث ما كان، وأن يرزقك الرضا به، إنه جواد كريم.

وبخصوص ما ورد برسالتك - ابنتي الكريمة الفاضلة – فأنا حقًّا مُعجبٌ بشخصيتك الكبيرة المتميزة، والرائعة الموفقة، فرغم أنك ما زلتِ صغيرة في السن إلا أن الله تبارك وتعالى تفضّل عليك وأكرمك بعقل راجح، وإني لأرجو الله تعالى أن يجعل مستقبلك أفضل من حاضرك، وأن يجعل يومك أفضل من أمسك، فأنتِ تزنين الأمور بعدة موازين رائعة، الميزان الأول (ميزان الشريعة) وهو أن هذه العلاقة كيف ستكون خلال هذه الفترة الطويلة، وهذا كلام هو عين الحق، خمس سنوات – أو أربع سنوات – كيف ستكون العلاقة؟
خاصة وأنه ليس بينكما أي رباط شرعي، المهم أنها مجرد موافقة لدى أمه، وهذه الموافقة قد تتغير في أي وقت، لماذا؟ لأنه لا يوجد هناك رباط وثيق وميثاق غليظ يجعل الحياة تستمر بعيدًا عن معصية الله تعالى.

ثانيًا: من يضمن لنا أن هذه الفترة ستظل بعيدة عن التجاوزات الشرعية.

ثالثًا: ثبت من التجربة أنه كلما طالت فترة الخطوبة أو فترة العقد قبل الدخول كلما تأزمت الأمور، وكلما ظهرت مشاكل لم تكن في الحسبان، بل قد تحدث هناك نفرة شديدة وغريبة وعجيبة يتعجب منها الطرفان؛ لأن هذه الفترة التي ليس فيها إلا تواصل بسيط، وقليل وفي أضيق الحدود تؤدي إلى نوع من التوتر العصبي والهِياج النفسي، والذي يؤدي إلى الدخول في دوامة الاكتئاب والتوتر والعصبية، خاصة لدى أصحاب الضمائر الحية، الذين يزنون الأمور بميزان الشرعية.

رابعًا: هناك عامل آخر وهو أن الذي يحدث هذا بعيدًا عن أهلك، وأنت بارك الله فيك حريصة على ألا تُسيئي إليهم، وألا تُدخلي عليهم شيئًا لا يُحبونه.

نعم هذا الأخ من الأخوة المتميزين، وظروفه رائعة، وهو رجل رائع فعلاً، ولكن هذا الوضع الذي ستكون العلاقة عليه ليس وضعًا مرضيًا، لا من ناحية الشرع، ولا من ناحية العرف، خاصة وأنك إنسانة فاضلة، حريصة على محبة الله تبارك وتعالى وطاعته، وما زالت أمامك – كما ذكرتِ – أمور كثيرة لم تستفيدي منها إلى الآن، ولم تُستَنفذ إلى الآن، ولم تصلي إلى الدرجة التي تريدينها.

فوق ذلك - ابنتي الكريمة الفاضلة - : إن هذا سوف يعطل مشروعك العلمي، فمن الممكن أن تكوني متميزة أيضًا في مجالك العلمي، وأن تكوني خادمة لدينك بصورة أفضل مما لو كنت إنسانة عادية، وأعتقد أنك تعلمين حديث النبي - صلى الله عليه وسلم – والذي قال فيه: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) فما الذي يمنعك أن تكوني طبيبة ماهرة تتخصصين في مجال النساء وشؤون المرأة أو ما الذي يمنعك أن تكوني أستاذة جامعية كبيرة تستطيعين أن تُقدمي الخير لأبناء أمتك أو تتبرعين في مجال من المجالات التي تكون الأمة في أمس الحاجة إليه.

فأنا أرجو بارك الله فيكِ أن نُوقف العلاقة هذه من الآن، وأن نرضى بهذا القدر، وأن نقول له: (إذا أردتَ فعلاً أن يكون بيننا ما ينبغي أن يكون من الشرع فلابد أن نتوقف الآن تمامًا، حتى تتهيأ ظروفك، وحتى تُصبح قادرًا على تأسيس أسرة، وعلى تكوين مستقبل مشرق لحياة زوجية رائعة، ساعتها لا مانع أن تتقدم إليَّ بطريقة شرعية، وأن تخطبني من أهلي، وفي تلك الحال هم الذين سوف يقررون ماذا سيتم، أما أنا الآن فليس عندي شيء، ولا أضمن لك أن هذه الفترة ستكون بلا تجاوزات، وأنا لستُ على استعداد حقيقة أن أقع في أي تجاوز لا من ناحية الشرع ولا من ناحية أسرتي التي عرضها وسُمعتها وكرامتها أمانة في عنقي ينبغي عليَّ أن أفتديها بنفسي، وأن أحافظ عليها.

ابنتِي: أي علاقة لا يمكن أن نضمن أنها لن يحدث فيها تجاوزات، ولذلك لابد من وضع النقاط على الحروف، وهذا الذي أتمنى بارك الله فيكِ أن يكون من الآن، وألا تأخذك في هذا الأمر عاطفة أو رأفة به، لأن ما عند الله خير وأبقى، وهذا هو المطلوب الذي ينبغي علينا أن نحافظ عليه.

أنت الآن تحبين الله تعالى وبدأت تشعرين بنوع من الانزعاج لهذه العلاقة، وهذا هو الحق، فكلما كنت صادقة مع الله كلما كنتِ أكثر حساسية تجاه كل ما لا يُرضيه، وكل علاقة لا تتناسب مع شرعه ولا مع هدي نبيه - صلى الله عليه وسلم -.

ولذلك أرى أن تُوقفي كل شيء نهائيًا، وأن تتفرغي لدراستك، وأن تطلبي منه أن يتوقف عن هذه العلاقة الآن حتى تُتاح له الفرصة، وأن يكون جاهزًا، وعندها يتقدم لأهلك، وساعتها سيقدُر الله قدره الذي قدره.

نسأل الله تعالى أن يقدر لك الخير حيث كان ثم يرضيك به.

هذا وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً