الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصابني الاكتئاب والوسواس القهري.. فما نصيحتكم؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

قبل كل شيء أود أن أقدم جزيل شكري لكل القائمين على هذا الموقع.
معاناتي بدأت تقريباً منذ سنة، كنت أتواصل مع زميل لي بالدراسة عن طريق الانترنت، وفي يوم من الأيام بعث لي برسالة غريبة، يعبر لي فيها عن مدى حبه لي، بدوري استغربت كثيراً، لأنني كنت أعرفه منذ أيام الدراسة، وكانت علاقتنا مجرد علاقة أخوية، وكنت أتواصل معه على هذا الأساس.

وسط كل هذا الاستغراب الشك في طبيعة الرسالة الحيرة، كان علي تغيير المنطقة التي أعيش فيها، والابتعاد عن والدي من أجل مزاولة دراستي الجامعية .

علماً أنني لم أكن أعرف أي شخص هناك، سافرت وإذا بي أدخل دوامة لم أجد السبيل للخروج منها، أصبحت فتاة انطوائية لا أكلم أحداً، تغير علي الناس وطباعهم كل شيء، وبحكم أنني لا أعرف الأشخاص وسط الحي الجامعي والجامعة كنت جداً كئيبة منشغلة بالموضوع السابق ذكره دائمة التفكير فيه، لأجد نفسي أفكر وأفكر وأفكر، ثم أعيد التفكير مرة أخرى، لأنني أحس بحاجة لإعطاء تفسيرات جديدة لعقلي، بالرغم من أنني أنهيت التفكير في نفس الموضوع منذ وهلات.

اختلطت علي الأمور، لم أعد أطيق الذهاب للجامعة، فالأولاد هناك يكلمون البنات بشكل عادي وبطريقة أخويه لماذا أنا لماذا؟ هل ما حصل لي كان بسببي؟ وهل أنا فتاة سيئة؟ هل الولد الذي كنت أكلمه فهمني بشكل خاطئ؟ ومن ثمة دخلت دوامة لا نهاية لها.

أصبحت أتضايق كلما رأيت ولدا يكلم فتاة، أصبحت جداً انطوائية، أكره التواصل مع الأشخاص عبر النت، أتساءل كلما رأيت فتاةً تتواصل عبر النت، هل ستلقى نفس مصيري؟ بمجرد بداية الحصة لا أستطيع التركيز هناك قوة خارجة عن إرادتي تجعلني أفكر في أمور أخرى، بالرغم من أنها أفكار سبق وأن أمضيت الساعات في التفكير بها!

قررت إنهاء الحياة الجامعية لكن والداي منعانني من ذلك، وأخذاني إلى طبيب نفسي، بصراحة هو من حطم أملي الأخير في العودة لحالتي الطبيعية، فلم تستغرق جلستي معه 15 دقيقة ليقول إنها ضغوطات دراسة، وإنه علي الراحة أكثر!

كانت مشاكلي تتطور يوماً عن يوم، أصبحت تأتيني أفكار غريبة، أقول في نفسي وسط الحرم الجامعي لماذا كل هذه البنات تهتم بالدراسة؟ فما فائدة الدراسة؟ لماذا لا يقمن علاقات مع الشباب؟! بالرغم من اقتناعي بسخافة الفكرة، وبالرغم من أنني كنت فتاة متفوقة جداً من قبل.

أصبحت أتضايق كثيراً بمجرد اختلافي مع أي فتاة، أقول لماذا لا تختلف مع الفتاة الأخرى؟ بالرغم من أنني أعرف جيدا طبيعة الوضع، كنت أحس أن عقلي عضو خارجي، فأنا مطالبة بأن أقدم له تفسيرات كثيرة مستنسخة ومكررة.

أصبحت أحس بالاختناق في كل لحظة، فأنا أقوم بعملية التنفس الطبيعية عن قصد لفترات طويلة، أصبحت لا أستطيع الدراسة لأنني لا أستطيع التوفيق بين أمرين في نفس الوقت، الحفظ والتنفس، وهو ما جعلني لا أجتاز الامتحانات.

أصبحت أخشى التحدث مع أي شخص، لأنني أصبحت أعاني من مشكلة، وهي زيادة إفرازات اللعاب كلما كلمت شخصاً، متأكدة من أن المشكلة ليست عضوية، فهي تأتيني بمجرد محادثة أي شخص، ويصبح تفكيري كله في هذه المشكلة، أنسى تماماً ما نتحدث عنه.

حاليا أنا أعيش في دوامة، وأحس أنني على وشك الانتحار، فمساعدتكم.

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ hana حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فبانتقالك لمنطقة جديدة أدى إلى ما يُعرف بعدم القدرة على التواؤم، وعدم القدرة على التكيف، وهي حالة نفسية مرحلية تتسم بوجود قلق وخلل في التركيز ومزاج إحباطي عام، والإنسان في هذه المرحلة أيضًا قد يضخم بعض الأمور ويجسدها للدرجة التي تسبب له ضغوط نفسية متزايدة.

موضوع الرسالة التي أتت من الشاب أثرت فيك تأثيرًا سلبيًا لأنك لم تكوني تتوقعيها، لكن بذات المنطقية يجب أن تفكري أن نوعية هذه العلاقات قد تنتهي بمثل هذه الرسائل، فالذي يحدث في مثل هذه المواقف يجب ألا يُستغرب أبدًا.

أنا أرى أن الوضع الآن الذي تعيشينه هو نوع من القلق الوسواسي، لديك كثير من الاجترارات والأسئلة الحائرة، والتفسيرات الوسواسية، ويوجد لديك نوع من التعمق وتحليل وتشريح الأفكار بصورة لا أقول لك إنها غير منطقية، لكن لا داعي لها، وهذه سمة من سمات الوسواس القهري.

إذن أنت تعانين من قلق الوساوس القهرية، وهذا نتج عنه اكتئاب ثانوي من الدرجة البسيطة، والذي يظهر لي أن شخصيتك قابلة للقلق وللوساوس.

إذا كان بالإمكان أن ترجعي إلى نفس الطبيب النفسي وتقولي له ما ذكرناه لك، وهو أنك تعانين من قلق الوساوس، وفي مثل هذه الحالة لابد من تناول أحد الأدوية المضادة للوساوس، ومن أفضلها عقار يعرف باسم (باروكستين) ويسمى تجاريًا في الجزائر (ديروكسات) وله مسمى تجاري مشهور أيضًا هو (زيروكسات).

أنا أعتقد أن العلاج الدوائي مهم ومطلوب جدًّا في حالتك، وإن لم تستطيعي الذهاب إلى الطبيب فأرجو أن تتحصلي على الدواء من الصيدلية، فهو لا يتطلب وصفة طبية في معظم الدول، تناولي جرعته بمعدل نصف حبة يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعليها حبة كاملة – وقوة الحبة عشرون مليجرامًا – استمري عليها لمدة شهر، بعد ذلك اجعليها حبتين في اليوم – أي أربعين مليجرامًا - وهذه هي الجرعة العلاجية المطلوبة في حالتك والتي يجب أن تستمري عليها لمدة أربعة أشهر، بعد ذلك خفضي الجرعة إلى حبة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعليها نصف حبة يوميًا لمدة شهر، ثم نصف حبة يومًا بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

أنا على ثقة كاملة أنك إذا تناولت هذا العلاج بانضباط والتزام كل الذي بك سوف يزول - إن شاء الله تعالى – وفعالية الدواء تبدأ دائمًا أربعة إلى خمسة أسابيع بعد بدايته، وهذا الدواء يتميز بأنه لا يؤثر على الهرمونات النسائية، وأنه غير إدماني، وهو فاعل جدًّا كما ذكرت لك.

الأمر الآخر في العلاج هو التفكير الإيجابي، وتحقير الفكر الوسواسي السلبي، وعدم مناقشة هذه الأفكار، لأن الإكثار في مناقشتها يؤدي إلى توطيدها وإلى قوتها، وربما تتولد عنها أفكار وسواسية جديدة، فيجب أن يُغلق عليها ويُقطع عليها الطريق، وذلك من خلال تحقيرها.

أيضًا عليك أن تطبيقي تمارين الاسترخاء بصفة يومية، ولدينا في إسلام ويب استشارة تحت رقم (2136015) أرجو أن تتطلعي عليها وتستفيدي مما بها من تعليمات، وإن قابلتِ الطبيب النفسي قطعًا سيقوم بتدريبك على هذه التمارين.

اجتهدي في دراستك، اصرفي تمامًا الأفكار السلبية وانصرفي عنها، الحياة طبية وجميلة، ليس هنالك ما يدعوك للتفكير في الانتحار، مشكلتك بسيطة جدًّا، وإذا اتبعت ما ذكرته لك - إن شاء الله تعالى – سوف تجدين الحل، وليس هناك داعٍ للحيرة أو التوجس.

أنا أعرف أن الوساوس القهرية مؤلمة للنفس، لكن علاجها أيضًا أصبح الآن سهلا جدًّا بعد ظهور الأدوية الجديدة مثل الزيروكسات.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً