الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قسوتي على نفسي أصابتني بالوساوس.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أود مشورتكم في مشكلتي وهي وسواس يرافقني تقريبا في كل شيء.

أنا شاب في الـ 22 من عمري, وبالرغم من أنني -ولله الحمد- على قدر من الأخلاق والتعامل الحسن مع الناس؛ إلا أنني أشك أنني رسمي جدا, ولست من نوع الناس الفكاهيين الذين يتعاملون مع الناس, ويلطفون المواقف, وكأنني أجعل الناس يشعرون بالملل.

كما أنني أشعر أنني منغلق على نفسي, فبالرغم من صداقاتي مع الناس إلا أنني لا أتحدث عن نفسي إطلاقا, وهو ما نبهني إليه أحد أصدقائي, وفعلا لا أتحدث عن نفسي بسبب المشاكل التي أعانيها في المنزل.

لدي وسواس تقريبا في كل شيئ فإذا أحسست بتعامل جلف من شخص ما أقول إن هذا بسبب سوء تصرفي, وهذا ما يثبت لي, إذ أنني في المنزل ينتقدني والداي طوال الوقت في كل فعل أفعله, ويزعمان أنني أتبع الطريقة الخاطئة في كل شيء.

لقد أرهقني الوسواس, وخاصة أنني في السنة الأخيرة في الجامعة, فكيف لي أن أنطلق في الحياة محملا بكل هذه الوساوس.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الإله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فالحمد لله تعالى أنت على قدر عالٍ من الأخلاق، وتتمتع بالتعامل الحسن مع الناس، وهذا -إن شاء الله تعالى– رصيد عظيم.

الذين يتمتعون بقدر عالٍ من الأخلاق بعضهم تكون لديه ما نسميه بالمنظومة القيمية المنضبطة، بمعنى أنه يقسو على نفسه بعض الشيء، ولا يتسامح معها أبدًا، وهذا التشدد مع الذات وضبطها قد يكون فيه جانب وسواسي، بمعنى أنه يحاسب نفسه على كل صغيرة، وهذا يؤدي للمزيد من القلق والمزيد من الوسواس والشعور بالإحباط.

إذن هذا الذي تتحدث عنه هو نمط تطبعي وسواسي، يعني بأنه منهج اتبعته، قد تكون البدايات في أنك بالفعل تريد أن تكون شخصًا منضبطًا، شخصا يُقدِّر كل شيء في الحياة ويعطيه حقه على أكمل وجه، وهذا بالطبع من الصعوبة بمكان للدرجة التي قد ينعكس سلبًا على الإنسان.

بدأ بعد ذلك عندك هذا التفكير الوسواسي، وأصبحت تُفسّر الأمور بتفكير وسواسي لا يخلو من شيء من التشاؤم، وظلم الذات، بمعنى أنك تُثقل على نفسك جدًّا.

فيا أيها الفاضل الكريم: ارجع بنفسك إلى إنسانيتها الحقيقية، يعني: الحياة فيها هفوات وفيها أخطاء، لكن الإنسان يجب ألا يتعمد هذه الهفوات وهذه الأخطاء، وإن حدثت يجب ألا يعاتب نفسه العتاب القاسي, فاللمم موجود في الحياة، والإنسان الذي يكتفي باللمم فقط -إن شاء الله تعالى– هو من الناجين وهو سعيد، قال تعالى: {ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى * الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة}.

فيا أخِي الكريم: خفف عن نفسك، وانظر إلى الأمور دائمًا بإيجابية، وكونك لا تتحدث عن نفسك: هذا قد يكون فيه شيء من التواضع، ليس من الضروري أن يتحدث الإنسان دائمًا عن نفسه، وحتى التفاصيل الأسرية التي لا داعي لها ليس من المهم أبدًا أن يطلع عليها الآخرين، حتى على أعز الأصدقاء.

حاول أن تكون وسطي المنهج، هذا -إن شاء الله تعالى– يفيدك كثيرًا، وأنت من وجهة نظري إنسان منجز، فقط صرامتك على نفسك شديدة، ومجرد أن ننبهك لذلك هذا يفيدك كثيرًا، وتستطيع بعد ذلك أن تستدرك نفسك لتصبح أكثر مرونة معها، ولا بد أن تكافئ نفسك بالإنجازات العظيمة في الحياة، فأنت إنسان جاد, وطالب متميز, وعلى أعتاب التخرج, وعلاقاتك حسنة مع الناس, وأخلاقك سامية، هذا لا بد أن تتذكره، ولا بد أن تُقره مع ذاتك، وهذا -إن شاء الله تعالى– فيه مردود إيجابي كبير عليك.

الصعوبات الموجودة في داخل البيت يجب ألا تكون شاغلاً معطلاً لك، فكل البيوت بها مشاكل، لكن درجة تحمل الناس تختلف بالطبع، ودرجة تفسيرها لهذه المشاكل أيضًا تختلف, أنت انظر إلى الجوانب الإيجابية، وإن شاء الله تعالى تكون لك مساهمات جيدة جدًّا في إصلاح شأن الأسرة -بإذن الله تعالى-.

أيها الفاضل الكريم: كما ذكرت لك في صدر هذه الرسالة فإن الوساوس والانضباط الشديد في التحكم في الذات قد يؤدي إلى شعور بالكدر البسيط وعسر المزاج، وأعتقد أن هذا أيضًا موجود لديك، وهذا حقيقة يتطلب تناول دواء بسيط محسن للمزاج، ويُقلل من إطباق هذه الوسواس عليك، وهذا -إن شاء الله تعالى– يساعدك كثيرًا.

الدواء يعرف تجاريًا باسم (فافرين) ويسمى علميًا باسم (فلوفكسمين) أريدك أن تتناوله بجرعة بسيطة، وهي خمسون مليجرامًا ليلاً لمدة أسبوعين، تناول الدواء عند تناول الأكل -بعد الأكل- وبعد ذلك اجعلها مائة مليجراما (حبة كاملة) استمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة شهرين، ثم اجعلها خمسين مليجرامًا يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

أيها الفاضل الكريم: حاول أن تغير من نمط حياتك، فإن كنت لا تمارس الرياضة فأرجو أن تمارسها، وتوزيع الوقت وتنظيمه بصورة جيدة أيضًا يساعد على بناء نمط حياتي جديد يكون متوازنًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً