الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوسي القهرية تشعرني بالقلق وأني لست طبيعيا.. فكيف أتخلص منها؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أعاني منذ الصغر بشيء لم أعرف هل هو وسواس قهري، أم لا! بدأ معي منذ الصغر فكنت أخشى من النار فعندما أغلق الموقد أنتظر أمامه دقائق كي أتأكد من أنه مغلق خاصة قبل النوم، بل وأعود مرارا إليه لأتأكد، وبالأخص إذا قام أحد باستخدامه.

شيء آخر أقوم بعمل حركات غريبة وملامسة وتكرار أي شيء يلمسني، وغيرها من الأمور المتكررة العديدة التي تأخذ وقتا وتضايقني وتشعرني بأني لست طبيعيا.

والأرقام مجال عملي فعادة أقوم بالنظر إليها فترة طويلة لأتأكد من صحتها حتى لاحظ من حولي ذلك مما سبب لي إحراجا!

منذ فترة وجيزة مررت بأزمة نفسية بسبب انفصالي عن خطيبتي فتضايقت جدا، ولكن كل هذا يهون، فأما الأن فأنا أمر بحالة من الوسواس فى العقيدة.

فبدأت أشك في كل شيء لا أستطيع البوح به لعلكم تعرفونه، ولم أعرف هل هذا وسواس قهري، أم أنني أصبحت كذلك لا أعرف ماذا أفعل؟ أخشى أن أسترسل في الفكرة في عقلي، فيحل غضب الله علي، وأخاف جدا من القرآن وآيات المنافقين، أصبحت أشعر أني منهم.

لا أعرف ماذا أفعل؟ هل أنا متضايق من تلك الأفكار؟ أم أن نفسيتى مدمرة بسبب الانفصال، مع العلم أن لدي القولون العصبي منذ فترة طويلة، وألم في البطن، لا أعرف سببه، هل هو من الوسواس في العقيدة؟ أم بسبب الانفصال لا أعرف ماذا أفعل؟

لا آكل ولا أشرب كباقي البشر قليلا ما أبتسم لا اشعر بطعم ألحياة، ولا العمل لا أخرج لا أتكلم كثيرا.

هل أنا مصاب بوسواس قهري، أم ماذا؟ وأنا مغترب خارج بلدي لا أملك أقارب ولا أصدقاء يهونون علي، حتى أن وجدوا لا أستطيع مصارحتهم بوساوسي في العقيدة، أشعر بضيق نفس.

أتمنى أن أعود كما كنت من قبل أحب الله، وقوي الإيمان لا أريد أي شيء آخر من الدنيا، أو متاعها.

أفيدوني في أسرع وقت، فأنا مدمر نفسيا، وكلما حاولت أخرج من حالتي أتذكر وسواسي في العقيدة، فأرجع أسوأ مما أنا فيه حتى أن وسواسي يهيأ لي أني لست مريضا، وهذه حقيقتي وأنا لست مخطئا.

كم تمنيت أن أبتلى بأمراض الدنيا كلها، ولكن يظل قلبي لله مؤمن له كما كنت قوي الإيمان.

أرجو الرد بسرعة، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فكل الذي أُصبت به هو وساوس قهرية، لأن لديك وساوس طقوسية نمطية، ثم أصبح الآن يشغلك هذا الفكر الوسواسي حول العقيدة، وأتفق معك أنه مؤلم جدًّا للنفس، لكنه يعالج تمامًا إن شاء الله تعالى.

وهذه الوساوس أصابت الصحابة – رضوان الله عليهم – وهم خير القرون، فذاك الصحابي الذي أتى وشكى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: لزوال السموات والأرض أحب إليَّ من أن أتكلم به، قال صلى الله عليه وسلم: (أو جدتموه؟ ذاك صريح الإيمان).

فيأيها الفاضل الكريم: الوساوس مثبتة، والوساوس كثيرًا ما تأتي للحساسين والطيبين من الناس، ونحن نقول لك: هي من صميم إيمانك.

والذي يظهر لي أنه لديك في الأصل قابلية للوساوس القهرية، وكان من المفترض أن تذهب وتطلب العلاج، فخلال العشرين السنة الأخيرة توفرت علاجات ممتازة جدًّا للوساوس خاصة فيما يخص العلاج الدوائي.

الآن أخي الكريم أنصحك أن تذهب إلى الطبيب النفسي، والإمارات -الحمد لله- فيها خدمات متميزة جدًّا في الطب النفسي، وسوف تجد إن شاء الله كل التقدير والتوجيهات والإرشاد النفسي، وسوف يصرف لك الطبيب العلاج الدوائي اللازم الذي هو مهم بالطبع.

ومن ناحيتي أقول لك: إذا لم تتمكن من الذهاب إلى الطبيب فتحصل على أحد الأدوية المضادة للوساوس، هي مطلوبة، لأن الوساوس أصلاً ينتج عنها تغيرات كيميائية في دماغ الإنسان، حتى وإن كانت من الشيطان، وهذا لا نشك فيه أبدًا أن بعض هذه الوساوس من الشيطان، يقذفها الشيطان في النفس البشرية، ثم يخنس بعد ذلك، وهذا هو الذي يؤدي إلى التغيرات النفسية وكذلك الكيميائية والبيولوجية، ولذا يعتبر العلاج الدوائي أمرًا ضروريًا ومحتمًا، والوساوس بالطبع فيها الجانب الطبي.

فيا أيها الفاضل الكريم: ابدأ بتناول عقار يعرف باسم (بروزاك)، والذي يعرف علميًا باسم (فلوكستين) دواء ممتاز جدًّا، الجرعة التمهيدية هي أن تبدأ بكبسولة واحدة، وقوة الكبسولة هي عشرين مليجرامًا، تناولها ليلاً لمدة أسبوعين، ويجب تناول الدواء بعد الأكل، بعد ذلك اجعلها كبسولتين في اليوم، وهذه يجب أن تستمر عليها لمدة ستة أشهر، وهذه ليست مدة طويلة، بعد ذلك خفض الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

البروزاك دواء سليم، ليس له آثار جانبية مزعجة أبدًا، وحقيقة فات عليَّ أن أقول لك أن عمرك لم يُذكر في رسالتك، لكن أحسبُ أنه فوق العشرين، عمومًا البروزاك نوصي به حتى للأعمار الشبابية، لكن يفضل ألا يتناوله أحد عمره أقل من سبعة عشر عامًا، فإن كان عمرك أقل من ذلك فلا تتناول الدواء، ويفضل أن تذهب إلى الطبيب، لكن أنا أتصور أن عمرك أكبر، لأنك ذكرت أنك انفصلت عن خطيبتك، فهذا الدواء -إن شاء الله تعالى- سيفيدك.

وفعالية الدواء تبدأ بعد أسبوعين إلى ثلاثة من بداية العلاج، والالتزام القاطع بالجرعة مهم، لأن النفع والفعالية لا تأتي إلا من خلال هذا الالتزام، وكن حذرًا حيث إن الوساوس مراوغة جدًّا، وقد تُدخل على نفسك أن هذا الدواء لن يفيدك وفيه إدمان وشيء من هذا القبيل، وهذا الكلام ليس صحيحًا.

أما من حيث الجوانب النفسية التي أثرت عليك، فموضوع الانفصال عن الخطيبة هذا حدث حياتي مهم، وجداني، وربما ضاقت نفسك عليك، وهذا ربما آثار هذه الوساوس، لكن أنت في الأصل لديك الاستعداد التام لها، فلا نستطيع أن نقول أنه هو السبب الرئيسي، ربما يكون عامل من العوامل التي أدت إلى ظهور هذه الوساوس في هذ الفترة.

عمومًا أسأل الله أن يهبك ويعطيك أفضل مما ذهب عنك أو افتقدته، وعش حياتك بفعالية وبإيجابية، وحقر الوساوس، وساوس العقيدة تُحقر، يُغلق أمامها من خلال أن تخاطب الوسواس مخاطبة مباشرة/ وتقول له (أنت حقير، أنت سيئ، لن أناقشك أبدًا) لأن الوساوس خاصة ذات الطابع الديني إذا حاول الإنسان أن يناقشها تتجزأ، وتتفرع وتتسع، وتولد أفكارا متشابكة جدًّا تُزعج صاحبها، ولا يصل إلى أي نتيجة، أما الإنسان إذا حقرها، فهذا يعتبر نوعًا من الإغلاق التام أمامها، -وإن شاء الله تعالى- الدواء سوف يساعدك في ذوبان وضعف هذه الوساوس حتى تختفي، وهنا عليك بمواصلة برامج التنفير منها وصدها وتجاهلها.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً