الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تمديد الزولفت لعامٍ آخر، هل له تأثير؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور العزيز/ محمد عبد العليم المحترم.

تلقيت ردك على استشارتي الأخيرة رقم (2141302)، باسم أبو محمد أحمد.
وأسأل الله تعالى أن يبارك فيك، وفي جميع القائمين على شبكة إسلام ويب.

أحب أن أذكرك أن البرنامج الدوائي الذي قررته لي شارف على الانتهاء، حيث أنني بعد أسبوعين سأكمل عامين كاملين على استخدامي عقار الزولوفت، وأنا الآن في نهاية الحبة اليومية (شهر حبةً واحدةً + شهرين حبتين + ثلاثة أشهرٍ ثلاث حباتٍ+ ستة أشهرٍ حبتين + سنةً كاملةً حبةً واحدةً + ثلاثة أشهرٍ حبةً واحدةً يوماً ويوماً لا)

وأحمد الله تعالى أولاً على الراحة التي أحس بها، ثم بفضل جهودكم الطيبة وخبرتكم الرائعة في مجال الطب النفسي، وإنه لشيءٌ يدعو إلى الفخر أن يكون عندنا أطباء عربٍ بهذا القدر من الكفاءة والخبرة والتواضع.

لا أخفي عليك مقدار التحسن الذي أحس به، وخاصةً بعد هذه المدة في تناول هذا العقار. وبالطبع فقد استفدت كثيراً جداً من كتاب (العلاج النفسي الحديث لعبد الستار إبراهيم).

لكن للأسف يا دكتور محمد، لم أصل إلى النتيجة النهائية في الخروج تماماً من المرض، هناك تحسنٌ واضحٌ وملحوظٌ؛ ولكن لم أستطع الوصول إلى الشفاء الكلي من المرض، حيث أنني أعاني من بعض الرهاب عند الجلوس مع بعضٍ من الأهل والأصدقاء المقربين، كما أنني لا أذهب تقريباً للمناسبات الاجتماعية للأهل والأقارب، من عرسٍ وعزاءٍ، وتختلف هذه النظرة عند حضور مناسبةٍ اجتماعيةٍ لا أعرف فيها أحداً.

قد تقول أنني لم أطبق التمارين السلوكية بشكلٍ فعالٍ، نعم قد يكون هذا الكلام فيه نوعٌ من الصواب، ولكني اكتشفت أنني تجاوزت عقباتٍ كبيرةٍ في حياتي بفضل التدرج البطيء في مواجهة المواقف التي تسبب لي الرهاب، وأستطيع أن أقول لك: أنني فهمت كثيراً من نقاط الضعف عندي، خاصةً بعد الهدوء الذي أعيشه حالياً، والذي يذهب عند بعض المواقف التي ذكرتها لك عند لقاء بعضٍ من الأهل أو من الأصدقاء المقربين مني، إلا أن هذا الرهاب يخف كثيراً عند لقائهم مرةً أخرى وأكون طبيعياً معهم – بشرط ألا تطول فترة انقطاعنا عن بعض-، ولا أخفي عليك أن زوجتي تفهم طبيعة مرضي جيداً، وتستطيع تفسير كثيرٍ من المواقف الصعبة التي أتعرض لها، حيث أنها تقول لي: أنها رواسبٌ من الماضي، وأن هؤلاء الأشخاص يذكرونك بالمواقف السابقة التي قابلتهم بها وكنت تعاني من المرض، حقيقةً أنا مقتنعٌ بكلامها تماماً، وأجد في نفسي راحةً عند تفسيرها لهذه المواقف بهذا الشكل الدقيق.

لذا أرجو منك أن تمدد في فترة استخدام العلاج سنةً أخرى بمقدار حبةٍ واحدةٍ، حتى أستطيع التدرج في نقاط ضعفي ومعالجتها وفقاً لمفهوم (التعرض التدريجي)، وأتمنى أن تكون هذه الفترة مناسبةً للتدرج في المواقف المتبقية في مرضي، حتى أستطيع الخروج من المرض بشكلٍ هادئٍ ومتدرجٍ وطبيعي، وأسأل الله أن يعينني على الخروج من هذا المرض (إنه سميعٌ رحيمٌ مجيبٌ).

في الأخير، أسأل الله تعالى أن يفرج همومك، ويكشف كروبك، ويجعلك من أهل الجنة.

ملاحظةٌ هامةٌ:
إن الرسائل التي أقوم بإرسالها لا يأتيني الرد إلا بعد خمسة عشر يوماً، وحقيقةً أن هذه الفترة طويلة، وأكون أحياناً في حاجةٍ طارئةٍ للرد بأسرع وقتٍ ممكن، فهل هناك من حلٍ لديك، وإذا كان لديك بريدٌ إلكتروني تستطيع تزويدي به فهذا كرمٌ لن أنساه أبداً.

والمعذرة على الإطالة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،، وبعد:

أشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، وعلى كلماتك الطيبة، ولا شك أني سعيدٌ جدًّا على درجة التحسن الرائعة التي وصلت لها.

ما تبقى لك من أعراضٍ بسيطةٍ أرجو ألا يزعجك هذا، لأن التحسن بصفةٍ عامةٍ هو نسبيٌ، والأمر الثاني: أن الذي يعاني من القلق أو الوساوس أو المخاوف تجده يفرض رقابةً صارمةً على نفسه، وعلى مستوى العقل الباطني تجده يرصد درجة تحسنه، ويتساءل: إلى متى سوف يستمر هذا التحسن؟ هل سوف أنتكس؟ وتجد هناك نوعاً من المبالغة في التفكير وتقييم الذات.

هذه ظاهرةٌ طبيعيةٌ جدًّا، وحين تنتابك أعراضٌ تحس فيها بعدم الارتياح، تذكر ما كان بك من أعراضٍ شديدةٍ وزالت -بفضل الله تعالى-.

الأمر الآخر هو: لا بد أن يكون هنالك دفعٌ سلوكيٌ حقيقيٌ، وكلمة دفعٍ -كلمةٌ مهمةٌ-.

كان لديَّ أخٌ عزيزٌ يأتيني في العيادة، وكانت لديه مشكلةٌ في موضوع السفر بالطائرات، وعمله يتطلب أن يسافر كثيرًا، وتناقشنا حول هذا الأمر كثيرًا، وكان يعتمد على الأدوية، ويتحسن كثيرًا، لكن أيضًا يجد إعاقةً في السفر بالطائرات، فأوقفتُ عنه الأدوية، ووضعتُ له برنامجاً دقيقاً وحازماً جدًّا، وهو أن يُسافر في خلال شهرٍ على الأقل تهبط به الطائرة في ست محطاتٍ، هذا الرجل - جزاه الله خيرًا – التزم بهذا البرنامج، وواجهته بعض الصعوبات في الرحلة الأولى والثانية، لكن -بفضل الله تعالى- بعد ذلك وجد الأمور سهلةً جدًّا، وهو الآن يستطيع أن يسافر إلى أي مكانٍ أراد، وبدأ يتحدث لمن يعرف أن لديهم نفس علته، وكيف أنه قد تفوق على مخاوف الطيران.

فيا أخي الكريم، الدفع السلوكي مهمٌ جدًّا، والإصرار على ذلك مهمٌ جدًّا.

الأدوية، نعم حقيقةً هي مفتاحٌ أساسيٌ للعلاج، لكن أنا لا أريد الناس أن تميل للدواء أكثر مما يجب، هذا لا يعني أننا نتخوف من الآثار الجانبية للأدوية، لأن معظم هذه الأدوية -منها الزولفت– هي أدويةٌ سليمةٌ جدًّا، لكننا نريد أيضاً أن تُبنى الآليات السلوكية الفعالة داخل الإنسان ليحصن نفسه تدريجيًا ضد مخاوفه أو وساوسه أو قلقه، لأن هذه التحصينات السلوكية هي التي تمنع الانتكاسات.

فابحث دائمًا نحو التعريض والتعرض، وأعتقد أنك تسير بخطواتٍ جيدةٍ وممتازةٍ، وهذا يجب أن يكون له مردودٌ إيجابيٌ عليك.

أدخل إدخالاتٍ سلوكيةٍ جديدةٍ على حياتك، مثلاً قرر أن تزور الأرحام مرةً أو مرتين في الشهر، لا بد أن تحضر محاضرةً أو درساً أو درسين في الشهر -مثلاً-، وهكذا.

وضع برامج ملزمةٍ وخارطة طريقٍ واضحةٍ للإنسان، مع الالتزام بالخط الزمني لتطبيق هذه الأنشطة السلوكية يُدعم ويعضّد ويقوّي -حقيقةً- الانفراج النفسي، ويؤدي إلى التعافي -إن شاء الله تعالى-.

أخي الكريم: يسرني جدًّا أن تستمر على الزولفت لمدة عامٍ آخر، هذا لا مانع منه أبدًا، فالدواء سليمٌ، وفاعلٌ، ورائعٌ، وأنت لديك تجربةٌ إيجابيةٌ معه، فيمكنك أن تمد فترة العلاج، بشرط أن تُدعم آلياتك السلوكية أكثر، لأن في ذلك -إن شاء الله تعالى– مصلحةً كبيرةً لك.

تفسير زوجتك الكريمة، حقيقةً أعجبني جدًّا، لأن الروابط النفسية معروفةً في سلوك الإنسان، هنالك مثيراتٌ تُثير كوامن معينةً داخل النفس البشرية، لكن حين نعتبر الماضي كخبرةٍ ونتجاوز عن مراراته، وأن نجد العذر للناس، وأن نقبل بشيءٍ من الظلم من الآخرين، وألا نكون ظالمين، أعتقد أن ذلك يُريح الإنسان كثيرًا.

أخي: نأسف على التأخير في رد الرسائل، حقيقة ًالأخوة في إسلام ويب يبذلون كل جهدٍ في أن تصل الردود في وقتها، لكن ربما يكون كثرة الرسائل هو سببٌ في بعض التأخيرات في بعض الأحيان.

بالنسبة لبريدي الإلكتروني، لدي بريدٌ إلكتروني، وقد حاولتُ منذ سنواتٍ أن أعطيه لبعض الأخوة بعد إلحاحهم، ولكن بعد ذلك فشلتُ في الرد عليهم، فوجدت أن هذا الأمر محرجٌ جدًّا لي ولهم.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، نشكر لك تواصلك مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً