الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف أحقق التوازن الداخلي عند هجوم الوسواس؟ وكيف أقنع نفسي أني قائد ذاتي؟

السؤال

كل الاحترام والامتنان للدكتور محمد عبد العليم ولجميع القائمين على الموقع.

عندي مشكلة مع دواء (فافرين) و(دبريدال)؛ لأنهما يزيدان الوزن، وأنا أعاني من السمنة أصلًا, وقابل لزيادة الوزن، فهل من حل داعم، أو تبديل للدواء؟

سأتكلم معكم بكل صراحة، فهناك صراع قاتل داخل نفسي؛ لأني قد هزمت ذاك الداء الذي ذكرته لك في استشارة سابقة، ولم يتغلب على عزيمتي إلا قليلًا، وكنت أرقي نفسي دائمًا, وأبحث وأتعلم, وأشتري الكتب حتى تغلبت على ذلك الداء مرات كثيرة، واكتسبت خبرات كثيرة؛ لذا أريد منك أن توضح لي كيف أحقق التوازن النفسي الداخلي عند أي وسواس وقلق؟ وكيف أحقق التوازن بين العقل الباطني والظاهري والعاطفي؟ وكيف أقنع نفسي أني أنا القائد لذاتي؟ لأن الوساوس تخاطبني عند ازديادها أني لست أهلًا لقيادة نفسي، ولا تكفيني الصفحة لكتابة توبيخ الوسواس لكل شؤون حياتي، وفي الأخير أريد منك برنامجًا لصرف أو هزيمة الوساوس القهرية، والخواطر التي تَرِدُ على البال.

أعتذر للإطالة، واحترامي لا يكفيك سيدي، ولك كل الامتنان.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ علي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأشكرك على كلماتك الطيبة، ونحن نبادلك الاحترام والتقدير.

أيها الفاضل الكريم: بالنسبة للعلاجات الدوائية: فتفاعلات الناس متفاوتة حولها، وموضوع السُّمنة وزيادة الوزن يحظى الآن بنقاش طويل متداخل في جميع المؤتمرات والمحافل العلمية، وشركات الأدوية تتسابق الآن من أجل تحسين منتجاتها؛ حتى يقللوا من هذه الآثار الجانبية - خاصة زيادة الوزن -.

زيادة الوزن مع (الفافرين) أقل بكثير من بقية الأدوية، وربما يكون عقار (بروزاك) هو العقار الوحيد الذي يُساوي (الفافرين)، أو أقل منه من حيث تسببه بزيادة الوزن، وهنالك حقيقة مهمة جدًّا، وهي: أن زيادة الوزن يمكن مواجهتها منذ بداية العلاج، وذلك من خلال: تغيير نمط الحياة، وترتيب النظام الغذائي، وممارسة الرياضة، والزيادة دائمًا تحدث في الأربعة الأشهر الأولى، ثم تتوقف تمامًا بعد ذلك.

فيا أخي الكريم: حاول أن توازن الأمر بنفسك، وإن أردت أن تستبدل (الفافرين) فليس أمامنا غير (البروزاك)، ويمكن أن يكون بديلاً مناسبًا.

هنالك آليات أخرى, مثل أن يقوم بعض الأطباء بإضافة دواء (توباماكس) كمقلل للشهية، وبعض الأطباء يعطي أيضًا عقار (متفورمين) الذي هو في الأصل دواء يستعمل لعلاج مرض السكر, وتنظيم السكر في الدم.

لكني لا أدعو لمثل هذه الخطوات إلا إذا كان الإنسان تحت الإشراف الطبي المباشر، وهناك عدد من الإخوة الذين يترددون عليَّ لأجل هذه العلاجات، وألاحظ أن معظمهم في تحسن جيد, وتحكم في أوزانهم.

بالنسبة للنقطة الثانية: أولاً قناعتك بأنك يمكن أن تقود ذاتك يجب أن تكون ناشئة من السياق القرآني: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} هذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية: لا تفرض رقابة صارمة على ذاتك من حيث التفكير الوسواسي؛ لأن الوساوس تقودك إلى متاهات كثيرة جدًا؛ لذا فليحاول الإنسان أن يصرف انتباهه بقدر المستطاع، وألا يدخل في حوار وساوسي مع نفسه أبدًا.

التوازن بين العقل الباطني والظاهري والعاطفي هو أن يسعى الإنسان للوسطية في كل شيء، فهنالك أشياء تحت الإرادة المطلقة، وهناك أشياء تحت الإرادة الجزئية، وهناك أشياء ليست تحت إرادة الإنسان، ولا أريد أن أخوض في موضوع العقل الباطني كثيرًا؛ لأنه سوف يُدخلنا في أمور قد لا تكون قائمة على الدليل أو البرهان أو العلمية.

قُدْ نفسك من خلال قناعتك أنك تستطيع أن تقوم بذلك؛ لأن الله - تعالى - قد منحنا وأعطانا ووهبنا الآليات والطرق والقدرة والإرادة التي نستطيع من خلالها أن نُدير وأن نغير أنفسنا، مع ضرورة وأهمية مصادمة الحوار الوسواسي دائمًا - وأعتقد أن مشكلة الناس أنها تحاور نفسها وسواسيًا -.

برنامج صرف أو هزيمة الوساوس القهرية يقوم على معالجات فكرية معرفية - مثل التي تحدثنا عنها – وهي تقوم على مبدأ تحقير الوساوس، استبدالها بفكر أو فعل مضاد، وضرورة أن يعرف الإنسان أن المكونات العلاجية لا يمكن أن تكون سلوكية وحدها، بل لا بدَّ من العلاج الدوائي، ولا بدَّ من تغيير نمط الحياة – وهذا مهم – فالأخذ بالمجموعة العلاجية المتكاملة هو العلاج الأفضل لمن يعانون من الوساوس القهرية، وأنا أقول لك: كل الأبحاث تُشير إلى أن نسبة نجاح علاج الوساوس القهرية قبل ظهور الأدوية المضادة للوساوس كانت لا تتعدى عشرين بالمائة، أما الآن فنستطيع أن نقول: إن نسبة نجاح علاج الوساوس – بعد ظهور هذه الأدوية – أصبح يصل إلى ثمانين بالمائة - وهذه نسبة مبشرة جدًّا -.

ومن المحفزات الضرورية جدًّا للتحكم في الوساوس – وهذا أعتبره برنامجًا سلوكيًا أصيلاً – هو أن يعتبر الإنسان أي خطوةِ تحسن حدثت في حياته أمرًا متقدمًا جدًّا، ويجب أن يُتخذ حافزًا ذاتيًا، أي أن الشعور بالتحسن ذاتي، واعتبار ذلك والتأمل والتدبر والتفكر فيه يؤدي إلى المزيد من التحسن.

النقطة الأخيرة: لا تضع على نفسك رقابة صارمة - كما ذكرت لك – خاصة فيما يتعلق بالاندفاعات الوساوسية؛ لأن هذه تحاورك دائمًا بصورة معاندة جدًّا، وكثيرًا ما تكونالوسواس أذكى منا، فيجب أن نهزمها بالتجاهل.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية، والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً