الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كرهت القراءة وأصبت بالقلق والكآبة.. هل هو حسد؟ أم ضعف إيمان؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب عمري 16 سنة, قبل عام تقريبا كنت قوي الشخصية، ثاقب العقل والفكر، متفوقا في دراستي، سعيدا، منهمكا في حفظ القرآن الكريم، وأحب العلم كثيرا حتى أني أسهر حتى الصباح بالقراءة, ومحافظا على الصلوات في المسجد، وكنت متفوقا في كل شيء - بحمد الله تعالى-, إلا أنني فجأة بدأت أشعر بوساوس تأتيني, فتسبب لي الإزعاج كثيرا، مع أنني أقرأ الأوراد والأذكار, ثم بدأت أشعر بالكآبة، وفقد الثقة بالنفس، وعدم حب القراءة, والتفكير المستمر, والقلق, وقلة النوم, والخوف, والتعنيف الشديد لذاتي, والنسيان وضعف التركيز, والتوتر والغضب السريع, وأشعر بضغط كبير على صدري، وبسخونة جسمي، وخاصة عند تلاوة القرآن، وذكر الله تعالى.

علما بأنه ليس لدي أصدقاء أتكلم معهم لانحراف أكثرهم, وأيضا فإني قد خرجت من سوريا إلى مصر للظروف السيئة هناك بعد أن اعتقلوا والدي وأخي, ودخلوا المنزل أكثر من مرة, وأنا أخشى على نفسي من السوء والتراجع, وأريد أن أعود كما كنت عليه من قبل, وأريد أن أعرف السبب الأصلي في حدوث تلك الأمور، هل هو من تقصير مني؟ أم حسد أو سحر؟ وهل الإصابة بالسحر مثلا لضعف في إيماني أم لقوة؟

أفيدوني بالعلاج، فأنا بحاجة ماسة, وأشعر بأني في تراجع شديد إلى الوراء.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سارية حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله تعالى أن يفرج على أبيك وأخيك، وكل المأسورين في سوريا.

نحن قطعًا نتعاطف معك كثيرًا لعدة أسباب، فأنت بفضل من الله تعالى شخصي متميز ومتفوق ومجتهد في دراستك لكتاب الله تعالى، نسأل الله تعالى أن يزيدك علمًا ونورًا وفقهًا وقوة.

الوساوس هي نوع من القلق النفسي، وتأتي لجميع الناس، وتكون متفاوتة في شدتها وفي قوتها، والوساوس في مثل عمرك غالبًا هي مرحلية، بمعنى أنها عابرة - إن شاء الله تعالى - .

الوساوس كثيرًا ما يصحبها أيضًا نوعًا من الاكتئاب والشعور بالكدر، وهذا كله - أيها الفاضل الكريم – يجعل الإنسان يعيش في حالة من التخوف واهتزاز الثقة بنفسه، خاصة إنسان مثلك له قيم معينة، وضوابط معينة، ومستوى معين يريد أن يحافظ عليه، فحين تأتيه هذه الهموم، وهذه الضغوطات النفسية تسبب له المزيد من القلق والمزيد من الكآبة.

هذا هو التفسير لحالتك، ولا شك أن الظروف المحيطة بكم في سوريا ظروف مقدرة جدًّا، وتلعب دورًا رئيسيًا في حدوث هذه العلل النفسية التي أصابت الكثيرين.

لا أعتقد أن الموضوع له علاقة بالعين والسحر، أنا أؤمن بالعين والسحر تمامًا، وأنت - إن شاء الله تعالى – في حفظ الله ورعايته، حصّن نفسك، وهذا هو المطلوب، وليس أكثر من ذلك، حالتك هي حالة نفسية بسيطة جدًّا، نسميها بالقلق الوسواسي الذي أدى إلى اكتئاب ثانوي من النوع البسيط.

أنا أريدك أن تطمئن، وذلك من خلال: أن تذكّر نفسك أنك بالرغم من سنك الصغيرة، لكن رصيدك عال جدًّا - إن شاء الله تعالى – رصيدك في التقوى، رصيدك في المعرفة، رصيدك في التفوق، وهذا - إن شاء الله تعالى – يدفعك للمزيد من الإنجاز – هذا مهم جدًّا - .

الظروف التي تمر بها سوريا -إن شاءَ الله تعالى- هي أيضًا ظروف عابرة.

الكيان الرئيسي لنفسك متماسك، يعني مقدراتك المعرفية وذكاؤك والتزامك، هذه لا يستطيع أحد أن ينزعها منك أبدًا، موجودة، ثابتة، والاهتزاز الذي حدث لك الآن هو نسبة لحالة القلق النفسي المصحوب بالوساوس.

من الضروري جدًّا أن تنظم وقتك – هذا مهم – وتنظيم الوقت يعني أن تعطي كل شيء حقه، من حقك أن ترتاح، من حقك أن تمارس الرياضة، وبالطبع من واجبك أن تحافظ على صلواتك وعلى دراستك.

وبالنسبة لموضوع أنه ليس لك أصدقاء: التواصل الإنساني مهم جدًّا، وليس كل الناس أشرار، وأنت -الحمد لله تعالى- تستطيع أن تميز، فحاول أن تكون اجتماعيًا بعض الشيء، وأريدك أيضًا أن تمارس أي نوع من الرياضة، مثلاً رياضة كرة القدم مع مجموعة من الشباب، حتى وإن لم تتخذهم أصدقاء حقيقيين، فأنت تكون معهم في أوقات ممارسة الرياضة أعتبر أن ذلك أمرًا جيدًا.

لا مانع أن تستعمل أحد الأدوية التي تزيل الوساوس، وتحسن المزاج، أنت لست بحاجة لعلاج دوائي قوي، أو لمدة طويلة، هنالك عقار يعرف تجاريًا باسم (فلوزاك) – هكذا يسمى في مصر، واسمه العلمي هو: فلوكستين – يمكنك أن تتناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، تناوله بعد الأكل لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناوله.

وإذا أُتيحت فرصة مقابلة طبيب نفسي، فهذا أيضًا أمر جيد، لكن حالتك - إن شاء الله تعالى – مفهومة ومعروفة، وأرجو أن تسير على الخُطى التي وصفتها لك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً