الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أشعر بأني لست أنثى إلا بالجسد

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

منذ ولادتي وأنا أشعر بأني لست أنثى بأي شيء ما عدا الجسم، علماً أن لدي أخوات بنات، وجدوا أن لدي تكسراً في الدم، قالوا بأنه نادراً ما يحصل للأنثى، وبعدها بسنوات كان أهلي يقولون دائماً إن هرموناتي الذكورية أكثر، الآن منذ سنة تقريباً أشعر بدوار مفاجئ، مع ألم في أعضائي التناسلية، وهذه الحالة استمرت سنة تقريباً مع انقطاع الألم المفاجئ ثم يعود، وأحياناً يظل الألم يوماً كاملاً، وهنالك مادة تنزل مني أحياناً تشبه الماء ورائحتها كالعجين، فما السبب؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ مي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أتفهم مشاعرك -أيتها الابنة العزيزة-، فكثيراً ما يكون للمرض العضوي تأثيرات نفسية على الشخص لا تقل أهمية عن التأثيرات العضوية، وهذا ما حدث عندك، والاتجاه الحديث في المعالجة الطبية للحالات المرضية المزمنة مثل حالتك بدأ يركز على الجانب النفسي بشكل كبير، إلى جانب العلاج المعتاد، بحيث يتفهم المريض حالته ويتقبلها نفسياً، فعندما يعرف المريض أو المريضة الحالة الطبية ويتفهمها، فإن ذلك سيساعده كثيراً في تقبل الحالة والتعايش معها خاصة إن كانت مزمنة، بل ويكون له دور إيجابي بحيث يتحول إلى مصدر عون للآخرين المصابين مثله بالحالة نفسها.

ما حدث لك -يا ابنتي- هو أنك ومنذ طفولتك بل ومنذ وعيت على هذا الحياة، وبسبب إصابتك بمرض انحلال الدم (الفوال) فإنك تسمعين كلاماً يتكرر وباستمرار، مفاده أن هذه الحالة تصيب الذكور فقط ونادراً جداً ما تصيب الإناث، وهذا الكلام كان وما يزال يتكرر باستمرار أمامك، والنتيجة التي حدثت من جراء تكراره أمامك هي أن عقلك الباطن قد أخذ هذه المعلومة وخزنها، إلى أن تطورت وأصبحت بالنسبة لك شعوراً حقيقياً بل وبديهياً، فعقلك يقول لك بأن المرض لا يمكن أن يصيب إلا الذكور، وأنت مصابة بالمرض، لذلك فلابد أن تكوني ذكراً وليس أنثى، ومن هنا بدأت تنظرين إلى نفسك ومن دون أن تشعري -وبشكل غير إرادي بالطبع- على أنك ذكر، بالرغم من كل مظاهر الأنوثة التي ظهرت عليك بعد البلوغ، ببساطه هذا ما حدث لك، وهذه هي مشكلتك الحقيقية، فهي مشكلة مكتسبة سببها سلوك الآخرين وكلامهم عن حالتك أمامك بكثرة وأنت صغيرة.

والحل -أيتها العزيزة- يبدأ بأن تعرفي بعض الحقائق عن هذا المرض، بحيث تغيرين نظرتك عن نفسك، فالمرض يصيب الإناث لكنه يصيب الذكور أكثر، والسبب في ذلك هو أن المرض ينتقل عن طريق مورثة تتموضع على الصبغي الجنسي الأنثوي X، والذكر يحمل في خلاياه صبغي واحد فقط من هذا النوع يأتيه من أمه فقط، بينما خلايا الأنثى تحوي على صبغيين من النوع X واحد من الأم والآخر من الأب، الصيغة الصبغية للذكر هيXY بينما الصيغة الصبغية للأنثى هي XX، لذلك إن وجدت مورثة هذا المرض (الفوال) على هذا الصبغي X عند الذكر، فسيظهر المرض بوضوح عنده لأنه ليس لديه صبغي آخر من النوع X ليعوض مكان المصاب.

أما عند الأنثى فإن وجدت مورثة المرض على صبغي واحد من X فإن الصبغي الآخر السليم سيعوض عن عمل المصاب، فلا تظهر لديها أعراض المرض رغم وجود المورثة لديها (وهنا نقول بانها حاملة للمرض)، وحتى تصاب الأنثى بالمرض يجب أن تكون مورثة المرض موجودة على كلا الصبغيين بالوقت نفسه؛ لأن مورثة تكسر الدم هي من النوع الذي نسميه باللغة الطبية (مورثة مقهورة) أي ضعيفة يلزم تواجد اثنتين منها لتظهر أعراض المرض، أي يجب إصابة الصبغيين بالوقت نفسه، ومن ناحية إحصائية، احتمال إصابة الصبغيين سيكون أقل بكثير من احتمال إصابة صبغي واحد، ومن هنا أتت المعلومة بأن إصابة الذكور هي أعلى من إصابة الإناث.

باختصار -يا ابنتي- ما أردت أن أوضحه لك هو نقطة هامة جداً في علاج حالتك، وفي تغيير نظرتك إلى نفسك، وهي أن المرض عندك ليس له علاقة بالذكر والأنثى، بل له علاقة بنوع مورثة المرض، فلو كانت مورثة هذا المرض من النوع المورثة القاهرة أو القوية لكانت نسبة إصابة الذكور كنسبة إصابة الإناث، ولما تحدث الناس أمامك بهذه الطريقة، ولما أصابك الشك في نفسك، وهنا أنتهزها فرصة وأنصحك بأن تقرئي أكثر عن حالتك، فهذا سيفيدك في فهمها وتقبلها، بل وفي تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عنها والمتداولة بكثرة، وقد تكونين بمعلوماتك عوناً لغيرك من الفتيات المصابات بالحالة نفسها.

أما بالنسبة للأعراض التي تحدث عندك، وهي الدوار والألم في الأعضاء التناسلية، فقد يكون لها علاقة بالتكسر؛ لأن هذا المرض يسبب نوبات انحلال في الدم، قد لا يكون سببها دائماً تناول الفول، بل أسباب عديدة أخرى منها: تناول بعض الأدوية، أو الإصابة بالتهاب في مكان ما من الجسم، أو حتى قد لا يكون السبب واضحاً، فإن كانت قد اختفت فهذا يعني بأن نوبة الانحلال قد زالت، ولكن يجب دوماً أن تكون لديك متابعة دورية مع طبيبة الباطنة حتى لو لم يكن لديك أية أعراض، لعمل تحليل لقوة الدم خشية أن تحدث نوبات ولا تشخص، فتسبب لك فقر دم مستمر-لا قدر الله-.

بالنسبة للإفرازات المهبلية، فهي إفرازات طبيعية تحدث عند كل النساء، وقد ظهرت عندك الآن؛ لأن المبيض قد اكتمل نضجه، وهذا دليل آخر على أنك أنثى كاملة وناضجة مثل بقية النساء -إن شاء الله-، والرائحة التي تشبه العجين سببها أن هذه الإفرازات تمر عبر المهبل، الذي بدأ يتغير عندك أيضاً بفعل نضج المبيض ليصبح ذا بيئة حامضية ستفيد في منع حدوث الالتهابات -إن شاء الله-.

إذن –يا عزيزتي- إن شكل الإفرازات ورائحتها هو شكل طبيعي، ولا يدل على وجود التهاب، بل يدل على أنك قد دخلت مرحلة جديدة من حياتك هي مرحلة الأنوثة الكاملة، وأن جهازك التناسلي قد أصبح جاهزاً للحمل والإنجاب عندما يكتب لك الله عز وجل الزواج.

أتمنى لك دوام الصحة والعافية دائماً.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً