الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفضل علاج للوسواس القهري في الدين الإعراض عنه

السؤال

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته

أرجو المساعدة فأنا أمر بحالة غريبة، فلقد أصيبت منذ عشر سنوات بوسواس قهري في الدين، وكاد أن يدمرني في بداية الأمر، واستمر معي ولكن خفت حدته، ولكني حاولت أن أتعايش معه واستمرت حياتي -ولله الحمد- ولكن دون سعادة كاملة، أنا أتعامل معه ولكن لست سعيدا تماما، ولم أذهب لأي طبيب، ولم أستشر أحدا.

ولكن حاليا لا أعرف سبب الحالة التي أنا فيها؛ فأنا متضايق جدا ليس من الوسواس ولكني أشعر بأني سوف أموت وأترك أولادي، بالإضافة إلى ضغط خلف رأسي لا أعرف أن أحدد نوعه، هل هو شد أم تنميل أم ماذا؟ يتجه ناحية اليسار، وأحيانا أشعر بحركات لا إرادية ناحية فمي، يضاف إلى ذلك شبه زغللة بالعين، وقليل من عدم الاتزان، أصبحت على وشك أن أترك عملي وأرجع إلى بلدي، فأنا مقيم في السعودية، قرأت على النت أن هناك بعض العلاجات الجيدة مثل: (ليستال) ولكنه أتعب لي رأسي جدا، وقمت بوقفه وأحيانا أشعر بدوخة بسيطة، وأشعر أنني أوشكت أن أترك الحياة ولن أستطيع أن أكمل حياتي.

أخيرا أود أن أوضح أن ضغطي حاليا 140-90، فهو مستمر على ذلك وبدأت في أخذ علاج للضغط.

أرجوكم ساعدوني وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، وأنا سعيد جدًّا أنك أرسلت استشارتك هذه مستفسرًا عن علة الوساوس القهرية التي تعاني منها، وما سببته لك من أزمات نفسية وشعور بالكدر والكرب وعدم الارتياح، وما تعاني منه من أعراض جسدية أعتبرها بسيطة.

أخي الكريم: يجب أن نتفق على أمر واحد من البداية، وهو أنه وبفضل من الله تعالى أن الوساوس القهرية الآن يمكن علاجها وعلاجها بصورة فعّالة جدًّا، وأمامنا أدوية ممتازة وسليمة يجب ألا يحرم الإنسان نفسه منها.

وبجانب الأدوية توجد علاجات سلوكية، لكن الأدوية تعتبر هي مفتاح كل شيء الآن فيما يخص التداوي.

أيهَا الفاضل الكريم: ليس هنالك ما يدعوك لأن تترك عملك وترجع لبلدك، الإنسان لا يحل مشكلة بمشكلة أخرى، خاصة أنني ذكرت لك أن حالتك هذه يمكن علاجها مائة بالمائة.

الذي أريدك أن تتخذه من خطوات هو أن تذهب إلى طبيب عمومي مثل طبيب الأسرة أو الطبيب في المركز الصحي أو في أي مستوصف لإجراء فحوصات عامة: تتأكد من مستوى الدم، ووظائف الكبد، ووظائف الكلى، والدهنيات والسكر، ووظائف الغدة الدرقية، وهذا يجعلنا في وضع نكون قد بدأنا بداية صحيحة، وذلك من خلال بناء قاعدة طبية رصينة ننطلق منها.

بعد أن نتأكد على سلامتك الجسدية، ضغط الدم يجب أن يُقاس مرة أخرى، ربما يكون هذا الارتفاع البسيط ارتفاعًا انفعاليًا، لكن إن كان لديك تاريخًا أسريًا لارتفاع ضغط الدم فيجب أن تكون حريصًا وتراقب ضغط الدم لديك، وإن ظل على هذه الحالة يجب أن يعالج، وعلاجه سهل وبسيط جدًّا.

أما بالنسبة للوساوس القهري، فإن استطعت أن تذهب إلى الطبيب النفسي فهذا أمرًا جيدًا، وإن لم تستطع فلا بأس ولا حرج في ذلك، كل المطلوب منك هو أن تذهب إلى الصيدلية وتسأل عن دواء يسمى (فافرين Faverin) ويسمى علميًا باسم (فلوفوكسامين Fluvoxamine) وهو من أفضل الأدوية التي تعالج الوساوس القهرية وتحسن المزاج بدرجة كبيرة، لكن يجب أن تصبر عليه؛ لأن فعاليته بطيئة بعض الشيء، وهذه الفعالية تتم من خلال بناء كيميائي معين، والتأثير يأتي من أن الفافرين يؤدي إلى تعديل كامل في مسار أحد الموصلات العصبية الموجودة في الدماغ والذي يسمى بـ (سيروتونين Serotonin) والذي يُعتقد لدرجة كبيرة أن اضطرابه هو الذي يؤدي إلى الشعور بالوساوس والمخاوف والاكتئاب النفسي.

جرعة الفافرين تبدأ بخمسين مليجرامًا، تناولها ليلاً بعد الأكل، استمر عليها لمدة أسبوعين، بعد ذلك اجعل الجرعة مائة مليجرام ليلاً واستمر عليها لمدة شهر، ثم اجعل الجرعة مائتي مليجرام يوميًا، وهذه هي الجرعة العلاجية المطلوبة في حالتك، يمكن أن تتناولها كجرعة واحدة ليلاً –أي مائتي مليجرام– أو تجعلها مائة مليجرام صباحًا ومثلها مساءً.

هذه الجرعة يجب أن تستمر عليها لمدة ستة أشهر، وهذه نسميها بمرحلة العلاج المكثف، بعد ذلك تنتقل لمرحلة الوقاية، وهي أن تخفض جرعة الفافرين إلى مائة مليجرام، تستمر عليها لمدة ستة أشهر أخرى، وهذه ليست مدة طويلة أبدًا.

بعد ذلك تخفض الجرعة إلى خمسين مليجرامًا ليلاً لمدة شهرين، ثم خمسين مليجرامًا يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

إن شاء الله تعالى –أخِي الكريم– سوف تحس بفائدة عظيمة من شهرين إلى ثلاثة بعد أن تبدأ في تناول الدواء؛ لأن هذا الدواء -كما ذكرت لك– يعمل من خلال البناء الكيميائي، وإن شاء الله تعالى بعد أن تحس بالتحسن المزاجي وأن حدة الوساوس قد قلَّت وأنها بدأت في التفكك؛ هنا يجب أن تدفع نفسك دفعًا لتحقير هذه الوساوس وعدم اتباعها، ولا تناقش الوسواس، خاصة الوسواس الذي يتعلق بأمور الدين.

والوساوس أصابت خير القرون، فقد أتى بعض الصحابة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم– يشكون، فقال أحدهم: (يا رسول الله، لزوال السموات والأرض أحب إليَّ من أن أتكلم به) كان يعني الوسواس الكفرية، لذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم–: (الله أكبر، أوجدتموه؟! ذلك صريح الإيمان) وقال أيضًا: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) يعني الوساوس التي تتحدث عن الذات الإلهية، هذه وساوس شائعة وكثيرة ومؤلمة.

هؤلاء الصحابة ذهبوا من مجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم– وهم مطمئنون، بعد أن بشرهم المصطفى بأن ذلك صريح الإيمان، ونصحهم بأنه إذا وجد ذلك أحدهم بقوله: (فليستعذ بالله ولينته).

وقد علمنا الرسول -صلى الله عليه وسلم– أن الإنسان إذا وجد في نفسه شيئًا من هذه الوساوس فليقل: (آمنت بالله) ثم لينته، لا تناقشها أبدًا، لا تفاوضها، إنما حقّرها وارفضها.

أخي الفاضل الكريم: كجزء من العلاج النفسي العام يجب أن تكون متواصلاً مع أصدقائك، احرص على صلاة الجماعة، مارس الرياضة، كن فعّالاً في عملك، وطور ذاتك ومهاراتك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، ونسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً