الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفكار مشتتة ووساوس قهرية ساعدوني في التخلص منها.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا رجل أبلغ من العمر 46 عاما، متزوج ولدي طفلان، أحمل شهادة في الهندسة المدنية، وعاطل عن العمل حالياً.

أحب الانعزال، مع أني ودود ولبق اجتماعياً، وأرجع هذا لأنني لا أحب مواجهة الناس، لأني لم أحقق شيئا يذكر على الصعيد العملي، وليس لدي علاقات اجتماعية تذكر.

أنا منذ زمن مشتت الأفكار، غير واضح الهدف، أمتلك في ذهني العديد من أفكارالمشاريع، ولكن دوما أجد سببا لعدم التنفيذ حتى في مجال اختصاصي، فأنا لا أمتلك الخبرة الكافية، قمت منذ فترة بتأسيس شركة للمؤتمرات، وبدأت العمل بشكل جيد أبهر أمثالي، ولكن للأسف فشل المشروع، ولم أستطع متابعته لعدة أسباب: منها المادي، وبسبب بعض الأخطاء، وأخيرا بسبب الأزمة التي عصفت بنا في سوريا، وأشعر بأنني لا أستطيع أن اقوم بمشروع وحدي.

أعاني من الشخصية الوسواسية، وأسعى للكمال في كل ما أريد (على سبيل المثال إذا كنت مهتما بموضوع ما أقوم بتجميع كافة المعلومات وبشكل مفرط عن الموضوع، وأجد بعد ذلك صعوبة شديدة في قراءة هذه المعلومات وتنفيذها)، وأبحث عن معلومات إضافية أخرى، وهكذا، لدرجة أنه أصبح لدي موسوعات كاملة عن المواضيع التي أبحث فيها، ولكن دون فائدة؛ فهي ملفات محفوظة فقط.

أخاف على أطفالي، وأتعبهم بكثرة الملاحظات حول النظافة، فأنا أكرر عليهم أوامر غسل اليدين أكثر من 25 مرة في اليوم، هذا على سبيل المثال لا الحصر، ناهيك عن كثرة التنبيهات حول الخوف من إيذاء أنفسهم، والكثير.

تقوم زوجتي حاليا بدفع مصاريف الأسرة باعتباري عاطلا عن العمل -حيث كانت تشارك بالمصروف منذ بداية زواجنا-.

أنا لست سعيدا، وليس لدي عواطف تحركني نحو أي هدف، ويزداد اعتقادي بأني لا أستطيع أن أعمل أي شيء، ووجودي ليس له معنى.

قمت بزيارة طبيب نفسي؛ حيث قدم لي عددا من النصائح، ووصف لي دواء البروزاك 20 ملغ حبتين يوميا، منذ حوالي سنة، استمررت على الدواء وشعرت بتحسن قليل بعد حوالي شهرين، واستمر التحسن ببطء شديد حتى لم أعد أشعر بأي تحسن بعد انقضاء 6 أشهر، ثم توقفت عن الدواء، فهل يمكن أن تساعدوني في حالتي هذه؟ وهل يمكن أن أعود لتناول البروزاك، وهل يمكن استعماله مدى الحياة؟

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ سامي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فنسأل الله تعالى أن يفرج عن أهلنا في سوريا، وأن يفرج الكرب عن جميع المسلمين والمسلمات.

أيها -الفاضل الكريم-: أنا أعتقد أن مشكلتك الرئيسية هي الوسواس القهري، الوسواس القهري خاصة بالنسبة للإنسان المهني مؤلم جدًّا؛ لأن الوسواس أحد إشكالياته أنه يطالبك بالدقة وبالكمال، وفي ذات الوقت يراوغ ويحاور، ويعطي الإنسان الشعور بأنه حقيقي، وهذا كله يؤدي إلى شعور بالاكتئاب وافتقاد الراحة النفسية، وهذا قطعًا كله يصب في خانة أن ينظر الإنسان لنفسه بسلبية شديدة، وهذا قطعًا يزيد الطين بلة.

أنا أرى أنك بالفعل في حاجة للعلاج الدوائي، وأعتقد أن علاج (بروزاك) والذي يعرف علميًا باسم (فلوكستين) دواء ممتاز، لكنك لم تأخذه بالجرعة الكافية، عشرون مليجرامًا لا تكفي أبدًا لعلاج الوساوس القهرية، البروزاك يمكن أن تكون جرعته حتى ثمانين مليجرامًا في اليوم، وهذه إشكالية كبيرة -أي موضوع الجرعة-.

فيا -أيهَا الفاضل الكريم-: ابدأ في تناول الدواء مباشرة الآن، تناوله يوميًا لمدة أسبوعين بجرعة عشرين مليجرامًا، ثم بعد ذلك اجعل الجرعة كبسولتين، وهذه هي الجرعة الصحيحة في حالتك والتي يجب أن تستمر عليها بانتظام شديد، راقب نفسك لمدة شهرين وأنت على جرعة الكبسولتين، إذا كان هنالك تحسن بنسبة خمسين إلى ستين بالمائة فهذا هو الأمر الذي نأمله ونبتغيه، وهذا أمر جيد، فاستمر على الجرعة على نفس النسق لمدة عام على الأقل، بعد ذلك خفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم اجعلها كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

أما إذا لم يحصل لك تحسن بعد تناول الكبسولتين فأعتقد أنه يمكن أن ترفع الجرعة إلى ثلاث كبسولات في اليوم، تتناول كبسولة في الصباح وكبسولتين ليلاً، وراقب نفسك، إذا تحسنت بعد مضي شهر أو شهرين وأنت على هذه الجرعة فهذا أمر جيد، وهذا هو المطلوب، وإذا لم تتحسن فهذا يعني أنك لن تستفيد كثيرًا من البروزاك، ويجب أن تذهب وتقابل الطبيب مرة أخرى لاستبداله بدواء آخر.

أما إذا حصل تحسن على جرعة الثلاث كبسولات فاستمر عليها لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها واجعلها كبسولتين في اليوم لمدة عام، ثم اجعلها كبسولة واحدة لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر.

أيها -الفاضل الكريم-: موضوع التردد هو فعلاً إشكالية، لكن حين تنحسر أعراض الوسواس -إن شاء الله تعالى- سوف يقل جانب التردد، وحاول دائمًا أن تستفيد وتستعين بالاستخارة، فهي مهمة في أمر المؤمن، وتساعد الإنسان على القضاء على التردد.

لا بد أن تستفيد مما مضى، وتسعى لأن تعيش الحاضر بقوة والمستقبل بأمل ورجاء، أنت رجل لديك المؤهل، لديك الأسرة، لديك الزوجة، لديك الذرية، فلا بد أن تفكر بصورة أكثر إيجابية، وهذا هو المطلوب في حالتك.

الدخول في مشاريع أن تفشل أو تنجح: هذه هي سنة الحياة، وكثير من الناس ما دخلوا على النجاح إلا من باب الفشل، دائمًا يذكر المثال عن أديسون -مخترع الكهرباء- كم مرة حاول، وحاول مئات المرات، ثم بعد ذلك استطاع -وبفضل من الله تعالى- اكتشف الكهرباء وأضاء لنا الليل والظلام.

فلا توقف محاولاتك أبدًا، واستخر واستشر -أيها الفاضل الكريم- ولا تحس بالذنب حيال مساعدة زوجتك للأسرة، فجزاها الله خيرًا هذا واجبها، لكن أنت في ذات الوقت لا بد أن تسعى وتقوم بدورك الوظائفي والخدمي والاقتصادي في شأن الأسرة، وأنت -إن شاء الله تعالى- لك المقدرة لذلك.

بالنسبة للبروزاك: هذا الدواء ظهر عام 1988 وأعرف من يتناوله حتى الآن دون أي إشكالية، فلا تنزعج حول مدة العلاج، وقطعًا لن تحتاج له طول الحياة -إن شاء الله تعالى- الإنسان يتغير وينضج، ومن خلال الممارسات الإيجابية في الحياة يستطيع الإنسان أن يشق طريقه بصورة ممتازة جدًّا دون حاجة للدواء.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً