الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس قهري يسيطر على أفكاري وأخشى من فعل أي شيء حرام.

السؤال

أعاني من وسواس قهري يسيطر على أفكاري يجعلني أخشى أن أفعل أي شيء حرام، وكل ذنب أقوم به أشعر بأني مهما فعلت لن أستطيع أن أبتعد عنه، رغم محاولاتي مع نفسي بإقناعها أني إذا توكلت على الله وقررت البعد عنه سوف يساعدني الله، ولكني لا أستطيع.

أنا الآن أعاني من عصبية، وقلة صبر شديدة، وأشعر بأني لا يجب أن أقوم بذلك، وأن هذا حرام، ولكني لا أستطيع، هل هذا بسبب الوسواس القهري وأنني لست مسيطرة عليه أم لا؟

أيضا عندما أذاكر أو أدخل امتحانا أشعر بأني سوف أنسى كل شيء وفعلا أنسى، وأشعر بعرق وتشاؤم واكتئاب ودوخة بسيطة، أنا خائفة أن يؤثر ذلك على مستواي الدراسي دائما، أيضا عندما أذهب للصلاة أو عندما أفعل أي شيء يرضي الله أشعر أني مجبرة عليه، وأكره أن أفعله رغم أنني لا أريد أن أعصي الله في أدق الأشياء، ويعلم الله هذا.

كنت أريد أن أعرف إذا حدث معي موقف سيء من شخص ما، وأخطأ في حقي، إذا قلت ما حدث لأمي أو صديقتي القريبة بهدف الفضفضة أو النصيحة، هل هذه غيبة؟ وإن كان شخصا لا يعرفونه لا أذكر اسمه، وإذا كانوا يعرفونه من دون أن أذكر اسمه سيعرفون على من أتحدث؛ وأنا أحتاج جدا أن أتحدث وأعبر عما بداخلي؛ لأني أتعب جدا، واكتئب من أقل شيء، وعندما أحكي لأحد أشعر براحة شديدة وكأن شيئا لم يكن.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Candy حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

شكرا لك على السؤال والكتابة إلينا.

طبعا كلنا يحتاج أن يتحدث ويفضفض لمن هو قريب منه عما في نفسه، وإلا تعب الإنسان، وربما هذا من أحد منافع أن خلقنا الله وعلمنا البيان {خلق الإنسان علمه البيان}.

نعم معظم ما ورد في سؤالك هو: نوع من الوسواس القهري، وخاصة في شكل "الشك" فيما قلتِ أو فيما فعلتِ.

والوسواس القهري: عبارة عن حالة من الأفكار والأعمال القهرية (وإن كان هذا الاسم الشائع)، له مضاعفات تجعل الموضوع يشكل على الكثير من الناس فيربطوه بوساوس الشيطان وغيرها؛ فلذلك أنت تعيدين التدقيق والتفتيش مجددا فيما فعلتِ أو قلتِ، وما هي إلا لحظات حتى تتشككي من جديد، فتعيدين التدقيق مرة ثانية، من باب "ليطمئن قلبي".

ولاشك أن لهذا علاقة بالحساسية الزائدة الموجودة عندك، وربما أن هذه الأعراض تشتد عندما تكونين منزعجة نفسيا.

ويفيد أن نذكر: أن هذه الأفكار الوسواسية ليست مؤشرا لأمر خطير سيحصل لك، أو لأحد أفراد أسرتك، بالرغم من إزعاج مثل هذه الأفكار، وقد لا يفيد كثيرا محاولة مقاومة هذه الأفكار، ولا تفيد المبالغة في دفعها، وربما الأكثر فائدة هي ترك هذه الأفكار تأخذ "دورتها" حتى تخفّ من نفسها، رويدا رويدا.

اطمئني من أن كل ما يدور في ذهنك من هذه الوساوس، وربما غيرها كثير لم تذكريه لنا لخجلك منها، أو ارتباكك من ذكرها، إنما هي أفكار قهرية لا إرادية، وهي مجرد مرض نفسيّ، أو صعوبة نفسية قد تصيب الإنسان لسبب أو لآخر، كما يمكن لأمراض أخرى أن تصيب أعضاء أخرى من الجسم كالصدر والكبد والكلية... وكما أن لهذه الأمراض علاجات، فللوساوس وغيرها من الأمراض النفسية علاجات متعددة، دوائية ونفسية وسلوكية.

إن وضوح التشخيص، وفهم طبيعة الوسواس، من أول مراحل العلاج، وربما من دونه قد يستحيل العلاج، فتأكدي من أن ما لديك هي حالة من هذه الأعمال القهرية.

ويقوم العلاج على ثلاثة أمور:

الأول: العلاج النفسي المعرفي، وهو: عن طريق تغيير القناعات والأفكار المصاحبة للوسواس القهري، ويمكن مع هذه المعالجة المتخصصة أن تتغيّر هذه الأفكار ونستبدلها بأفكار أكثر صحة وسلامة، ويقوم على هذه المعالجة الطبيب النفسي المتدرب على هذا النوع من العلاج، أو الأخصائي النفسي المتخصص.

والعلاج الثاني هو: العلاج السلوكي، وهو: عن طريق تعريض المصاب للفكرة القهرية التي تراوده، ومن ثم منعه من القيام بالعمل القهري، فمثلا: منعك من إعادة العمل بعد القيام به، وستلاحظين بعد فترة قصيرة أنك لم تعودي تتشككي في أعمالك، وهناك من يجمع بين العلاجين المعرفي والسلوكي بحيث يستفيد من إيجابيات كل منهما معا.

والعلاج الثالث: وهو في الواقع لا يغني عن السابق؛ إلا أنه يساعد كثيرا في تخفيف شدة الأعراض، ويساعد الشخص على التكيّف المناسب، وهو: العلاج الدوائي، بأن يصف الطبيب النفسي أحد الأدوية المضادة للاكتئاب؛ لأنه وُجد من خلال التجربة أن مضادات الاكتئاب تحسّن شدة وطبيعة الأفكار الوسواسية والأعمال القهرية، ولابد من متابعة هذا العلاج الدوائي مع الطبيب النفسي؛ لأن استعمال الأدوية المضادة للاكتئاب يحتاج إلى المتابعة القريبة من قبل المتخصص.

وأنصحك بمراجعة طبيب نفسي حيث يقوم هذا الطبيب بأخذ القصة كاملة، ومعرفة الأمور الكثيرة والتي لم تخبرينا عنها كنمط الحياة، وعلاقاتك الأسرية والاجتماعية، وتاريخ طفولتك، وطبيعة حياتك اليومية.... ومن ثم يمكن لهذا الطبيب النفسي أن يقوم بعد التشخيص بالعلاج المطلوب.

وفقك الله وكتب لك التعافي.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً