الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصابني وسواس في قدرة الله على الشفاء أثر على عباداتي.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا أبوعبيدة، عمري 20عاما، أعاني من مرض الوسواس في وجود الله عز وجل وقدرته، أنا ولله الحمد والفضل شاب مستقيم، وأخشى الله في جميع أفعالي، وأحب الله، وكنت أشعر بالسعادة عندما أعمل أي شيء فيه خير.

لكن قبل ثلاثة أسابيع كنت في المسجد في صلاة القيام، وكنت مريضا بألم في البطن، وكنت غاضبا (زعلان) بسبب هذا الألم؛ لاني لا استطيع القيام والصيام مثل السنين السابقة، أو الأيام الأولى، وجاء الشيطان ليستغل ضعف الحالة التي أنا بها، وقال لي: أنت مريض ولن تشفى أبدا، ولن تستطيع أن تقوم بعبادتك مثل الأول، فأجبته: بأن الله هو الشافي، فقال لي -والله المستعان-: كيف يستطيع أن يشفيك، وأصبح يلقي شبها داخلي حتي أحسست بضيق غريب، ونفور من الصلاة؛ خوفا من هذه الأفكار.

رجعت إلى منزلي وأنا أبكي خوفا من هذه الأفكار؛ لأني كنت مريضا بها فما سبق، يعني: قبل سنتين، ولكن شفيت منها في ثلاثة أشهر، بعد معاناة وصبر وعلاج شرعي وطبي، فخفت أن ترجع لي الحالة، وبالفعل رجعت لكن الآن أنا أحاول ألا أستسلم لها، وأن أمارس حياتي، لكن في داخلي شيء يتعبني، كلما أذكر الله، كلما أصلي، كلما أضحك.

أنا خائف أن تستمر معي هذه الحالة طويلا، والله أنا أحب الله ورسوله.

وجزاكم الله خيرا، وأرجو الرد، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ابو عبيدة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

هذه الوساوس تأتي كثيرًا للطيبين وللمستقيمين ولمن هم حريصين على دينهم، هذا نشاهده ونراه كثيرًا، ويظهر أن الشيطان يطاردنا وسوف يظل على هذه الشاكلة، لكن كيده -بإذن الله تعالى– ضعيف، وهو مهزوم وخاسر.

أيها الفاضل الكريم: الوساوس القهرية ليست دليلاً على ضعف إيمانك أبدًا، بل -إن شاء الله تعالى– هي: من صريح الإيمان كما أشار إلى ذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم– حين سأله واشتكى إليه أحد الصحابة، في أنه يأتيه إلى نفسه ما لا يستطيع أن يقوله أو قال الصحابي: (والله لزوال السموات والأرض خير من أن أقول ما يأتيني في نفسي) وكانت هذه هي الوساوس.

أيها الفاضل الكريم: تعرف أن الوساوس ذات المحتوى الديني كثيرة؛ لأن الوساوس أصلاً هي: عملية فكرية تطارد الناس في أمور حساسة جدًّا حول معتقداتهم، أو الأمور الجنسية، أو شيء من هذا القبيل، أصلها الشيطان ومنشأها الشيطان، وإن شاء الله تعالى كيد الشيطان ضعيف وضعيف جدًّا، فليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.

أذكرك -أيها الفاضل الكريم– بالحديث الذي ورد عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (يأتي الشيطان إلى أحدكم ويقول: من خلق هذا ومن خلق هذا؟ حتى يقول: من خلق الله؟) فإذا كان هذا فقل: (آمنت بالله ثم انتهِ) أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-.

فهذا دليل ودلالة قاطعة على أن الوساوس موجودة، قال تعالى: {قل أعوذ برب الناس * ملك الناس * إله الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس * من الجنة والناس}.

هذا هو التفسير لحالتك، وأرجو أن يكون هذا التفسير مطمئنًا لك.

بعد ذلك ما هو العلاج؟ العلاج:

أولاً: أن تعرف أن هذه وساوس قهرية، وأنها ابتلاء بسيط -إن شاء الله تعالى– وأنها -إن شاء الله تعالى– دليل على قوة إيمانك، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى: من المهم جدًّا ألا تحاور الوساوس، وأنت وقعت فيما نسميه بالحوار الوسواسي، أوردت هذا وعبرت عنه بصورة جميلة جدًّا -حسب ما لاحظته في رسالتك– هذا نسميه بالحوار الوسواسي، والحوار الوسواسي يوطد ويقوي من الوسواس، لذا نقول للإخوة والأخوات: حين تأتيك هذه الأفكار خاطب الفكرة مباشرة وقل لها: (أنت وساوس لعينة، لن أناقشك أبدًا، أنت تحت قدمي) أي أن تلجأ للتحقير والتجاهل التام والصد، هذا هو المطلوب، وهذا من الأسس العلاجية المهمة جدًّا؛ لأن الإنسان يعرض نفسه لمصدر وساوسه ولكن لا يستجيب لها، هذه هي الطريقة الصحيحة والطريقة المهمة.

النقطة الأخرى –وهي بشرى كبرى أريد أن أزفها لك-: لقد ثبت وبما لا يدع مجالاً للشك أن معظم الوساوس التي تأتي للناس الآن هي وساوس طبية، الوساوس الشيطانية موجودة، لكن دائمًا تكون حول الشهوات وأمور من هذا القبيل، والنص القرآني واضح في محاربتها {من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور الناس} فالمؤمن يجب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويسلم أمره إلى الله، وينتهي، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فليستعذ بالله ولينته) وهذا يجعل الشيطان يخنس، يصمت، ينتهي، يختفي -إن شاء الله تعالى-.

لكن في بعض الحالات آثار الشيطان قد تبقى من خلال بعض المتغيرات الكيميائية التي تحدث في الدماغ، هناك مواد نسميها بالموصلات العصبية، منها: مادة تسمى بمادة السيروتونين، اتضح وبما لا يدع مجالا للشك أن هناك تذبذبا بل اضطراب في إفراز هذه المادة بالنسبة للذين يصابون بالوسواس القهري، لذا من فضل الله تعالى اكتُشفت الآن –أو منذ مدة حاولي عشرين أو خمسة وعشرين سنة- أدوية فعالة جدًّا لتنظيم هذه المادة مما يجعل الوساوس تختفي تمامًا.

فيا أيها الفاضل الكريم: إن تمكنت أن تذهب إلى طبيب نفسي سوف يقوم -إن شاء الله تعالى– بوصف العلاج اللازم لك، وإن لم تستطع فهناك دواء معروف جدًّا باسم (بروزاك) والذي يعرف علميًا باسم (فلوكستين) ربما تتحصل عليه تحت مسمى تجاري آخر في ليبيا، تحصل على هذا الدواء –وهو دواء سليم، فعال، وغير إدماني– ابدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم -وقوة الكبسولة هي عشرين مليجرامًا– تناولها ليلاً بعد الأكل، استمر عليها لمدة أسبوعين، بعد ذلك اجعلها كبسولتين في اليوم، استمر عليها لمدة شهر، ثم اجعلها ثلاثة كبسولات في اليوم، تناول كبسولة في الصباح وكبسولتين ليلاً، استمر على هذه الجرعة لمدة شهرين، ثم خفضها إلى كبسولتين في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم خفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها كبسولة يومًا بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

هذا الدواء دواء طيب وجيد وفاعل، وتوجد أدوية أخرى، وإن شاء الله تعالى يبدأ التحسن من ستة إلى ثمانية أسابيع بعد بداية العلاج؛ لذا الالتزام بالعلاج الدوائي، والجرعة الموصوفة، والمدة المطلوبة، هو سر نجاح العلاج -بإذن الله تعالى-.

وأريد أن أنصحك -أيها الفاضل الكريم– أيضًا: لا تجعل هذه الوساوس سببًا لصرفك عن حياتك، عش الحياة بكل قوة، بكل جمالياتها، تواصل اجتماعيًا، كن منتجًا، كن فعّالاً، احرص على عباداتك... هذا يهمّش هذه الوساوس ويجعلها ذات هشاشة وضعف وتنتهي، ويساعد على اختفائها -إن شاء الله تعالى-.

يسعدني تمامًا -أخي الكريم– أن تتواصل معنا في إسلام ويب، متى ما رأيت ذلك ضروريًا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً