الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل من خطوات لأتخلص من الرهاب؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولا: أحب أن أشكركم على جهودكم لتوجيه ونصح إخوانكم, فجزاكم الله خيرا.

ثانيا: أنا شاب أبلغ من العمر 21 سنة, طالب في الجامعة, كنت قد أصبت بنوبة هلع قبل عشر سنوات, وأنتم تعلمون جيدا توابعها من نوبات تأتي كل حين, بعد أول نوبة وقلق وكآبة؛ ذهبت -بعد 5 سنوات من حدوثها- إلى دكتور نفسي, ووصف لي (سيروكسات) 12.5, لمدة 6 أشهر, ثم تحولت بعدها إلى 25 ملجم, لمدة سنتين.

كنت أعاني بالإضافة للهلع من الرهاب الاجتماعي, لكن بعد استخدام الدواء خف كثيرا, ولم يكن قد زال الهلع, إذ إنه لا يأتي إلا عندما أكون مجهدا جدا في الليل, وكنت عند حدوث النوبة طبيعيا جدا, أعلم أنها نوبة وتذهب, وأصبر نفسي بأن الله سوف يأجرني.

أصبحت محافظا على الصلاة والأذكار ولله الحمد, قبل شهر ونصف تركت الدواء من تلقاء نفسي؛ لأنه فاتني الموعد, وحقيقة أنا لم أشعر بأعراض الانسحاب كما سمعت عنها أبدا, وكأن شيئا لم يتغير, وهأنا بعد شهر ونصف من الانقطاع بكامل عافيتي -ولله المنة والفضل-.

أنا هنا أريد الحل الشافي والوافي للرهاب, فأنا أستطيع أن أتحدث مع الكل بشكل طبيعي جدا, وأتعرف على الناس, ولكن حيث أني ضعيف البنية قليلا, وهذا الشيء الذي يجعلني أخاف وأقول فيما لو حدث شيء عندما أتكلم مع شخص: لن أستطيع فعل شيء.

أيضا عندما يمزح معي أصدقائي بالتضارب مثلا أو التهديد -طبعا مزح- تزيد ضربات قلبي, وتتغير ملامح وجهي, وأيضا يصيبني المغص في بطني.

أريد قواعد لأمشي عليها, وكتبا, وإرشادات أتبعها, وإن شاء الله سأتبعها, أعلم أني أملك الإرادة والتصميم, لكن أريد فقط الطريق الصحيح, والخطوات لكي أتخلص من هذا الرهاب.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد العزيز حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أنت تعايشت بصورة جيدة جدًّا مع حالة الخوف الاجتماعي المصحوبة بالرهاب والهلع التي أُصبت بها، وأستطيع أن أقول: إنك الآن وصلت إلى مرحلة جيدة من التعافي؛ لأن استبصارك وإدراكك لحالتك في حد ذاته يعتبر أمرًا جيدًا جدًّا.

الخطوات التي يجب أن تتبعها هي أولاً: أن تفهم بصورة أوسع طبيعة هذه الحالات، وما يحدث معها من تغيرات فسيولوجية, تسارع ضربات القلب عند المواجهة هو دليل قاطع على أن الجسم يحفّز نفسه بنفسه، ويكون في حالة استعداد من أجل المواجهة؛ لأن الإنسان إذا وُوجه بموقف عدواني (مثلاً) أو موقف يتطلب الاستعداد الذهني والنفسي ودرجة عالية من اليقظة، هنا الإنسان أمامه خياران:

إما أن يهرب وإما أن يواجه، وفي كلا الحالتين تُفرز مادة الأدرينالين بكميات كبيرة لتجعل القلب في حالة إنعاش أكثر ليضخ كميات أكبر من الدم، وذلك نسبة لأن حاجة الجسم للأكسجين تزداد في هذه المواقف, إذًا العملية هي عملية طبيعية فسيولوجية بحتة.

عند الذين يعانون من الرهاب ونسبة لأنهم لا يفكرون كثيرًا في هذا الأمر الفسيولوجي تجد أن الأمر يزداد عندهم، لكن إذا عرف الإنسان هذه التفاصيل العلمية البسيطة أعتقد أن ذلك يساعد كثيرًا في التفهم أن هذا الأمر هو أمر فسيولوجي طبيعي، وقد يكون إيجابيًا في ذات الوقت.

النقطة الثانية هي: يجب أن تكتب في ورقة كل مصادر خوفك، تبدأ بالصغيرة وتنتهي بالكبيرة، وبعد ذلك تضع برنامج المواجهات، برنامج المواجهات يكون في الخيال أولاً، ثم في الواقع, وفي الخيال: أن تتخيل الموقف، وما سوف يحدث لك من قلق وتوتر، ولكنك بعزيمة وإصرار تخترق هذا الخوف والتوتر لتواجه الموقف.

عش هذا الخيال بكل جدية لمدة لا تقل عن ربع ساعة، والتكرار اليومي مطلوب, والتعريض في الخيال يجب أن يعقبه التعريض الفعلي، والتعريض الفعلي يكون متدرجًا، هذا أفضل.

إذا كنت مثلاً: تأتيك هذه النوبات وأنت مستلق هنا قل لنفسك: (النوبة سوف تأتيني الآن، وهأنا أوجهها) هذا أيضًا تعريض في الخيال، وبعد ذلك خذ نفسًا عميقًا وبطيئًا عن طريق الأنف، وفي ذات الوقت فكر تفكيرًا إيجابيًا أن هذا نوع من القلق وسوف ينتهي -إن شاء الله تعالى– هذا أيضًا نوع من التعريض في الواقع والخيال في ذات الوقت، وهكذا.

ثالثًا: الإنسان يجب أن ينقي نفسه ومشاعره وسلوكياته بحيث يجعلها راقية.

قضية المزح مع الأصدقاء بالتضارب (مثلاً) هذا أولاً أمر لا داعي له، لكن إن كان لا بد منه في بعض الأحيان ومن قبيل المزاح -كما ذكرت– فهذا موقف ليس فيه تهديد أصلاً؛ لأنك تمزح، فما الذي يجعلك تخاف للدرجة التي تُدخلك في حالة من الرعب؟!

النقطة السلوكية الثالثة هي: التعرض المتكرر للمواقف الاجتماعية، نوبات الهرع والهلع والرهاب مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتجنب، لكن الإنسان الذي يواجه دائمًا، حتى المواقف التي لا تخاف منها، مثلاً: أن تكون حريصًا على صلاة الجماعة في الصف الأول، أن لا تصلي في مسجد واحد، إنما تحاول أن تنتقل بين المساجد حتى يحدث لك نوع من التطبع الإيجابي، أن تجلس دائمًا في الصفوف الأمامية في المناسبات، أن تطور مهاراتك الشخصية مثل: أن تنظر إلى الناس في وجوههم حين تتحدث معهم، وأن تبدأ بالسلام، أن تمارس رياضة جماعية مع بعض أصدقائك.

هذا كله -أيها الأخ الفاضل– من الأشياء التي ننصح بها، وهي مفيدة ومفيدة جدًّا.

إذًا تحقير فكرة الخوف، والعلاج السلوكي، والمواجهة في الخيال وفي الواقع هي التي تُجهض نوبات الخوف والرهاب والتوترات.

هنالك عدة كتب موجودة، هنالك كتاب (التعامل مع الذات) للدكتور بشير الرشيدي، أعتبره جيدًا, هناك كتاب (العلاج السلوكي) للدكتور إبراهيم الستار، وهنالك كتاب (التغيير من الداخل) للدكتور أيمن أسعد عبدو، وهنالك كتاب ديل كارنيجي المشهور والذي كتبه حول كيفية التخلص من القلق (دع القلق وابدأ الحياة), هذه كلها كتب مفيدة، وأنا متأكد إذا ذهبت إلى أحد المكتبات سوف تجد الكثير والكثير.

بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية هه

    اكثر من ذكر الله

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً