الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من مشاكل نفسية متعددة، فهل أخبر الخاطب بها؟

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة مصابة بأمراض نفسية مزمنة منذ عشر سنوات.

أعاني من عسر المزاج، واكتئاب، ووساوس، وأحلام اليقظة, وغيرها من الأمراض.

انعكس كل ذلك على شخصيتي، حيث أصبحت مهزوزة، ضعيفة، ساذجة، وعديمة الخبرة لأنها لم تعتمد على نفسها في اتخاذ أي قرار.

عائلتي تحمل الأمراض ذاتها، وهي متسلطة، وتؤثر سلباً على شخصيتي.

تقدم لخطبتي شخصا يكبرني بسبع عشرة سنة، وإنني أعتبرها فرصة لتغيير بيئتي لعلي أشفى مما أعانيه، لكنني أخشى أن تنتكس حالتي، أو أظلم هذا الإنسان، أو أظلم الذرية التي تنجم عن هذا الزواج.

هذا الخاطب مطلق سابقاً، والسبب أن طليقته كانت عنيدة، وأنا صعبة المراس، وأحتاج لزوج متفهم وحنون؛ ليساعدني على تجاوز أزمتي.

سؤالي: هل أخبر الخاطب عن وضعي الصحي؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بهية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بالنسبة ما اسميته حكم زواج الشخص الذي يعاني من أمراض نفسية مزمنة؟ أود أن أضعه في صيغة نفسية وهي: ما هي مدى صلاحية الشخص الذي يعاني من أمراض نفسية للزواج؟ وقد أكرمني الله – تعالى - بأنني كنتُ عضواً رئيساً في أحد اللجان التي كانت مختصة في البلد الذي أعمل به، وأكسبتني هذه اللجنة ومن خلال ممارساتي لسنوات طويلة الكثير من الفوائد.

- أيتها الفاضلة الكريمة -: المبدأ الأساسي لصالحية الإنسان للزواج من حيث الناحية النفسية: هو أن يفهم الحد الأدنى من معنى الزواج، ومتطلباته، ومسؤولياته، وهنالك اختبار تُجرى على الناس - حتى مرضى الفصام يُسمح لهم في بعض الأحيان بالزواج، والفصام هو مرض عقلي رئيسي – لمعرفة إذا كان المريض بحالة معقولة، ويفهم الزواج، ويلتزم بعلاجاته، ويقبله الطرف الآخر – وهذا هو العامل الرئيسي -.

مرض الاكتئاب ليس مرضًا مانعًا للزواج، التخلف العقلي من الدرجة البسيطة، ليس مانعًا للزواج، هذا بصفة عامة، وعلى وجه الخصوص؛ بالطبع كل حالة يجب أن تُدرس لوحدها، ويتخذ القرار المناسب.

أنت - أيتها الفاضلة الكريمة – ذكرت أنك تعانين من عسر في المزاج، واكتئاب مرضي، ووساوس، بالإضافة إلى أحلام اليقظة: هذه كلها اعتبرها من الحالات التي يمكن علاجها، وبصورة فعالة وممتازة جداً.

هنالك أدوية فعّالة، وهنالك علاجات سلوكية، وليس هنالك ما يمنعك من الزواج، وأنا لا أتفق معك أبدًا على أن خبراتك، ومعرفتك، وإدراكك ضعيف، والذي دفعني للاختلاف معك: هو أن مقدراتك يمكن أن نقيمها من خلال هذه الرسالة البسيطة.

أنت لست ساذجة، أنت لست سطحية، أنت لديك فكر ولديك معرفة، لكنَّ الوساوس والاكتئاب، أعطتك هذا التقييم السلبي لذاتك.

الذي أراه هو أن تقدمي على الزواج، وأن تبدئي العلاج أولاً، وأنا على ثقة تامة أنك بعد التحسن الذي سوف يطرأ عليك، والذي سوف يظهر بعد أربعة أسابيع من بداية العلاج الدوائي، أعتقد أنك سوف تكونين في وضع أفضل لاتخاذ قرار الزواج.

أما إخفاء الأعراض عن الزوج فهذا لا نؤيده، وإن كنت أقدر الحجة التي تقول أن الأمر قد يكون فيه وصمة اجتماعية، وقد لا يقبل من الأسرة، وليس من الضروري أن يكشف الإنسان ما به، لأنه إذا رُفض من جانب الطرف الآخر، هذا يعني أن الرفض سوف يتوالى من الآخرين.

أنا أعتقد أن الطرف الآخر لا بد أن يعرف بعض الحقائق، دون أي نوع من التهوين أو المبالغة.

وشيء آخر مهم وضروري من وجهة نظري: أن هذا الأخ الذي تقدم للزواج بك لا بد أنه على دراية بسماتك المختلفة، وشخصيتك، وطبائعك، لا أعتقد أن الرجل - في زمننا هذا على الأقل - يتقدم لأن يتزوج من امرأة دون أن يكون له بعض المعرفة بطباعها، ومزاجها العام، وأنت امرأة لك مهارات، تعملين في مجال التعليم، وهذا من أرفع وأسمى الوظائف من وجهة نظري.

أنا أرى أن الفكر السلبي هو الذي يسيطر عليك الآن، ولا بد أن تُسقطيه، وأنك ستكونين زوجة صالحة - إن شاء الله تعالى – وفاعلة جدًّا - إن شاء الله تعالى – وقطعًا تناول أحد الأدوية المضادة للقلق، والاكتئاب، والوساوس، سيكون مفيدًا جدًّا لك.

أسأل الله لك الشفاء، والعافية، والتوفيق، والسداد.
------------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة: د. محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-
وتليها إجابة: د. أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
------------------------------------------------------------------------
لا شك أن الزواج له أثر كبير جدًّا في علاج مثل هذه الحالات، وفي استقرار النفوس، ونعتقد أن -ابنتنا- المعلمة التي تقابل أجيال، وتتعامل مع الطلاب، أو الطالبات الصغار، عندها من النضج، وعندها من الوعي، ما يؤهلها للقيام بواجباتها كزوجة، ونسأل الله أن يعينها على إكمال المشوار.

ونحن طبعًا من الناحية الشرعية نبني على إجابة الطبيب، فكيف إذا كان الطبيب هو الدكتور محمد، وهو من المختصين في هذا المجال، ونسأل الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه.

فالناحية الشرعية تهتم بمسألة إبداء العيوب، التي تؤثر على أصل الحياة الزوجية، وتحول دون متعة الزوج، ودون نيل المقاصد، الذي أرادها بزواجه. أما بقية الأشياء؛ فإنه لا يوجد إنسان يسلم من عيوب، ويسلم من نقص، ويسلم من جوانب سالبة، لكن على كل واحد من الطرفين -رجلاً كان أو امرأة– أن ينظر إلى الجوانب الإيجابية، ويتفادى ويُغفل عن الجوانب السلبية، لأنه بدون هذا لا يمكن أن تستمر الحياة.

وأؤكد -ما قاله أيضًا الدكتور محمد- من أن الإنسان عندما يريد أن يتزوج، عليه أن يسأل، عليك أن تسألي، عليه أن يبحث، عليك أن تبحثي، لأن الزواج مشوار طويل، وطريق الحياة، ونحن لا نريد هذه الجوانب السلبية أن تُذكر كاملة، ودفعة واحدة لزوجك، ولكن لا شك أن هناك حالات تكوني فيها طبيعية، بل أكثر من طبيعية، وهناك حالات تعتريك فيها بعض هذه الإشكالات، ولعل من أسبابها، ربما وجودك في بيئة لا تقدِّر هذه الأشياء، والزوج بلا شك، سيُقدِّر هذه الأمور، وهذه الصعاب.

فلا بد من جلسة هادئة، ونتمنى أن تكوني أيضًا في وضع هادئ، تُخبري هذا الزوج بأنك وجدت بعض المعاناة، وحبذا لو ذكرتِ أسبابها، سواء كانت أسبابًا أسرية أو نحو ذلك، لأن هذا يجعل الزوج أيضًا ينظر لهذه المسألة من كافة الجوانب، ولستِ ملزمة بأن تفضحي نفسك بكل ما حدث، وتُخبري بكل ما حدث من الجوانب السلبية، أو بمعنى آخر: لا يجوز حشد السلبيات وحدها، ووضعها أمام هذا الرجل، ولكن حبذا لو ذكرت الإيجابيات، والجوانب المشرقة، ثم بعد ذلك، ذكرت أن عندك بعض المعاناة من قضايا سلبية، مرتبة، وتحمدي الله -تبارك وتعالى- كذلك على العافية، بعد أن تتناولي الأدوية المحددة، و التي بشرنا الطبيب؛ بأنها سيكون لها ثمار طيبة.

أكرر من الناحية الشرعية: لسنا ملزمين إلا بالعيوب التي تحول دون المتعة، ودون تحقيق الهدف الأصلي من الزواج، أما بقية العيوب، فلا يوجد إنسان يخلو من العيب، أو بعض الفقهاء يقول (العيوب المانعة من تحقق الاستمتاع)، الذي قصده الزوج بزواجه.

نسأل الله -تبارك وتعالى- أن يسهل أمرك، وأن يلهمك السداد والرشاد، وأن يعينك على الخير، هو ولي ذلك والقادر عليه.

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً