الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرشدوني: كيف أتخلص من وسواس النية في العبادات؟

السؤال

السلام عليكم...

أنا مبتلاة بالوسوسة الشديدة في الوضوء والصلاة والاغتسال، وتحديداً الوسوسة في النية وقطعها، حيث إنني لا أستطيع البدء في الوضوء أو الصلاة أو الاغتسال، وقد أبدأ في الوضوء وأقول: بسم...، ثم تأتيني الوسوسة وأقطع البسملة والوضوء، وأعيد من جديد، وهكذا أيضا في الصلاة، أبدأ وأقول: الله...، ثم أقطع التكبيرة وأحاول البدء من جديد في التكبيرة والصلاة، وقد لا أبدأ في الوضوء أو الصلاة أو الاغتسال بسبب الأفكار الوسواسية.

أعلم أن هذا وسواسا، وأن علاجه تجاهل الأفكار الوسواسية، وعدم الالتفات لها، لكن هذا الأمر شاق علي جداً، لا أستطيع فعله، حاولت كثيراً فعله، وفي كل مرة أعيد وأقطع وأكرر، سواء الوضوء أو الصلاة أو الغسل، حتى أنني أحس بثقل في لساني عند محاولتي نطق البسملة، عند الوضوء أو عند التكبيرة للصلاة، وقد تسبب لي هذا الوسواس بمشاكل كثيرة، وأفسد علي حياتي، مما سبب لي ضغطاً نفسياً شديداً، وعذاباً، حتى لا أكاد أنتهي من الوضوء أو الصلاة إلا وقد أنهك جسدي وعقلي ونفسيتي أيضاً، وفي أحيان كثيرة أشعر بآلام شديدة في ظهري بسبب الضغط الذي أعانيه.

أريد منكم أن توضحوا لي حلاً تفصيلياً دون أن ترجعوني إلى فتاوى واستشارات سابقة، وأن توضحوا لي بالتفصيل ما المقصود بالتجاهل وعدم الالتفات للوسوسة؟ لأنني أشعر حين أتجاهل أنني أتعمد ترك النية، وربما قد أقطعها لكنني أستمر في الوضوء أو الصلاة عملاً بالتجاهل، ولكنني أشعر أن عملي باطل، ووضوئي وصلاتي غير صحيحة، وإن كان الحل في تناول بعض الأدوية، فما هي الأدوية المناسبة؟ وما طريقة تناولها؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أتفق معك أن تجاهل الوسواس هو أمر شاق جدًّا، لذا تعلُّم فنيات التجاهل كثيرًا ما يتطلب الذهاب ومقابلة المختص مباشرة، هنالك تمارين مباشرة يعرضك فيها المختص لفكرة وسواسية ثم يطلب منك فجأة التوقف عن هذا الفكر وتحقيره.

والإنسان بجهده الخاص يستطيع في بعض الأحيان أن يُخفف من وساوسه، والتجاهل لا نقول (تجاهلي النية) لا، انوي، لكن قفي عند هذا الحد، قولي (إنني سوف أنوي، وقد نويت الآن، وأتجاهل ما بعد ذلك) ولا تدخلي في حوار وسواسي، هذا هو الذي نقصده أيضًا بالتجاهل، والإنسان إذا لم يتجاهل الوساوس بالفعل، سوف تتسلط عليه وتتشعب وتزيد من قلقه.

ومن وجهة نظري: أن العلاج الدوائي مهم ومهم جدًّا في مثل حالتك، لأن الدواء قطعًا يخفف من وطأة القلق والتوتر والوسواس، هذا أكيد وثابت.

فعالية الأدوية تبدأ بعد ثلاثة أسابيع من بداية العلاج، وحين يحس الإنسان بشيء من الاسترخاء وراحة البال، وأنه استطاع أن يغلق على وساوسه، هنا يواصل تجاهله للوسواس، ويطبق ما هو ضده تمامًا، وبذلك تكون العملية العلاجية قد اكتملت بنجاح.

أنا أعتقد أن ذهابك لمقابلة الطبيب سيكون أمرًا جيدًا جدًّا، لا تترددي في ذلك، لأنك قد تحتاجين لشيء من التطبيقات المباشرة فيما يخص التجاهل على الأسس التي ذكرتها لك، وبعد ذلك يصرف لك الطبيب الدواء.

وإن لم تستطيعي أن تذهبي، فإن من أفضل الأدوية وأسلمها والذي يمكن أن يُبدأ به دائمًا هو البروزاك، والذي يعرف علميًا باسم (فلوكستين) دواء غير إدماني، غير تعودي، ولا يؤثر على الهرمونات النسائية، الجرعة هي أن تبدئي بكبسولة واحدة صباحًا، تناوليها بعد الأكل، وتستمرين عليها لمدة أسبوع، بعد ذلك تجعلينها كبسولتين يوميًا – أي أربعين مليجرامًا – يمكنك تناولها كجرعة واحدة صباحًا – أو في رمضان بعد الإفطار – وتستمرين على هذه الجرعة لمدة شهر، وبعد ذلك من المفترض أن يكون البناء الكيميائي لهذا الدواء قد بدأ بصورة فاعلة، من ثم تحسين بشيء من الراحة.

هنا ارفعي الجرعة إلى ثلاث كبسولات في اليوم، وهذه تعتبر جرعة كبيرة نسبيًا، لكنها سليمة، والوساوس بالفعل تحتاج للجرعات الكبيرة أو المتوسطة على الأقل، هذا إن تم علاج الوسواس من خلال دواء واحد، في بعض الأحيان نضطر إلى إضافة أدوية أخرى – أو ما يُسمى بالخطة الثانية – وبعض المرضى قد يحتاجون لخطة ثالثة، وكلها معروفة ومتوفرة لدى الأطباء المختصين.

استمري على جرعة ثلاث كبسولات يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اخفضيها إلى كبسولتين يوميًا لمدة ستة أشهر، ثم كبسولة واحدة يوميًا لمدة شهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

مدة العلاج الدوائي مدة معقولة جدًّا، ومراحل العلاج واضحة، وهي: جرعة البداية، ثم الجرعة العلاجية، ثم جرعة الوقاية والاستمرارية، ثم التوقف عن الدواء.

أسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، وأشكرك على التواصل مع إسلام ويب.
----------------------------------------------------
انتهت إجابة: د.محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-,
وتليها إجابة: الشيخ/ أحمد الفودعي- مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
---------------------------------------------------
مرحبًا بك ابنتنا العزيزة- في استشارات إسلام ويب -مجددًا- ونسأل الله -تعالى- لك العافية والشفاء.

نحن أولاً ننصحك -أيتها البنت الكريمة- بالعمل بوصايا الدكتور محمد -جزاه الله تعالى خيرًا-، فقد أرشدك إلى نصائح غالية ينبغي أن تأخذيها مأخذ الجد، وستجدين -بإذن الله تعالى- تحسُّنًا في حالتك، والجزء الأكبر من العلاج يتفق فيه الأطباء النفسيين مع علماء الشريعة، وهو: أن هذه الوساوس لا علاج لها أمثل وأفضل من تجاهلها بالكلية، وهذا ما تفضلت أنت بأنك تعرفينه، ولكن يبقى الكلام في كيفية تحقيقه، وتحقيقه والعمل به أمر سهل يسير إذا حاولت أنت ذلك وجاهدت نفسك من أجله، ومما يعينك على هذه المجاهدة وهذه المحاولة أمور:

أولها: أن تعلمي أن الله -تعالى- يأجرك على هذه المجاهدة ويُثيبك عليها، لأنها سبيل للتخلص من تسلط الشيطان والوسوسة عليك، والله -تعالى- يأمرنا باجتناب سُبل الشيطان، ومن ثم فكل جُهد تبذلينه للتخلص من ذلك فإنه جُهدٌ يحبه الله -تعالى- ويرضاه منك، وهذا يقوي عزيمتك ويثبت نفسك على الصبر على هذا الطريق.

الأمر الثاني: أن تعلمي جيدًا أن دين الله -تعالى- يُسر، وأنه لا يريد بالمؤمنين الحرج ولا والمشقة، ومن مظاهر رفع الحرج والمشقة أن خفف -سبحانه وتعالى- في تشريعاته عمَّن ابتلي بالوسوسة ما لم يُخفف على غيره، ولهذا يُقرر العلماء أن شك الموسوس لا عبرة به، فلا تلتفتي إلى هذه الوسواس اعتمادًا على هذه القاعدة.

الأمر الثالث: مما يعينك على طرد الوساوس عن نفسك أن تعلمي أن هذا الاحتياط والتدين الذي يحاول الشيطان أن يُزيّنه لك، إنما هو غرور منه يحاول أن يغرّك به، وإلا فإن الله -تعالى- لا يرضى هذا النوع من الاحتياط، ولا يريده منك، ولا يرضى به، فادفعي عن نفسك هذه الأوهام.

والنيَّة أمرها سهل يسير، إذ النيَّة معناها القصد في القلب، ويستحيل أن يفعل الإنسان الفعل من غير أن يقصد به شيئًا، فما دمت تتوضئين فإنك تقصدين الوضوء، ولو سألك أي سائل: ماذا تفعلين؟ لأجبت أنك تتوضئين.

فهذه هي النية التي نتحدث عنها لا تحتاج إلى تلفظ باللسان، واستحضارها في القلب أمر سهل، لأنه لا بد وأن يكون الإنسان قاصدًا بفعله شيئًا، فإذا كنت تقصدين غسل أعضائك من أجل الصلاة أو غسل جسمك من أجل الصلاة، فهذه هي النية المقصودة، وكذلك نيَّة الصلاة، فأمر النية سهل يسير، وإذا أوهمك الشيطان أنك لم تنوي، أو أنك لم تُكبري، أو أنك لم تقرئي، فادفعي عن نفسك ذلك الوسواس وقولي في نفسك (بلى قد قرأتُ)، فإذا صبرت على هذا الطريق فإن الله -عز وجل- سيُذهب عنك هذه الوسوسة، وسييأس الشيطان منك.

نسأل الله -تعالى- بأسمائه وصفاته أن يمُنَّ عليك بعاجل العافية.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر متفائلة

    شكرا لكم علئ تنفيس الكرب

  • الجزائر ايوب

    سأحاول أن أقوم بما قلتم وشكرا على النصيحة والله ولي التوفيق

  • تركيا Aymn

    جزاكم الله خيرا

  • مصر محمد

    نفس حالتى بالظبط !!

    من أبشع و أقوى أنواع الوساوس هو وسواس النية .. لأنه بيمنعك عن انك تعمل العمل أصلا .. ربنا يشفينا و الله من الإبتلاء ده .. و بارك الله فى الدكتور و الشيخ

  • المغرب

    جزاكم الله خيرا

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً