الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل على المرء إعادة ما فرط فيه من العبادات؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

منذ سنتين أو أكثر بدأت أقرأ أموراً تتعلق بالفقه: الطهارة والوضوء، وأركان الصلاة والغسل، وغيرها، وأصبحت كلما قرأت عن أمر يتعلق بهذا الجانب، كلما اكتشفت أخطاء ارتكبتها جهلاً مني، وصرت أتساءل: هل الله سيغفر لي تلك الأخطاء رغم أنني لم أطلب العلم حتى أصححها، وهل سيعاقبني لأنني طلبت العلم في هذا العمر المتأخر؟

أنا الآن حائرة لأنني اكتشفت أن لي أخطاء في الصلاة وفي الوضوء وأيضاً في الغسل، وأخشى أن تكون الصلوات التي صليتها منذ صغري حتى هذا الوقت باطلة، وقد قرأت عن بعض العلماء يفتون بإعادة الصلوات التي صلاها المرء بوضوء خاطىء، أو كانت في صلاته بعض الأخطاء، وقد قال الله -عز وجل- { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} وأتسائل: كيف ممكن للمرء أن يعيد كل تلك الصلوات، لأنها ممكن أن تصل إلى أكثر من 300 صلاة، أظن أن الأمر شاق جداً، فكيف يفتون العلماء على ذلك، وهل هناك دليل من أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟

أعلم أن من أخطأ عليه إصلاح خطئه، وعندما أعلم بخطئي أحاول أن أصلحه، وأنسى خطئي وأقول إن الله غفور رحيم، وأستغفر وأنسى الأمر، ولكن كلما تذكرت أخطائي شعرت بالضيق والهم، وأحس أنني لم أقم بأي عبادة بصورة صحيحة، أو أن كل العبادات التي قمت بها باطلة، وأصبحت أخشى أن أكتشف أخطاء أخرى وأذم نفسي، ومع ذلك أحاول نسيان الأمر وأحاول أن أتعلم، وأبحث لكي أرفع الجهل عن نفسي، هل هذا يعني أنني غير مبالية، وعلي إصلاح خطئي بطريقة أخرى، وعلي إعادة العبادات التي لم أقم بها بشكل صحيح، حتى وإن كانت شاقة عليّ، حتى أكون جادة في عبادة ربي؟ أنا لا أعرف ماذا أفعل أو كيف أتصرف، أرجو أن توجهوني.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابنتنا العزيزةَ- في استشارات إسلام ويب، نشكر لك تواصلك معنا وحرصك على أن تؤدي عباداتك على الوجه الذي يريده الله -تعالى- منك، ونسأل الله -تعالى- أن يوفقك للخير، وأن يغفر لك كل تقصير.

أما تعلُّم العلم المتعلق بالعبادات ونحوها من الفرائض التي يُكلَّف بها الإنسان، فإن هذا القدر من العلم تعلمه فرضٌ واجبٌ، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (طلب العلم فريضة)؛ لأن هذه العبادات لا تصح إلا إذا وقعت موافقة لشرع الله -تعالى- الذي جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردُّ) فشروط العبادات لا بد من تعلمها، لأنها لا تصحَّ إلا باستيفاء شروطها، وأركان العبادات كذلك.

وأنت لم تذكري لنا مثالاً من هذه الأخطاء لنرى هل هو يؤثر في صحة العبادة أو لا، ولكن على سبيل الإجمال نقول: الواجب عليك أن تتعلمي ما يعنيك من أمور عباداتك، وإذا كنت قد وقعت في تقصيرٍ فيما مضى فاعلمي أن الله -سبحانه وتعالى- واسع المغفرة، يغفر الذنب، ويقيل العثرة، ويقبل التوبة، بل ويفرح -سبحانه وتعالى- بتوبة التائب ليُثيبه عليها، ويُبدِّل سيئاته حسنات، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

فتوبي إلى ربك من تقصيرك في تعلُّم ما يلزمك تعلمه، والتوبة تعني: الندم على ما فات، والعزم على عدم الرجوع إلى التقصير في المستقبل، مع ترك هذا الحال، فإذا فعلت ذلك فأحسني الظن بالله أنه يقبل توبتك ويغفر ذنوبك، ولن يردك خائبة.

وأما قضاء العبادات السابقة، فإن جمهور أهل العلم يرون بأن الصلاة إذا أدَّاها الإنسان مُخلاً بشروطها أو بأركانها يلزمه أن يقضيها ولو كثرت، وبعض العلماء ذهب إلى أن من صلَّى صلاةً جاهلاً ببعض أركانها أو ببعض شروطها، فإنه لا يلزمه أن يقضي تلك الصلوات، وإنما ينبغي له أن يُكثر من نوافل الصلاة ليجبر ما كان من نقصٍ في صلواته، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وجماعة من أهل العلم.

ولا حرج عليك في أن تقلدي أحد القولين، وإن كان الأحوط لك أن تعملي بقول الجمهور، وتحاولي قضاء ما فسد من صلواتك بسبب تخلف الشروط أو الأركان، هذا على فرض أن ما كنت تجهلينه يؤثر في بطلان الصلاة.

وأسباب التعلم ميسَّرة سهلة اليوم -أيتها البنت الكريمة- فالمواد المسجَّلة كثيرة، وننصحك بأن تُكثري من سماع دروس العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله تعالى- وهي موجودة على موقعه، كما أن على موقعنا الكثير من الفتاوى التي ستفيدك كثيرًا، فتصفحي العرض الموضوعي للفتاوى، وستجدين كثيرًا منها ينفعك ويفيدك.

نسأل الله تعالى أن يأخذ بيدك إلى كل خير.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً