الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من الحسد والرغبة بأن أكون الأفضل يصاحبه قلق، ساعدوني.

السؤال

السلام عليكم

طرحت على حضرتكم منذ عدة شهور سؤالاً، وأجابني الدكتور محمد عبد العليم عليه، ولا أستطيع أن أصف مدى التأثير الإيجابي الذي تركه ردكم عليّ.

حاولت رغم صعوبة الأمر الاختلاط قدر الإمكان بالآخرين والبحث عمن يتقبلني وأتقبله، صادقت عددًا من زملائي، وأصبحت أخرج معهم من وقت لآخر، شعوري بالغربة والوحدة قل بشكل ملحوظ، استمررت في تناول الفلوزاك لمدة حوالي شهرين، ثم توقفت عنه عندما شعرت بأن حالتي بدأت في التحسن.

حاليًا لدي مشكلتين أود طرحها عليك:

الأولى: لا أستطيع إطلاقا التوقف عن القلق الشديد حول مستقبلي، رغم أني مجتهد في دراستي ومستواي العلمي جيد، إلا أني لا أتوقف عن مقارنة نفسي بالآخرين والتخوف مما سيكون عليه حالي بعد عدة سنين، وهل سأكون الأفضل أم سيتفوق عليّ فلان.

هذا الأمر يحدث بقوة أيضا في الامتحانات، فتقريبًا 40% من وقتي أضيعه في التفكير في امتحاناتي الماضية، وهل سأنجح أم لا؟ وإن كنت متأكدًا من النجاح أبدأ في التفكير، هل سأحصل على تقدير مرتفع، أم منخفض؟ وإن كنت متوقعًا الحصول على تقدير مرتفع أنشغل في مقارنات بيني وبين زملائي، وهكذا، هذه الأفكار لا تتوقف، حتى في وقت الامتحان ذاته أنشغل بقوة بزملائي، وأقلق عندما أجدهم قد انتهوا مبكرًا من الحل، بينما يظل أمامي عدة أسئلة لم أستطع حلها، أو عندما أجدهم منهمكين في الحل.

ودائما في النهاية عندما تظهر نتيجتي مثلا أجد أن مخاوفي لم تكن مبررة على الإطلاق، وأني قد أضعت وقتي وجهدي وسعادتي في أفكار تافهة، لكن لا أستطيع إقناع نفسي بهذا إطلاقًا مهما حاولت.

كلما أوقفت نفسي عن هذه الافكار، أجد نفسي بعد فترة قصيرة قد عدت للتفكير فيها مجددًا، وللأسف هذه الحالة لا تقتصر فقط على فترة الامتحانات، بل تواجهني كل يوم.

هذا الحسد الشديد والرغبة في أن أكون الأفضل دائمًا تبقيني في حالة اكتئاب وقلق مستمرة، ليس فقط؛ لأنها أمور مقلقة، لكن أيضًا لأنها تشعرني بالاحتقار لنفسي حيث إني لا أستطيع التوقف عن استيراد هذه الأفكار الطفولية في رأسي.

المشكلة الثانية:

ذكرت جزءًا منها في المشكلة الأولى، ولكني سأذكرها بالتفصيل أكثر، عندما أكون في مسابقة، أو امتحان وأشعر بعدم قدرتي على حل سؤال، أو ورود سؤال غير متوقع، أبدأ في حالة ارتباك وخوف شديد تصل لدرجة أني أبدأ في الشعور برغبة شديدة في النوم (ربما أكون اقتربت من الإغماء)، وأصاب بالتعرق والجفاف والتنميل، مما يجعلني أجد صعوبة شديدة في إنجاز أي شيء، أبدأ أيضًا بالارتجاف والشعور بالصدمة، ثم أستمر في السرحان لفترات طويلة، هذه الأمور يلاحظها حتى أصدقائي.

أقلق بشدة أن الأمور لن تكون على ما يرام، أقلق جدًا من نظرة الناس لي إن فشلت، أقلق حتى من نظرتي لنفسي إن فشلت، أقلق من الفشل، وتفوق الآخرين عليّ، ودائمًا ما أترجم فشلي لضعف في تفكيري، وذكائي، وتزيد تخوفاتي، وقلقي حول مستقبلي؛ لذلك أصبحت أتجنب المنافسة في أي مسابقة رغم أني أعلم أنها ستعود عليّ بمنفعة كبيرة.

وجدت مشاكل سابقة قد أجبتم عليها وشعرت أن بها بعض ما أنا فيه، ووصفتم لها دواء الفافرين، وبما أنه متوفر لديّ بدأت في تناوله منذ أيام بجرعة 50mg، هل تقترح عليّ الاستمرار عليه، وإن كان مناسبّا، فهل الجرعة كافية؟

وشكرًا جزيلاً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ahmad حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

الذي يظهر لي أن القلق هو جزء من البنية التحتية بالنسبة لك، يعني أن درجة القلق، أو نواة القلق لديك متأصلة، وهذا أمر غير مرفوض، وليس مزعجًا إزعاجًا شديدًا؛ لأن القلق هو طاقة مطلوبة من أجل أن ينجز وينجح الإنسان، لكن يجب أن نعترف أنه إذا زاد عن اللزوم يسبب بعض الإشكالات.

أخِي الكريم: هذا التسابق الذي يأتيك في أفكارك، والخوف من المستقبل والأفكار الافتراضية التي تتسلط عليك، هذه الأفكار يصعب صدَّها، أتفق معك، وأنا لا أريدك أن تجهد نفسك في أن تُوقفها، لكن حين تأتيك حاول أن تحقّرها، يعني قلل من قيمتها، استخفَّ بها، وهذا تلقائيًا سوف يُضعفها، بمعنى أنك لا تستطيع أن تُوقف هذه الأفكار، دعها تأتي، لكن لا تعطيها قيمة كبيرة، وقل لنفسك (المستقبل بيد الله، وأنا الحمد لله تعالى أسعى بقدر ما أستطيع لأن أؤمِّن مستقبلاً ناجحًا ورائعًا، وهذا يكفي تمامًا، ولذا لن أهتم بهذه الأفكار).

هذا النوع من الإملاء الداخلي الذاتي على النفس يساعد في حدِّة الأفكار الاستباقية القلقية التي تسيطر عليك.

وبالنسبة لسؤالك الثاني: أعتقد أن الذي تعاني منه هو قلق الأداء، لحظات معينة في حياة الإنسان تتطلب الاستعداد والتحفز مثل الامتحانات، وأنت من شدة تحفزك وارتفاع درجة اليقظة عندك تأتي هذه النتائج العكسية مثل الشعور بالارتباك والخوف الشديد، حتى يأتيك الشعور بالرغبة في النوم، هذه حالة معروفة جدًّا مرتبطة بقلق الأداء.

وشكواك الأولى والثانية تدفعني (حقيقة) أن أقتنع قناعة تامة أنك في حاجة لدواء بجرعة بسيطة، وأعتقد أن اقتراحك بتناول الفافرين هو أمر جيد، الفافرين دواء جيد مضاد للقلق، محسن للمزاج، مضاد للوساوس، وأنت لن تحتاج له بجرعة كبيرة.

استمر على جرعة الخمسين مليجرامًا لمدة شهرين، بعد ذلك ارفعها إلى مائة مليجرام، المائة مليجرام سوف تكون جرعة علاجية، تعطي صلابة أقوى لمقاومة القلق والتوتر، وبعد انقضاء شهرين وأنت على جرعة المائة مليجرام ارجع بعد ذلك لجرعة الخمسين مليجرامًا كجرعة وقائية، وأعتقد أنك يمكن أن تستمر عليها لمدة عام دون أي إشكالية، بعد ذلك اجعلها خمسين مليجرامًا يومًا بعد يوم لمدة شهرين، أو ثلاثة، ثم توقف عن تناول الدواء.

أخي الكريم: أود أن أضيف أيضًا أن ممارسة الرياضة وتمارين الاسترخاء تعتبر قيمة أساسية ومهمة وأصيلة في إزالة نوعية القلق الذي تعاني منه، فاحرص على ذلك، وقطعًا أنا سعيد جدًّا أن أسمع بالتطور الإيجابي الذي حدث لك فيما يخص تواصلك الاجتماعي، وتطوير الذات الذي سعيت له.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً