الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بعد أن خطبتها بموافقة أمي وكتبت الكتاب.. أمي تصر أن أطلقها، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية أشكر القائمين على هذا الموقع؛ لما فيه من الفوائد والخير الذي يعم على الجميع، فجزاكم الله خيرا.

موضوعي: أني عندما كنت طالبًا في الجامعة كنت قليل الاهتمام بدراستي، ولكن ليس بشكل يقلق، كنت أريد أن أعيش شبابي وأتمتع مع أصدقائي مثل أي شاب بعمري، ومن صدف الأيام أن أتعرف على زميلة لي في نفس الكلية ونفس العام الدراسي، وكانت من المتفوقين دراسيًا، وتبادلنا نفس الإعجاب والحب، ومباشرة تحدثت إلى والدتي؛ لكي تتعرف عليها، وتطمئن البنت.

عندما تحدثت إلى والدتي رحبت جدًا، وبالأخص عندما علمت أنها متفوقة، وتحدثت مع البنت، ومنذ بداية الدراسة أصبحنا -أنا والبنت- مع بعض في كل شيء، وتركت أصدقائي، وأصبحت مهتمًا بدراستي ونذاكر سويًا، وأحببتها وأحبتني، ورأيت فيها الطاعة والأدب، وأنها تصلح أن تكون زوجتي، وكانت البنت صريحة معي، وكانت ظروفهم المادية صعبة، ومستواهم المادي والاجتماعي غير مستوانا، ولكن لا يعيبهم شيء: أخلاقًا أو دينًا أو أي شيء.

تقدمت لها، وأمي عندما رأت الحال بدأت في التردد، وأصررت وخطبتها، ودخلنا السنة الأخيرة وانتهينا منها، وأمي خلال هذه السنة كان كل تفكيرها الانتهاء من الدراسة وفسخ الخطوبة من البنت، واتضح لي أن هذا كان الهدف الأول من سماحها لي بالارتباط. والمهم أني أقنعتها، وهي أيضًا مقتنعة بالبنت، ومن وجهة نظرها: لا يعيبها إلا المستوى المادي والاجتماعي.

كتبت كتابي على البنت وسافرت، وأمي الآن تلح علي بأن أطلقها، مع العلم أني أحب زوجتي جدًا وراض بحالها، ومستواها المادي لا يعني لي شيئًا، ولكن أمي تلح علي بالطلاق بحجج: إن أولادي سوف يتأثرون بهذا النسب، وأني في يوم من الأيام سوف أندم، مع العلم أن زوجتي تعامل أمي أفضل معاملة، ولم يصدر منها أي شيء لكره أمي لحالهم، وإن سألتها: هل فعلت لك شيئاً؟ تقول: لا. ولكن حجتها: أني لم أدخل بالبنت، وما زلنا على البر. أفيدوني: ماذا أفعل غير أني أنصح أمي بحبها وتقبلها؛ لأني حاولت بشتى الطرق؟

شكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ كريم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -ابننا الفاضل- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونحيي رغبتك في الإكمال، ونسأل الله أن يهدي والدتك وأن يصلح الأحوال، وأن يحقق لنا ولكم الآمال.

لا يخفى عليك أن مجرد التفكير في ترك الفتاة فيه إساءة بالغة وظلم واضح، وقد قال رجل لعمر رضى الله عنه-: عندي زوجة وأنا أحبها وأمي تأمرني بطلاقها، فقال: لا تفعل، إنما الطاعة في المعروف.

وأرجو أن تجتهد في إرضاء الوالدة وفي التلطف معها، واطلب مساعدة الخالات والعمات والداعيات بعد أن تتوجه إلى رب الأرض والسموات، واعلم أن قلب الوالدة وقلوب المؤمنين والمؤمنات بين أصابع الرحمن يقلبها ويصرفها.

والإنسان يرتفع بطاعته لله وليس بنسبه أو ماله أو حسبه، وكل هذه الأمور ليست من كسبه {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، وأبو لهب عم النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينفعه نسبه حين كفر بالله وقد أحسن من قال:

لقد رفع الإسلام سلمان فارس = ووضع الشركُ الشريفَ أبا لهب

وأحسن من قال:

كن ابن من شئت واكتسب أدبا = يغنيك محموده عن النسب.

وإذا كانت الوالدة قد وافقت على الفتاة بداية؛ فلا يضرك ما حصل من ترددها، ولا وزن لما أشارت إليه؛ لأنه ليس سببا شرعيا، ومع ذلك فنحن نكرر لك النصح بأهمية ملاطفتها، وزيادة البر لها، والمبالغة في إكرامها؛ فهي أم، وحقها التكريم وعليك بالصبر، حتى لو اشتدت، ونبشرك بأنها سوف ترضى في آخر المطاف إذا أحسنت التلطف معها، وأرجو ألا تشعر زوجتك بما يدور بينك وبين الوالدة؛ حتى تبقى القلوب على صفائها؛ لأن القلوب كما قال الشاعر:

إن القلوب إذا تنافر ودها = مثل الزجاجة كسرها لا يجبر.

وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونسأل الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن يجمع بينك وبين زوجتك على الخير، وأن يهدي والدتك ويرزقك برها.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً